لماذا الکفران مَع کلِّ هَذِهِ النعم؟

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 7
سورة الإسراء / الآیة 66 ـ 69 1ـ الشّخصیة المتقلّبة

هَذِهِ الآیات تابعت البحوث السابقة فی مجال التوحید ومحاربة الشرک، وَدخلت فی البحث مِن خلال طریقین مُختلفین، هما: طریق الاستدلال والبرهان، وَطریق الوجدان وَمخاطبة الإنسان مِن الداخل.

ففی البدایة تشیر الآیة إلى التوحید الاستدلالی فتقول: (ربّکم الذی یزجی لکم الفلک فی البحر ).

طبعاً هُناک أنظمة لأجل حرکة الفلک فی البحار، فمن جانب ینبغی وجود الماء بشکل یصلح لمسیر السفن، ومن جانب آخر لابدّ من توفر بعض الأشیاء التی تکون أخف مِن الماء کی یمکن لها أن تطفو على سطحه، وإذا کانت أثقل فیمکن صناعتها بشکل بحیث تکون أخف مِن الماء وَتستطیع أن تتحمَّل وزن الأحمال الثقیلة والأعداد الکثیرة مِن البشر، ومِن جانب ثالث یلزم وجود القوّة المحرِّکة والَّتی کانَ الهواء یُمثّلها فی السابق، حیث کان البحّارة یستفیدون مِن حرکة التیّارات الهوائیة فوق المحیطات والبحار لتحدید أوقات وَسرعة واتجاه السفن، والیوم یستفاد مِن طاقة البخار وأشکال الطاقة الاُخرى فی حرکة السفن.

مِن جانب آخر ینبغی وجود اُسلوب لتحدید الطرق، وَهَذا الاُسلوب کانَ سابقاً یعتمد على الشمس والنجوم فی السماء، أمّا الیوم فإنَّ السفن تستفید مِن البوصلات والخرائط والإحداثیات الدقیقة. على أی حال، إذا لم تتوافر هَذهِ الشروط الأربعة ولم یکن ثمّة تنسیق بینها فإنَّ حرکة السفن تصبح أمراً مستحیلا، ولا یکون الإنسان قادراً على الاستفادة مِن هَذِهِ الوسیلة المهمّة.

تعلمون ـ طبعاً ـ بأَنَّ السفن تعتبر أضخم وسیلة لحمل الإنسان، والیوم فإنَّ هُناک مِن السفن العملاقة ما یکون بعضها بمساحة مدینة صغیرة.

ثمّ یضیف تعالى: (لِتبتغوا مِن فضله ). حتى تساعدکم فی أسفارکم وَنقل أموالکم وَتجارتکم وتعینکم فی کلّ ما یخصّ اُمور دنیاکم ودینکم. أمّا لماذا؟ فلأَنَّ الله تبارک وَتعالى (إنَّه کان بکم رَحیم ).

مِن هَذا التوحید الاستدلالی والذی یعکس جانباً صغیراً مِن نظام الخلق، وَعلم وَقدرة وَحکمة الخالق جلَّ وَعلا، تنتقل الآیة إلى اُسلوب الاستدلال الفطری فتقول: لا تنسوا (وإذا مسّکم الضرّ فی البحر ضلَّ مَن تدعون إلاّ إیّاه ).

حیث یضل أی شیء مِن دون الله، لأنَّ ضرر البحر إذا وقع، کالطوفان وَغیره یذهب بکلّ الحواجز وأستار التقلید والتعصّب اللاصقة على صفاء الفطرة الإنسانیة، لینکشف نور الفطرة الذی هو نور التوحید والإیمان والعبودیة لله دون غیره.

نعم فی هَذِهِ اللحظات، فی لحظات الأزمة ینقطع الإنسان عن جمیع المعبودات التصوریة والوهمیة والخیالیة التی سبق وأن أعطاها قوّة بسبب أوهامه، وَتمحى مِن ذهنه فاعلیتها ووجودها وتتلاشى وتذوب تماماً کما یذوب الجلید فی شمس الصیف ولا یبقى حین ذاک سوى نور الأنوار...  نور الله جلَّ جلاله.

إنَّ الآیة تعبِّر عن قانون عام، عرفهُ کلّ مَن جرَّب ذلک، حیثُ تؤدّی المشاکل والصعوبات الحادّة التی یمرّ بها الإنسان ـ ویصل السکین العظم ـ إلى الغاء کلّ الأسباب الظاهریة التی کان یتعلّق بها الإنسان، وتَنعدم فاعلیة العلل المادیة التی کان یتشبث بها، وتنقطع کلّ الأسباب، إلاّ السبب الذی یصل الإنسان بمصدر العلم والقدرة المطلقتین، والذی هو ـ لوحده سبحانه وتعالى ـ قادر على حلّ أعقد المشکلات... لَیسَ مهمّاً هُنا ما الذی نسمّی فیه هَذهِ الحالة، وإنّما المهم أنّ نعلم أنّ قلب الإنسان فِی هَذِهِ الحالة ینفتح على الامل بالخلاص، وتغمر القلب بنور خاص لطیف. وَهِذِهِ المنعطفات هی واحدة مِن أقرب الطرق إلى الله، إنّها طریق ینبع مِن داخل الروح وَمِن سویداء القلب.(1)

ثمّ تضیف الآیة: (فلمّا نجّاکم إلى البرّ أعرضتم وَکان الإنسان کَفور ).

مرّةً اُخرى تُغطّی حجب الغرور والغفلة والتعصّب هَذا النور الإلهی، وَیغطّی غبار العصیان والذنوب وَملاهی الحیاة المادیة فطرة الإنسان ووجدانه.

ولکن هل تظنون أنَّ الله لا یستطیع أن ینزل بکم عقابه الشدید وأنتم على الیابسة وفی قلب الصحاری والبراری؟

لذلک تقول الآیة (أفأمنتم أن یخسف بکم جانب البرّ ) ثمّ أضافت: (أو یرسل علیکم حاصباً ثمّ لا تجدوا لکم وَکیل )، حیث تغشیکم عاصفة محمّلة بالحصی والحجارة وتدفنکم تحتها ولا تجدون من ینقذکم منها (وفی ذلک من العذاب ما هو أشدّ من الغرق فی البحر).

إنَّ المتجولین فی الصحاری وأهل البوادی یدرکون أکثر مِن غیرهم رهبة هَذا التهدید الرّبانی والوعید القرآنی، إذ یعرفون کیف تؤدّی ثورة الکثبان الرملیة فی الصحراء إلى دَفع الرمال والأحجار إلى غیر مواقعها لِتشکِّل تلالا تدفن فی ثنایاها وبطونها قوافل الجمال وَمَن علیها.

بعد ذلک تضیف الآیة مذکِّرة أمثال هؤلاء بأنّکم هل تظنون أنّ هذه هی المرّة الأخیرة التی تحتاجون فیها إلى السفر فی البحر: (أم أمنتم أن یعیدکم فیه تارة اُخرى فیرسل علیکم قاصفاً مِن الریح فیغرقکم بما کفرتم ثمّ لا تجدوا لکم علینا بِهِ تبیع )، أی لا أحد حینئذ یطالب بدمکم ویثأر لکم منّا.


1. طالع الشّرح الکامل للتوحید الفطری فی کتاب (خالق العالم)، ولاحظهُ أیضاً فی نهایة الآیة 14 مِن سورة النحل حیث أشرنا إلى هَذِهِ المسألة.
سورة الإسراء / الآیة 66 ـ 69 1ـ الشّخصیة المتقلّبة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma