المعلم الإلهی والأفعال المنکرة!!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 7
سورة الکهف / الآیة 71 ـ 78 سورة الکهف / الآیة 79 ـ 82

نعم، لقد ذهب موسى وصاحبهُ ورکبا السفینة: (فانطلقا حتى إذا رکبا فی السفینة ).

من الآن فصاعداً نرى القرآن یستخدم ضمیر المثنّى فی جمیع الموارد، والضمیر إشارة إلى موسى والعالم الرّبانی، وهذه إشارة إلى إنتهاء مهمّة صاحب موسى (علیه السلام) (یوشع) ورجوعه، أو أنَّهُ لم یکن معنیّاً بالحوادث بالرغم مِن أنَّهُ قد حضرها جمیعاً، إلاَّ أنَّ الاحتمال الأوّل هو الأقوى.

عندما رکبا السفینة قام العالم بثقبها: (خرقه ).

«خرق» کما یقول الراغب فی المفردات: الخرق، قطع الشیء على سبیل الإفساد بلا تدبّر ولا تفکّر حیث کان ظاهر عمل الرجل العالِم على هذا المنوال.

وبحکم کَوْن موسی (علیه السلام) نبیّاً إلهیّاً کبیراً فقد کان مِن جانب یرى أنّ من واجبه الحفاظ على أرواح وأموال الناس، وأن یأمر بالمعروف وینهى عن المنکر، ومِن جانب آخر کان وجدانه الإنسانی یضغط علیه ولا یدعهُ یسکت أمام أعمال الرجل العالِم التی یبدو ظاهرها سیّئاً قبیحاً، لذا فقد نسیَ العهد الذی قطعهُ للخضر (العالم) فاعترض وقال: (قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شیئاً إمر ).

لا ریب إنَّ هدف العالم (الخضر) لم یکن إغراق مَن فی السفینة، ولکنَّ النتیجة النهائیة لخرق السفینة لم یکن سوى غرق مَن فی السفینة، لذا فقد استخدم موسى (علیه السلام) (اللام الغائیة) لبیان الهدف.

مثل ذلک ما نقوله للشخص الذی یأکل کثیراً، عندما نقول لهُ: أترید أن تقتل نفسک؟!

بالطبع مِثل هذا لا یرید قتل نفسه بکثرة الطعام، إلاَّ أنَّ نتیجة عمله قد تکون هکذا.

«إمر» على وزن «شمر» وتطلق على العمل المهم العجیب أو القبیح للغایة.

وحقّاً، لقد کان ظاهر عمل الرجل العالِم عجیباً وسیّئاً للغایة، فهل هُناک عمل أخطر مِن أن یثقب شخص سفینة تحمل عدداً مِن المسافرین!

وفی بعض الرّوایات نقرأ أنَّ أهل السفینة انتبهوا إلى الخطر بسرعة وقاموا بإصلاح الثقب (الخرق) مؤقتاً، ولکن السفینة أصبحت بعد ذلک معیبة وغیر سالمة.

وفی هذه الأثناء نظر الرجل العالِم إلى موسى (علیه السلام) نظرة خاصّة وخاطبه: (قال ألم أقل إنّک لن نستطیع معی صبر ).

أمّا موسى الذی ندم على استعجاله، بسبب أهمیة الحادثة، فقد تذکَّر عهده الذی قطعه لهذا العالِم الأستاذ، لذا فقد التفت إلیه قائلا: (قَال لا تؤاخذنی بما نسیت ولا ترهقنی مِن أمری عسر ). یعنی لقد أخطأت ونسیت الوعد  فلا تؤاخذنی بهذا الإشتباه.

«لا ترهقنی» مُشتقّة مِن «إرهاق» وتعنی تغطیة شیء ما بالقهر والغلبة، وتأتی فی بعض الأحیان بمعنى التکلیف، وفی الآیة ـ أعلاه ـ یکون معناها: لا تصعِّب الاُمور علیَّ، ولا تقطع فیضک عنّی بسبب هذا العمل.

لقد انتهت سفرتهم البحریة وترجّلوا مِن السفینة: (فانطلقا حتى إذا لقیا غلاماً فقتله )، وقد تمَّ ذلک بدون أی مقدمات!

وهنا ثار موسى (علیه السلام) مرّة اُخرى حیث لم یستطع السکوت على قتل طفل بریء بدون أی سبب، وظهرت آثار الغضب على وجههِ وملأَ الحزن وعدم الرضا عینیه ونسی وعده مرّةً اُخرى، فقام للإعتراض، وکان اعتراضه هذه المرَّة أشد مِن اعتراضه فی المرّة الاُولى، لأنَّ الحادثة هذه المرَّة کانت موحشة أکثر من الاُولى، فقال (علیه السلام): (قال أقتلت نفساً زکیّةً بغیر نفس ). أی إنّک قتلت انساناً بریئاً من دون أن یرتکب جریمة قتل، (لقد جئت شیئاً نکر ).

کلمة «غلام» تعنی الفتى الحدث، أی الصبی سواء کان بالغاً أو غیر بالغ. وبین المفسّرین ثمّة کلام کثیر عن الغلام المقتول، وفیما إذا کان بالغاً أم لا، فالبعض استدل بعبارة (نفساً زکیّة ) على أنَّ الفتى لم یکن بالغاً، والبعض الآخر اعتبر عبارة (بغیر نفس ) دلیلا على أنَّ الفتى کانَ بالغاً، ذلک لأنَّ القصاص یجوز بحق البالغ فقط، ولکن لا یمکن القطع فی هذا المجال بالنسبة لنفس الآیة.

«نکر» تعنی القبیح والمنکر، وأثرها أقوى مِن کلمة «إمر» التی وردت فی حادثة ثقب السفینة، والسبب فی ذلک واضح، فالأمر الأوّل قد أوجد الخطر لمجموعة مِن الناس، إلاَّ أنّهم تدارکوه بسرعة، لکن ظاهر العمل الثّانی یدل على إتکاب جریمة.

ومرّة اُخرى کرَّر العالم الکبیر جملته السابقة التی إتّسمت ببرود خاص، حیث قالَ لموسى (علیه السلام): (قال أَلم أقل لک إنّک لن تستطیع معی صبر ).

والاختلاف الوحید مع الجملة السابقة هو إضافة کلمة «لک» التی تفید التأکید الأکثر; یعنی: إنّنی قلت هذا الکلام لشخصک!

تذکّر موسى تعهّده فانتبه إلى ذلک وهو خجل، حیث أخلَّ بالعهد مرَّتین ـ ولو بسبب النسیان ـ وبدأ تدریجیاً یشعر بصدق عبارة الأستاذ فی أنَّ موسى  لا یستطیع تحمّل أعماله، لذا فلا یطیق رفقته کما قالَ لهُ عندما عرض علیه موسى الرفقة، لذا فقد بادر الى الاعتذار وقال: إذا اعترضت علیک مرّة اُخرى فلا تصاحبنی وأنت فی حلٍّ منّی: (قال إن سألتک عن شیء بعدها فلا تصاحبنی قد بلغت مِن لدنّی عذر ). صیغة العذر هنا تدل على انصاف موسى (علیه السلام) ورؤیته البعیدة للاُمور، وتبیّن أنَّهُ (علیه السلام) کانَ یستسلم للحقائق ولو کانت مرّة; بعبارة اُخرى: إنّ الجملة توضّح وبعد ثلاث مراحل للاختبار أنَّ مهمّة هذین الرجلین کانت مُختلفة.

بعد هذا الکلام والعهد الجدید: (فانطلقا حتى إذا أتیا أهل قریة استطعما أهلها فأبوا أن یضیّفوهم ).

لا ریب، إنَّ موسى وصاحبه لم یکونا ممّن یلقی بکلّه على الناس ولکن یتّضح أنَّ زادهم وأموالهم قد نفدت فی تلک السفرة، لذا فقد رغبا أن یضیفهما أهل تلک المدینة (ویحتمل أنَّ الرجل العالم تعمّد طرح هذا الإقتراح کی یعطی موسى درساً بلیغاً آخر).

ویجب أن نلتفت إلى أنَّ (قریة) فی لغة القرآن تنطوی على مفهوم عام، وتشمل المناطق السکنیة فی الریف والمدینة، أمّا المقصود مِنها فی الآیة فهو المدینة لا القریة، کما تصرّح بعد ذلک الآیات اللاحقة.

وذکر المفسّرون نقلا عن ابن عباس أنَّ المقصود بهذه المدینة، هو (أنطاکیة) (1) .

وذکر آخرون: إنَّ المقصود مِنها هو مدینة «أیلة» التی تسمى الیوم میناء (أیلات) المعروف والذی یقع على البحر الأحمر قرب خلیج العقبة، أمّا البعض الثّالث فیرى بأنّها مدینة (الناصرة) الواقعة شمال فلسطین، وهی محل ولادة السیّد المسیح (علیه السلام). وقد نقل العلاّمة الطبرسی حدیثاً عن الإمام الصادق (علیه السلام) یدعم صحة هذا الاحتمال.

ورجوعاً إلى ما قلناه فی المقصود مِن (مجمع البحرین) إذ قلنا: إنَّهُ کنایة عن محل التقاء خلیج العقبة وخلیج السویس، یتّضح أنَّ مدینة (الناصرة) أو میناء (أیلة) أقرب إلى هذا المکان من انطاکیة.

المهم فی الأمر، أنّنا نستنتج مِن خلال ما جرى لموسى (علیه السلام) وصاحبه مِن أهل هذه المدینة أنّهم کانوا لئاماً دنیئی الهمّة، لذا نقرأ فی روایة عن رسول الله (صلى الله علیه وآله) قوله فی وصف أهل هذه المدینة: «کانوا أهل قریة لئام» (2) .

ثمّ یضیف القرآن: (فوجدا فیها جداراً یرید أن ینقضّ فأقامه ) (3) وقد کان موسى (علیه السلام) یشعر بالتعب والجوع، والأهم مِن ذلک أنَّهُ کان یشعر بأنَّ کرامته وکرامة أستاذه قد أهینت مِن أهل هذه القریة التی أبت أن تضیفهما; ومِن جانب آخر شاهد کیف أنَّ الخضر قام بترمیم الجدار بالرغم مِن سلوک أهل القریة القبیح إزاءهما، وکأنَّهُ بذلک أراد أن یجازی أهل القریة بفعالهم السیّئة; وکان موسى یعتقد بأنّ على صاحبه أن یُطالب بالأجر على هذا العمل حتى یستطیعا أن یُعدّا لأنفسهما طعاماً.

لذا فقد نسی موسى (علیه السلام) عهده مرّة اُخرى وبدأ بالإعتراض، إلاَّ أنَّ اعتراضه هذه المرَّة بدا خفیفاً فقال: (قال لو شئت لتّخذت علیه أجر ).

وفی الواقع فإنَّ موسى یعتقد بأنَّ قیام الإنسان بالتضحیة فی سبیل أناس سیئین عمل مجاف لروح العدالة; بعبارة اُخرى: إنَّ الجمیل جیِّد وحسن، بشرط أن یکون فی محلّه.

صحیح أنَّ الجزاء الجمیل فی مقابل العمل القبیح هو مِن صفات الناس الإلهیین، إلاَّ أنَّ ذلک ینبغی أن لا یکون سبباً فی دفع المسیئین للقیام بالمزید مِن الأعمال السیّئة.

وهنا قالَ الرجل العالم کلامه الأخیر لموسى، بأنّک ومِن خلال حوادث مُختلفة، لا تستطیع معی صبراً، لذلک قرَّر العالم قراره الأخیر: (قال هذا فراق بینی وبینک سأنبّئک بتأویل ما لم تستطع علیه صبر ).

موسى (علیه السلام) لم یعترض على القرار ـ طبعاً ـ لأنَّهُ هو الذی کان قد اقترحهُ عندَ وقوع الحادثة السابقة، وهکذا ثبت لموسى أنَّهُ لا یستطیع الإستمرار مع هذا الرجل العالم، ولکن برغم کلّ ذلک، فإنَّ خبر الفراق قد نزل بوقع شدید على قلب موسى (علیه السلام)، إذ یعنی فراق أستاذ قلبه مملوء بالأسرار، ومفارقة صُحبة ملیئة بالبرکة، إذ کان کلام الأستاذ دَرساً، وتعاملهُ یتّسم بالإلهام; نور الله یشع مِن جبینه، وقلبه مخزن للعلم الإلهی.

إنّ مفارقة رجل بهذه الخصائص أمرٌ صعب للغایة، لکن على موسى (علیه السلام) أن ینصاع لهذه الحقیقة المُرَّة.

المفسّر المعروف أبو الفتوح الرازی یقول: ورد فی الخبر، أنَّ موسى (علیه السلام) عندما سُئِلَ عن أصعب ما لاقى مِن مُشکلات فی طول حیاته، أجاب قائلا: لقد واجهت الکثیر مِن المشاکل والصعوبات (إشارة إلى ما لاقاه (علیه السلام) مِن فرعون، وما عاناه مِن بنی إسرائیل) ولکن لم یکن أیّاً مِنها أصعب وأکثر ألماً على قلبی مِن قرار الخضر فی فراقی إیَّاه(4) .

«تأویل» مَن «أول» على وزن «قول» وتعنی الإرجاع، لذا فإنَّ أی عمل أو کلام یُرجعنا إلى الهدف الأصلی یُسمّى «تأویل» کما أنَّ رفع الحجب عن أسرار شیء هو نوع مِن التأویل.

اطلاق کلمة (التأویل) على تفسیر الاحلام یعود لهذا السبب بالذات، کما ورد فی سورة یوسف (هذا تأویل رؤیای ) (5) (6) .


1. «أنطاکیة» مِن المدن السوریة القدیمة التی تقع على بعد 96 کم مِن حلب، و59 کم عن الإسکندرونة، تشتهر المدینة بالحبوب الغذائیة، والحبوب الدهنیة، فیها میناء یسمى «سویدیة» ویبعد عن مرکزها 27 کیلومتر. (یراجع فی ذلک دائرة فرید وجدی، ج 1، ص 835).
2. تفسیر مجمع البیان، ذیل الآیة مورد البحث.
3. إنَّ نسبة (الإرادة» إلى الجدار هو استخدام مجازی، ومفهوم ذلک أنَّ الجدار کان ضعیفاً للغایة وهو على مشارف الإنهیار.
4. تفسیر روح الجنان، ذیل الآیة مورد البحث.
5. للتوضیح أکثر یمکن مراجعة الآیة 7 مِن سورة آل عمران.
6. یوسف، 100.
سورة الکهف / الآیة 71 ـ 78 سورة الکهف / الآیة 79 ـ 82
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma