إنَّ وجود (أل) التعریف فی کلمة «الکهف» قد تکون إشارة إلى أنّهم (أصحاب الکهف) کانوا مصممین على الذهاب إلى مکان معیّن فی حالِ عدم نجاح دعوتهم التوحیدیة، وذلک لإنقاذ أنفسهم مِن ذلک المحیط الملوّث.
(الکهف) کلمة ذات مفهوم واسع، وتذکّرنا بنمط الحیاة الإبتدائیة للإنسان، حیث ینعدم فیه الضوء، ولیالیه مُظلمة وباردة، وتذکّرنا بآلام المحرومین، إذ لیسَ ثمّة شیء مِن زینة الحیاة المادیة، أو الحیاة الناعمة المرفَّهة.
ویتّضح الأمر أکثر إذا ما أخذنا بنظر الإعتبار أنَّ التاریخ ینقل لنا أنَّ أصحاب الکهف کانوا مِن الوزراء وأصحاب المناصب الکبیرة داخل الحُکُم، وقد نهضوا ضدَّ الحاکم وضدَّ مذهبه، وکان اختیار حیاة الکهوف على هذه الحیاة قراراً یحتاج إلى المزید مِن الشهامة والهمّة والروح والإیمان العالی.
وفی هذا الغار البارد المظلم الذی قد یتضمّن خطر الحیوانات المؤذیة، هُناک عالم مِن النور والإخلاص والتوحید والمعانی السامیة.
إنّ خطوط الرحمة الإلهیّة متجلیة على جدران هذا الغار، وأمواج لطف الخالق تسبح فی فضائه، لیسَ هُناک وجود للأصنام مِن أی نوع کانت، ولا یصل طوفان ظُلم الجبّارین إلى هذا الکهف.
هؤلاء الفتیة الموحّدون ترکوا الدنیا الملوّثة الواسعة والتی کانت سجناً لأرواحهم وذهبوا إلى غار مظلم جاف. وفعلهم هذا یشبه فعل النّبی یوسف (علیه السلام) حین أصرّوا علیه أن یستسلم لشهوة امرأة العزیز الجمیلة، وإلاَّ فالسجن الموحش المظلم سیکون فی انتظاره، لکن هذا الضغط زادَ فی صموده وقال مُتوجّهاً إلى ربِّه العظیم: (ربّ السّجن أحبّ إلىّ ممّا یدعوننی إلیه وإلاَّ تصرف عنّی کیدهنّ أصب إلیهنّ ) (1) .