یبقى سؤال واحد، وَهو إذا کان المقصود مِن الحمد والتسبیح هو أنّ نظام الکون یعبّر عن نزاهة وَعظمة وَقدرة الخالق عزَّوجلّ، وتبیان الصفات السلبیة والثبوتیة، فلماذا یقول القرآن: (لا تفقهون تسبیحهم ) لأنّه إذا کانَ البعض لا یفقه، فإنَّ العلماء یفقهون ویعلمون؟.
هُناک جوابان على هَذا السؤال:
الأوّل: إنَّ الآیة توجِّه خطابها إلى الأکثریة الجاهلة مِن عموم الناس، خصوصاً إلى المشرکین، حیثُ إنَّ العلماء المؤمنین قِلَّة وَهم مستثنون مِن هَذا التعمیم، وفقاً لقاعدة ما مِن عام إلاَّ قد خُص.
الثّانی: هو أنَّ ما نعلمهُ مِن أسرار وَخفایا العالم فی مقابل ما لا نعلمُه کالقطرة فی قبال البحر، وَکالذرة فی قبال الجبل العظیم. وإذا فکّرنا بشکل صحیح فلا نستطیع أن نسمّی الذی نعرفه بأنَّه (علم). إنّنا فی الواقع لا نستطیع أن نسمع تسبیح وَحمد هَذِهِ الموجودات الکونیة مهما أوتینا مِن العلم، لأنَّ ما نسمعهُ هو کلمة واحدة فقط مِن هَذا الکتاب العظیم!!
وَعَلى هذا الأساس تستطیع الآیة أن تخاطب العالم بأجمعه وَتقول لهم: إنّکم لا تفقهون تسبیح وَحَمد الموجودات بلسان حالها، أمّا الشیء الذی تفقهوه فهو لا یساوی شیئاً بالنسبة إلى ما تجهلون.
3ـ بعض المفسّرین یحتمل أنَّ الحمد والتسبیح هو ترکیب من لسان «الحال» و«القول». وبعبارة اُخرى: یعتقدون بأنَّهُ تسبیح تکوینی وَتشریعی، لأنَّ أکثر البشر وَکلّ الملائکة یحمدون الله عَن إدراک وشعور; وکلّ ذرّات الوجود تتحدَّث عن عظمة الخالق بلسان حالها. وَبالرغم مِن أنّ هَذین النوعین مِن الحمد والتسبیح مُختلفین، إلاَّ أنّهما یشترکان فی المفهوم الواسع لکلمتی الحمد والتسبیح.
وَلکنّ التّفسیر الثّانی ـ حسب الظاهر ـ أکثر قبولا للنفس مِن التّفسیرین الآخرین.