لقد قُلنا مراراً: إنَّ تجسُّد الأعمال هو من أهم القضایا المرتبطة بالمعاد. یجب أن نعلم أنَّ ما هو موجود فی ذلک العالم هو انعکاس واسع ومُتکامل لهذا العالم، فأعمالنا وأفکارنا وأسالیبنا الاجتماعیة وصفاتنا الأخلاقیة المختلفة سوف تتجسَّم وتتجسّد أمامنا فی ذلک العالم وستبقى قرینة لنا دائماً.
الآیات ـ أعلاه ـ دلیل حی على هذه الحقیقة، فالمترفون الظالمون الذین کانوا یعیشون فی هذه الدنیا فی ظل سُرادق عالیة، وکانوا سُکارى بهواهم، وسعوا إلى فصل کلّ شیء یخصّهم عن المؤمنین الفقراء، هؤلاء یملکون فی ذلک العالم أیضاً (سُرادق) ولکنّها مِن النار الحارقة، لأنَّ الظلم فی حقیقته نار حارقة تحرق الحیاة وتحیل آمال المستضعفین المظلومین إلى یأس.
هُناک یشربون من شراب یُجسِّد باطن شراب الدنیا، وهو بالنسبة للظالمین الطغاة شراب من دماء قلوب المحرومین، ومثل هذا الشراب یُقدَّم للظالمین فی ذلک العالم، وهو لا یحرق أمعاءهم وأحشاءهم فحسب، بل یکون کالمعدن المذاب الذی یشوی الوجوه قبل شربه مِن شدَّة حرارته.
وعلى العکس مِن ذلک اُولئک الذین ترکوا الشهوات فی سبیل حفظ طهارة وجودهم ورعایة اُصول العدالة، والذین اقتنعوا بحیاة بسیطة، وتحمَّلوا کلّ الصعوبات والمنغصات فی هذه الدنیا مِن أجل تنفیذ اُصول العدالة... هؤلاء تنتظرهم هُناک بساتین الجنّة مع الأنهار الجاریة، وأفضل أنواع الزینة وأفخر الألبسة، وأحبّ المجالس. وهذا فی الواقع تجسید لنیّاتهم النزیهة حیث کانوا یریدون کلّ الخیر لجمیع عباد الله.