فی حدیث عن ابن عباس قال: أخبرنی أبی بن کعب قال: خطبنا رسول الله (صلى الله علیه وآله) فقال: «إنّ موسى (علیه السلام) قام خطیباً فی بنی إسرائیل، فسئل أی الناس أعلم؟ قال: أنا.
فعتب الله علیه إذ لم یرد العلم إلیه. فأوحى إلیه: إنَّ لی عبداً بمجمع البحرین هو أعلم مِنک.
قال موسى: یا ربّ فکیف لی به؟
قال: تأخذ معک حوتاً...» (1) إلخ الرّوایة حیثُ أرشد تعالى نبیّه موسى للوصول إلى الرجل العالم.
کما روی ما یشابه هذا الحدیث عن الإمام الصادق (علیه السلام) (2) .
إنَّ مفاد هذه الواقعة هو تحذیر لموسى (علیه السلام) حتى لا یعتبر نفسه ـ برغم علمه ومعرفته ـ أفضل الأشخاص.
السؤال: ولکن هنا یثار هذا السؤال: ألا یجب أن یکون النّبی ـ وهو هنا مِن أولی العزم وصاحب رسالة ـ أعلم أهل زمانه؟
الجواب: فی معرض الجواب نقول: نعم، ینبغی أن یکون أعلم فیما یتعلّق بمهمّته، یعنی الأعلم بالنظام التشریعی، وموسى (علیه السلام) کان کذلک، أمّا الرجل العالِم (الخضر) فهو کما قلنا سابقاً، کانت لهُ مهمّة تختلف عن مهمّة موسى (علیه السلام) ولا ترتبط بعالم التشریع، بعبارة اُخرى: إنَّ الرجل العالم کان یعرف مِن الأسرار ما لا تعتمد علیه دعوة النّبوة.
وفی حدیث جاء عن الإمام الصادق (علیه السلام) قوله: «کان موسى أعلم مِن الخضر» (3) . أی أعلم مِنهُ فی علم الشرع.
وهنا نلاحظ أنَّ هذه الشبهة وقضیة نسیان موسى (علیه السلام) هما اللتان دفعتا البعض إلى القول أنَّ موسى المذکور فی القصّة لیسَ هو موسى بن عمران، بل هو شخص آخر. لکن مع حلّ هاتین المشکلتین لا یبقى مجال لهذا الکلام.
وفی حدیث عن الإمام علی بن موسى الرض (علیه السلام) نرى إشارة صریحة إلى أنّ مهمّة ووظیفة کلّ مِن موسى والخضر کانت تختلف عن الآخر، فقد کتب أحدهم إلى الإمام الرض (علیه السلام) یسأله عن العالم الذی أتاه موسى، أیّهما کان أعلم؟ فکان ممّا أجاب به الإمام قوله (علیه السلام): «أتى موسى العالم فأصابه فی جزیرة مِن جزائر البحر إمّا جالساً وإمّا مُتکئاً فسلَّم علیه موسى، فأنکر السلام، إذ کانت الأرض لیسَ بها سلام. قال: مَن أنت؟ قال: أنا موسى بن عمران. قال: أنت موسى بن عمران الذی کلمه الله تکلیماً؟ قال: نعم، قال: فما حاجتک؟ قال: جئت لتعلمنی ممّا علمت رشداً. قال: إنّی وکلت بأمر لا تطیقه، وَوُکِلتَ بأمر لا أطیقه» (4) .
وَمِن المناسب هُنا أن نختم هذه الفقرة بما رواه صاحب «الدر المنثور» عن الحاکم النیسابوری مِن أنَّ النّبی (صلى الله علیه وآله) قال: «لمّا لقی موسى الخضر، جاء طیر فألقى منقاره فی الماء، فقال الخضر لموسى: تدری ما یقول هذا الطائر؟ قال: وما یقول؟ قال: یقول: ما علمک وعلم موسى فی علم الله إلاَّ کما أخذ مِنقاری مِن الماء» (5) .
1. تفسیر مجمع البیان، ج 6، ص 481.
2. تفسیر نورالثقلین، ج 3، ص 275.
3. تفسیر المیزان، ج 13، ص 383.
4. تفسیر مجمع البیان، ج 6، ص 480.
5. تفسیر الدرّالمنثور ومصادر اُخرى طبقاً لما نقله تفسیر المیزان، ذیل الآیة مورد البحث.
