بعد الإنذار العام الذی وجّهته الآیات فی البدایة لکافة البشر، وجّهت الآیات المذکورة آنفاً انذاراً خاصّاً للذین ادّعوا بأنّ لله ولداً وهذا ما یوضّح خطورة الإنحراف العقائدی الذی أصاب المسیحیین والیهود والمشرکین، وانتشر بصورة واسعة فی الأجواء التی نزل فیها القرآن، ومِن الطبیعی فإنَّ انتشار مثل هذه الأفکار یقضی على روح التوحید فی ذلک المجتمع، إذ حدّوا الله سبحانه وتعالى بحدود مادیة وجسمیة، وأنَّهُ یمتلک عواطف وأحاسیس بشریة، إضافة إلى وجود أکفّاء وشرکاء له، وأنَّهُ یحتاج إلى الآخرین.

وبسبب هذه المعتقدات نزلت آیات عدیدة للردّ على تلک الشبهات، ومِنها الآیة 68 فی سورة یونس: (قالوا اتّخذ الله ولداً سبحانه هو الغنىّ ) والآیات مِن 88 إلى 91 فی سورة مریم: (وقالوا اتّخذ الرحمن ولداً * لقد جئتم شیئاً إدّاً * تکاد السّماوات یتفطّرن منهُ وتنشقّ الأرض وتخرّ الجبال هداً * أن دعوا للرّحمن ولد ).

وما جاءَ فی هذه الآیات المبارکة یوضّح قوّة الرّد الإلهی على تلک الإدعاءات، حیثُ أکّدت على العقاب الشدید الذی ینتظر مَن یعتقدون بمثل هذه الخرافة، لأنَّ مَن یدّعی باتّخاذ الله سبحانه وتعالى ولداً، إنّما یمس کبریاء الباری عزَّوجلّ وعظمته، وینزلهُ إلى المستوى البشری المادی(1) .

1. حول عقیدة التثلیث واعتقاد المسیحیین بأنَّ المسیح ابن الله یُمکن مُراجعة ما جاء فی ذیل الآیة 171 من سورة النساء فی تفسیرنا هذا.