طرق التوعیة الإلهیّة المختلفة:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 8
سورة المؤمنون / الآیة 75 ـ 80 سورة المؤمنون / الآیة 81 ـ 90

عرضت الآیات السابقة الحجج التی یتذرّع بها منکرو الحقّ فی رفض الرسالات وإیذاء الأنبیاء (علیهم السلام). وتناولت هذه الآیات إتمام الحجّة علیهم من قبل الله تعالى وتوعیتهم.

فتقول أوّلا: إنّنا تارةً نشملهم برعایتنا ونرزقهم من وفیر النعمة لینتبهوا، ولکن: (ولو رحمناهم وکشفنا ما بهم من ضُرّ للجّوا فی طغیانهم یعمهون).

والله تعالى یبتلیهم لعلّهم یَعُون حین لا تجدی بهم رحمته سبحانه، لکنّ طائفة غالبة منهم لم یستیقظوا حتى بالبلاء المذلّ (ولقد أخذناهم بالعذاب فما استکانوا لربّهم وما یتضرّعون)(1).

«التضرّع» ـ کما أسلفنا ـ مشتقّة من الضرع بمعنى الثدی، فالتضرّع یعنی الحلب، ثمّ استعملت بمعنى التسلیم المخالط بالتواضع والخضوع.

وتعنی هذه الآیة أنّ المشرکین لم یتخلّوا عن غرورهم وعنادهم وتکبّرهم، ولم یستسلموا للحقّ حتى وهم یواجهون أشدّ النکبات عصفاً بهم.

وإذا ما فسّر التضرّع فی الرّوایات بأنّه رفع الیدین نحو السّماء للدعاء، فهو أحد مصادیق هذا المعنى الواسع.

فالله تعالى یواصل هذه الرحمة والنعمة والعقوبات، والمشرکون یواصلون طغیانهم وعنادهم (حتى إذا فتحنا علیهم باباً ذا عذاب شدید إذا هم فیه مبلسون)(2).

الواقع، أنّ نوعین من العقاب الإلهی: أوّلهما «عقاب الإبتلاء»، وثانیهما «عقاب الإستیصال» والإقتلاع من الجذور، والهدف من العقاب الأوّل وضع الناس فی صعوبات وآلام لیدرکوا مدى ضعفهم ولیترکوا مرکب الغرور.

أمّا هدف العقاب الثّانی الذی ینزل بالمعاندین المستکبرین فهو إزالتهم عن مجرى الحیاة، وتطهیرها من عراقیلهم، لأنّه لم یبق لهم حقّ الحیاة فی نظام الحقّ، ولهذا یستوجب إقتلاع هذه الأشواک من طریق تکامل البشر.

وبین المفسّرین اختلاف فی قصد الآیة من عبارة (باباً ذا عذاب شدید).

فالکثیرون یرون أنّه الموت، ثمّ العذاب وعقاب یوم القیامة.

وآخرون یرونه القحط الشدید الذی واجه المشرکین سنین عدیدة بدعاء من النّبی(صلى الله علیه وآله)، فأصبحوا لا یجدون ما یأکلون، حتى تناولوا ما تشمئز منه الأنفس.

وغیرهم یرونه العقاب الألیم الذی نزل على المشرکین بضربات سیوف جند الإسلام فی معرکة بدر.

وهناک احتمال أنّ الآیة لا تختصّ بفئة معیّنة، بل هی إستعراض لقانون شامل عامّ للعقوبات الإلهیّة، یبدأ من الرحمة، فالتنبیه والعقاب التربوی، وینتهی بعذاب الإقتلاع من الجذور والدمار(3).

ثمّ تناول القرآن المجید القضیّة من باب آخر، فعدّد النعم الإلهیّة لدفع الناس إلى الشکر (وهو الذی أنشأ لکم السمع والأبصار والأفئدة قلیلا ما تشکرون) والتأکید على (الاُذن والعین والعقل) لأنّها الأجهزة التی بها یتعرّف الإنسان على المحسوسات والقضایا، فالأشیاء الحسیّة یبلغها بالعین والاُذن، والقضایا غیر الحسّیة یدرکها بالعقل.

ویکفی لمعرفة أهمیّة حاسّتی النظر والسمع أن نتصور حالة الإنسان الذی یفقدهما، إذ تظلّم الدنیا بعینه. وبفقدان هاتین الحاسّتین بالولادة تفقد حواسّ اُخرى عملها، فالأصمّ بالولادة یکون بالبداهة أبکم، فإنطلاق اللسان مرتبط بسمع الإنسان وبفقدهما یفقد الإنسان وسیلة إرتباطه مع الآخرین.

وبعد هاتین الحاسّتین اللتین هما مفتاح الإدراک لعالم المادّة، یأتی العقل الذی ینتزع الأفکار ممّا تُموّنه به الحواسّ، ویجتاز الطبیعة إلى ما وراءها، ومهمّته النقد والإستنتاج والترتیب والتعمیم وتحلیل محصّلة حاسّتی البصر والسمع وسواهما، أفلا یستحقّ الذین لا یشکرونه على هذه الأدوات الثلاث للمعرفة الذمّ واللوم؟ ألا یکفی التدقیق فی تفاصیلها دلیلا على معرفة الخالق وعظیم إحسانه للعباد؟

وتقدیم ذکر الاُذن والعین على العقل فی الآیة المذکورة له ما یسوّغه، ولکن لماذا تقدّم السمع على البصر؟ یحتمل ـ کما یقول العلماء ـ أنّ اُذن الولید تعمل أوّلا، ثمّ عینه، فالعینان مغلقتان فی عالم الرحم ولیست لدیهما أىّ إستعداد وقابلیة على مشاهدة أمواج النور، ولذلک تبقیان هکذا بعد الولادة قلیلا، ثمّ تتعوّدان النور تدریجیّاً.

ولیست الاُذنان هکذا، حتى أنّ بعضهم یرى أنّها قادرة على السماع حتى فی الرحم(4). فهی تسمع صوت دقّات قلب الاُمّ.

إنّ بیان المواهب الثلاث أعلاه یشکّل دافعاً لمعرفة واهب هذه النعم، وهو المنعم الوحید حقّاً (مثلما یرى علماء العقائد فی شکر المنعم أساساً لوجوب معرفة الله عقلا).

وتناولت الآیة اللاحقة خلق الله سبحانه للإنسان من التراب، فتقول: (وهو الذی ذرأکم فی الأرض)(5).

وبما أنّه ـ جلّ إسمه ـ خلقکم من الأرض، لذلک ستعودون إلیها مرّة ثانیة، ثمّ یبعثکم: (وإلیه تحشرون).

ولو فکّرتم فی خلقکم من تراب لا قیمة له، لدلّکم على خالق الوجود سبحانه، وعرّفکم على کریم لطفه بکم وإحسانه إلیکم، وقادکم إلى الإیمان به وبالمعاد.

وبعد ذکر خلق الإنسان، تناولت الآیة المذکورة آنفاً دلائل اُخرى من بدیع صنع الله تعالى (وهو الذی یحیی ویمیت وله إختلاف اللیل والنهار أفلا تعقلون).

وبهذا الترتیب بدأ البیان القرآنی من الدافع لإستیقاظ القلب وإنبعاثه على معرفة ربّه سبحانه وإنتهى بذکر بعض أهمّ الآیات الأنفسیّة والآفاقیة، فالقول المبارک إستعرض مسیرة الإنسان منذ الولادة حتى الموت والعودة إلى الله تعالى، التی تتمّ مراحلها جمیعاً بإرادة الله العزیز الحکیم.

وممّا یلفت النظر جعل الله الموت والحیاة إلى جانب إختلاف اللیل والنهار، وذلک لکون النور والظلام فی عالم الوجود کالموت والحیاة للکائنات، فمثلما یجد الخلق حرکته ونشاطه بین أفواج النور، ویستخفی بین أستار الظلام، کذلک تبدأ الأحیاء حرکتها ونشاطها فی نور الحیاة، وتستخفی فی ظلمة الموت، ولکلیهما صفة التدرّج.

وسبق أن قلنا بأنّ «إختلاف» اللیل والنهار قد یعنی توالیهما حیث یخلف اللیل النهار، ویخلف النهار اللیل، وقد یعنی اختلافهما وتفاوتهما التدریجی الذی یوجد الفصول الأربعة، ویقود دورة الحیاة فی عالم النبات فی ظلّ نظام دقیق.

وکلّ هذه المسائل یمکن أن تکون السبیل إلى معرفة الله، إذا انتبه لها الإنسان وتأمّلها بفطنة.

ولهذا تقول الآیة فی النهایة: (أفلا تعقلون)؟!


1. «استکانوا» مشتقّة من «السکون» ، بمعنى الصمت فی حالة الخضوع والخشوع، وبهذه الصورة ستکون من باب «إفتعال» التی کانت فی الأصل «استکنوا». أشبعت فتحة الکاف وبدّلت إلى ألف. فأصبحت استکانوا، وقال البعض: إنّها مشتقّة من کون، ومن باب «إستفعال» أی طلب الإقامة فی مکان بخضوع وخشوع، وعلى کلّ حال فإنّها تبیّن حالة العبد الخاضع لربّه، وقد اعتبرها البعض بمعنى الدعاء بسبب کونه أحد مصادیق الخضوع والتواضع، أمّا الاحتمال الثالث، فهی مشتقّة عن «الکین» على وزن «عین» ومن باب الإستفعال، لأنّها تعنی الخضوع أیضاً، وجمیع هذه المعانی متقاربة.
2. «المبلس» کلمة مشتقّة من «الإبلاس». بمعنى الألم الشدید الناتج عن شدّة أثر الحادثة. وتدفع بالإنسان إلى الصمت والحیرة والیأس.
3. الآیة (إنّ الذین لا یؤمنون بالآخرة) التی ذکرت قبل هذه الآیات تؤیّد هذا التّفسیر.
4. تحدّثنا عن أجهزة التعرّف الثلاثة فی تفسیر الآیة 78 من سورة النحل.
5. «ذرأ» مشتقّة من الذرء (على وزن زرع). وهی فی الأصل بمعنى الخلق والإیجاد والإظهار، إلاّ أنّ کلمة (ذرو) وهی أیضاً على وزن فعل بمعنى البعثرة.
سورة المؤمنون / الآیة 75 ـ 80 سورة المؤمنون / الآیة 81 ـ 90
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma