«شاکلة» فی الأصل مُشتقة مِن (شکل) وهی تعنی وضع الزمام والرباط للحیوان. و(شکال) تُقال لنفس الزمام; وبما أنَّ طبائع وعادات کلّ إنسان تقیِّدهُ بصفات معیّنة لذا یقال لذلک «شاکلة». أمّا کلمة «إشکال» فتقال للإستفسار والسؤال وسائر الاُمور التی تحدِّد الإنسان نوعاً م(1) .
لهذا فإنَّ مفهوم الشاکلة لا یختص بالطبیعة الإنسانیة، لذلک ذکر العلاّمة الطبرسی فی مجمع البیان لهذه الکلمة مَعَنیین، هما: الطبیعة والخلقة، ثمّ الطریقة والمذهب والسُنَّة، على اعتبار أنَّ کلّ واحدة مِن هذه الاُمور تحدِّد الإنسان مِن حیث العمل.
ومِن هنا یتّضح خطأ اُولئک الذین اعتبروا الآیة أعلاه دلیلا على إلزامیة الصفات الذاتیة للإنسان بشکل یخرج عن إرادته، وهو دلیلهم على عقیدة الجبر، إذ أنکروا قیمة التربیة والتزکیة.
هذا النوع مِن التفکیر الذی یخضع فی أسبابه إلى عوامل سیاسیة واجتماعیة ونفسیة ـ والتی ذکرناها فی بحوثنا عن الجبر والاختیار ـ لهُ هیمنة على ثقافة وأدب الکثیر مِن المجتمعات والنظُم، حیث تستخدم هذه الثقافة لتبریر النواقص، إنَّ هذه الثقافة تعتبر مِن أخطر الإعتقادات التی یمکن أن تجرّ المجتمع سنین بل قرون إلى الذلّة والتأخُّر.
بناءً على ما ذکرنا نعتقد أنّ عقیدة الجبر هی دوماً ذریعة للتسلّط الاستعماری، لکی تبقى القوّة المسیطرة فی ظل ثقافة الجبر بمنأى عن ردود الفعل المقاومة للسیطرة والتی یمکن أن تنطلق مِن صفوف المسحوقین المستضعفین.
والتعبیر المشهور هُنا، یوضّح هذه الحقیقة بشکل دقیق، إذ یقول: «الجبر والتشبیه أمویان والعدل والتوحید علویان».
وخلاصة القول هنا: إنَّ الشاکلة لا تعنی أبداً الطبیعة الذاتیة، بل هی تُطلق على کلّ عادة وطریقة ومذهب وأسلوب یعطی للإنسان اتجاهاً معیّناً.
لذا فإنَّ العادات والصفات التی یکتسبها الإنسان بتکرار الأعمال اختیاریاً وإرادیاً، وکذلک الإعتقادات التی یقتنع بها ویعتمدها بسبب الاستدلال أو التعصّب لرأی معیّن یُطلق علیها کُلّها کلمة «شاکلة».
وعادةً ما تکون الملکات الإنسانیة لها صفة اختیاریة، لأنَّ الإنسان عندما یُکرِّر عملا ما ففی البدایة یُقالُ لهُ (حالة) ثمّ تتحوَّل الحالة إلى (عادة) والعادة إلى (مَلَکَة) وهذه الملکات نفسها تعطی شکلا معیّناً لأعمال الإنسان وتحدِّد خطَّته فی الحیاة، وهی عادةً ما تظهر بفعل العوامل الاختیاریة والإرادیة.
وفی بعض الرّوایات تمَّ تفسیر «الشاکلة» بأنّها النیّة، فقد ورد فی أصول الکافی عن الإمام الصّادق (علیه السلام)، قوله: «النّیة أفضل مِن العمل، ألا وإنَّ النّیة هی العمل، ثمّ تلا قوله عزَّ وجلّ: (قل کلّ یعمل على شاکلته )، یعنی على نیّته» (2) .
هذا التّفسیر ینطوی على ملاحظة لطیفة، وهی أنَّ نیّة الإنسان والتی تنبع مِن اعتقاداته تعطی شکلا لعمله، وعادة فإنَّ النیّة هی نوع مِن الشاکلة، بمعنى الأمر المقیِّد، لذا تفسَّر النیّة أحیاناً بأنّها نفس العمل. وفی أحیان اُخرى بأنّها أفضل من العمل، لأنَّهُ ـ فی کلّ الأحوال ـ یکون خط العمل واتجاههُ ناتجاً عن خط النیّة واتجاهها.
وفی روایة «مَن لا یحضره الفقیه» عن صالح بن الحکم، قال: سُئِلَ الصّادق (علیه السلام) عن الصلاة فی البیع والکنائس، فقال (علیه السلام): «صلِّ فیها» قُلت: أصلی فیها وإن کانوا یُصلون فیها؟ قال: «نعم. أما تقرأ القرآن: (قل کلٌّ یعمل على شاکلته فربّکم أعلم بمن هو أهدى سبیل ) صلِّ إلى القبلة ودعهم» (3) .
1. مفردات الراغب مادة «شَکَلَ».
2. تفسیر نورالثقلین، ج 3، ص 214.
3. تفسیر نورالثقلین، ج 3، ص 214.
