أقصر الطرق للهدایة والسعادة:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 7
سورة الإسراء / الآیة 9 ـ 12 1ـ هل الإنسان عجول ذاتاً؟

الآیات السابقة تحدّثت عن بنی إسرائیل وکتابهم السماوی «التوراة» وکیف تخلّفوا عن برنامج الهدایة الإلهیّة لیلقوا بعض جزائهم فی هذه الحیاة الدنیا، والباقی مدّخرٌ لیوم القیامة.

وفی هذا المقطع مِن الآیات، إنتقل الحدیث إلى القرآن الکریم، الکتاب السماوی للمسلمین، وآخر حلقة فی الکتب السماویة، فقال تعالى أوّلاً: (إنّ هذا القرآن یهدی للتی هی أقوم ).

«أقوم» صیغة تفضیل مُشتقة من «قیام» حیث یکون الإنسان فیها على أحسن حالاته حینما یرید أن یشرع بعمل ما، لذلک فإنَّ «القیام» کنایة عن أفضل الصیغ التی یُنجز فیها الإنسان الأعمال التی یُباشرها، أو یستعد لِمباشرتها.

«الإستقامة» مُشتقّة أیضاً مِن مادة «قیِّم» وهی بمعنى الإعتدال والإستواء والثبات.

وبما أنّ «أقوم» هی «أفعل تفضیل» بمعنى الأکثر ثباتاً واستقامةً واعتدالا، فإنَّ معنى الآیة أعلاه، هو أنَّ القرآن الکریم یمثّل أقصر وأفضل طرق الإستقامة والثبات والهدایة.

وبهذا فإنّ الطریق القویم من وجهة نظر العقائد والأفکار، یتمثل بالعقائد الواضحة، القابلة للهضم والإدراک والفهم، والتی تکون أساساً للعمل; وتعبئة الطاقات الإنسانیة باتجاه الإعمار والبناء العقیدة الأقوم هی العقیدة الخالیة مِن الخرافات والأوهام، وَهی التی تُوائم بین الإنسان وعالم الوجود والطبیعة مِن حوله.

العقیدة الأقوم مِن هذه الزاویة، هی التی توافق بین الإعتقاد والعمل، والظاهر والباطن، الفکر والمنهج، وتدفع الإنسان والجمیع نحو اللّه.

أمّا الأقوم مِن وجهة نظر القوانین الاجتماعیة والاقتصادیة والعسکریة والسیاسیة، التی تسود المجتمع; فهی تلک التی تربّی فی المجتمع الإنسانی الجوانب المادیة والمعنویة وتدفع الجمیع نحو التکامل والإتساق.

والأقوم مِن وجهة النظر العبادیة والأخلاقیة، هو کلّ ما یجعل الإنسان فی المرکز الوسط بین الإفراط والتفریط، ویجعلهُ فی موقع الإعتدال بین الإسراف والبخل، بین الاستضعاف والاستکبار.

وأخیراً فإنَّ المنهج الأقوم بالنسبة للنظم والسلطات الحاکمة، هو کلّ ما یدفعها إلى إقامة العدل، والدعوة إلى إشاعة الإنصاف، ومواجهة الظلم والظالمین.

نعم، إنَّ القرآن هو الطریق الأقوم فی کلّ تلک المستویات الآنفة الذکر، وهو الأسلوب الأقوم فی کلّ جوانب الحیاة والوجود، وعلى کافّة القضایا والصُعد.

ولکنّا هنا نقف مع نقطة حساسة، وهی إذا کانَ القرآن هو الأقوم; أی «أفعل تفضیل» فمعنى ذلک، تفوّقه فی میزات العدل وصفات الهدایة والإستقامة لیس على سائر المذاهب والعقائد الوضعیة وحسب، وإنّما على سائر الأدیان والشرائع السابقة علیه أیضاً.

وإزاء المفهوم الذی تطرحهُ هذه النقطة، نرى أنفسنا بحاجة إلى إثارة الحدیث على النحو الآتی:

أوّلاً: إذا کانت أطراف المقایسة هی الأدیان السماویة الأخرى، فلا شک أنَّ کلّ دین وشریعة منها کانت أفضل وأقوم لوقتها وزمانها، ولکن وفق قانون التکامل الذی وِصلت البشریة بمقتضاه إلى أقصى حالات رشدها وتکاملها، فی زمن الرسالة الإسلامیة الخاتمة والنّبوة الخاتمة، فإنَّ القرآن الکریم یعبِّر تبعاً لذلک عن أرقى وأقوم مضامین الهدایة والإستقامة والإعتدال.

ثانیاً: أمّا إذا کانَ طرف المقایسة هو المذاهب والعقائد الوضعیة، فمن الطبیعی جدّاً أن یکون القرآن کتاب السماء الواصل إلینا مِن اللّه ذی العلم المطلق، هو الأقوم والأظهر علیها، لأنَّ العقائد الوضعیة مهما بلغت مزایاها فهی نتاج الفهم المحدود للبشر.

ثالثاً: أشرنا فی غیر مکان إلى أنّ «أفعل تفضیل» لا یدلُّ دائماً على أنَّ الموضوع لابدّ وأن یکون طرفاً للمقایسة، کما فی قوله تعالى: (أفمن یهدی إلى الحقّ أحقّ أن یتّبع أمّن لا یهدّی إلاّ أن یُهدى ) (1) .

وعلى هامش هذه النقطة ینبغی أنْ لا یفوتنا أنّ تعبیر «أقوم» فی الآیة الآنفة یشیر الى أنَّ الإسلام هو آخر أدیان السماء، وأنَّ النّبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) هو آخر الأنبیاء.

وکیفیة ذلک، هو أنَّ أقوم بوصفها أفعل تفضیل، تمثّل أعلى درجات التفضیل، ولأنَّ الآیة لا تذکر الطرف الآخر فی المقایسة والذی یکون القرآن أقوم بالنسبة إلیه، وطالما أنَّ حذف المتعلق یدل على العموم کما یقول الأصولیون، فینتج أنَّ الإسلام آخر الأدیان، وأنَّ محمد (صلى الله علیه وآله) خاتم الرسل، لأنَّهُ لیسَ بعد صیغة تفضیل «أقوم» من درجة فی التفضیل.

بعد ذلک تشیر الآیات إلى موقف الناس فی مقابل الکتاب الأقوم، هذا الموقف الذی ینقسم فیه الناس إلى فئتین، فالاُولى یکون حالها کما یقول تعالى: (ویبشّر المؤمنین الذین یعملون الصالحات أنّ لهم أجراً کبیر ).

أمّا الفئة الثّانیة فیکون مصیرها تبعاً لموقفها کما یقول تعالى: (وَأنّ الذین لا یؤمنون بالآخرة اعتدنا لهم عذاباً ألیم ).

وإذا کان استخدام «بشارة» واضح هُنا بالنسبة للمؤمنین، فهو بالنسبة لغیرهم مِن غیر المؤمنین یقع على معنى السخریة والإستهزاء، أو أنَّهُ بشارة للمؤمنین أیضاً تخبرهم عن حال غیر المؤمنین(2) .

ضمناً الآیة تشیر باختصار بلیغ إلى جزاء المؤمنین وثوابهم فتقول: (أنّ لهم أجراً کبیر )أمّا غیر المؤمنین فإنّ لهم ـ بنفس صورة الإیجاز القرآنی البلیغ ـ (عذاباً ألیم ) وهذا الإختصار البلیغ یطوی فی کلا مجالَیْه صوراً تفصیلیة مِن الثواب والعقاب.

أمّا لماذا اقتصرت الآیة فی غیر المؤمنین على صفة عدم إیمانهم بالآخرة دون غیرها مِن الصفات والأعمال. فی الواقع یمکن أن یکون ذلک بسبب أنَّ الإیمان بالآخرة هو صمّام أمان یضبط الإنسان عن إرتکاب المعاصی والذنوب. ثمّ إنَّ إنکار القیامة یعتبر إنکاراً لوجود اللّه تعالى، وإلاّ کیف یستقیم للإنسان أن یؤمن باللّه العادل الحکیم ولا یؤمن بوجود آخرة یُحاسب فیها الإنسان على أعماله وینال حسابه العادل؟!

ثمّ إنّ حدیث الآیة هو عن العقاب والثواب وهو یتناسب مع الحدیث عن الإیمان بالیوم الآخر.

الآیة التی بعدها تنساق فی نفس اتجاه البحث وتشیر إلى احدى العلل المهمّة لعدم الإیمان وتقول بأنّ عجلة الإنسان وتسرّعه وعدم اطّلاعه على الاُمور وإحاطته بها تسوقه إلى أن یساوی فی جهده بین دعائه بالخیر وطلبه، وبین دعائه بالشر وطلبه له!

تقول الآیة: (ویدعُ الإنسانُ بالشّرّ دعائه بالخیر ).

لماذا؟: (وکان الإنسان عجول ).

إنَّ کلمة «دعا» هُنا تنطوی على معنى واسع یشمل کلّ طلب ورغبة للإنسان، سواء أعلن عنها بلسانه وکلامه، أو سعى إلیها بعمله وجهده وسلوکه.

إنَّ استعجال الإنسان واندفاعه فی سبیل تحصیل المنافع لِنفسه، تقوده إلى النظرة السطحیة للاُمور بحیثُ إنَّهُ لا یحیط الأشیاء بالدراسة الشاملة المعمّقة ممّا یفوّت علیه تشخیص خیره الحقیقی ومنفعته الواقعیة، وهکذا بنتیجة تعجّله واندفاعه المُضطرب یَضیع علیه وجه الحقیقة، ویتغیَّر مضمونها بنظره، فیقود نفسه باتجاه الشر والأعمال السیّئة الضارّة.

وهکذا ینتهی الإنسان ـ نتیجة سوء تشخیصه واضطراب مقیاسه فی رؤیة الخیر والحقیقة ـ إلى أن یطلب من اللّه الشر، تماماً کما یطلب مِنُه الخیر، وأن یسعى وراء الأعمال السیّئة، کسعیه وراء الأعمال الحسنة، وهذا الإضطراب وفقدان الموازین هو أسوأ بلاء یصاب به الإنسان ویحول بینهُ وبین السعادة الحقیقیة.

ما أکثر الناس الذین یضعون أنفسهم ـ بسبب عجلتهم واندفاعاتهم المضطربة ـ على حافّة الخطر ومشارف الضلال، وهم یظنون أنّهم یسیرون نحو الأمن والإستقرار والهدایة، إنَّ مثل هؤلاء کمن هو غارق بالسوء والقبائح وهو یفتخر بما هو فیه!!

إنّ نتیجة العجلة والتسرُّع والإندفاع الأهوج لن تکون أحسن مِن هذه العاقبة.

مِن هنا یتّضح ـ کما أشرنا سابقاً ـ أنَّ معنى «دعا» لا یقتصر لا على الرغبات التی یظهرها الإنسان على لسانه، ولا على تلک الرغبات التی یسعى لتحقیقها بسلوکه وبما یبذل لها مِن جهد، وإنّما المعنى یشمل محصّلة الإثنین معاً، وأمّا ما ذهب إلیه بعض المفسّرین من حصر المعنى فی أحدهما فلیس ثمّة دلیل علیه.

أمّا ما یظهر من بعض الرّوایات مِن اقتصار المعنى على الدعاء اللفظی، فإنَّ ذلک مِن قبیل بیان المصداق لا کلّ المفهوم، من قبیل الرّوایة التی یقول فیها الإمام الصادق (علیه السلام): «وأعرف طریق نجاتک وهلاکک، کی لا تدعو اللّه بشیء عسى فیه هلاکک، وأنت تظن أنّ فیه نجاتک، (3) قال اللّه تعالى: (ویدع الإنسان بالشّرّ دعائه بالخیر وکانَ الإنسان عجول ).

مِن هنا یتبیّن أنّ أفضل طریق لوصول الإنسان إلى الخیر والسعادة، هو أن یکون الفرد فی کلّ خطوة وموقف على غایة قصوى من الدقّة والحیطة والحذر، وأن یتجنب الإندفاع والعجلة والتسرُّع، ویدرس الموقف مِن جمیع جوانبه، ویجانب الأحکام المتعجِّلة الممزوجة بالهوى والعاطفة، وأن یستعین باللّه العزیز ویستمدّه القوّة والعون.

الآیة التی بعدها تتحدث عن تعاقب اللیل والنهار ومنافع هذا التعاقب، لتجعل مِن هذا الشاهد مثالا على معرفة اللّه والتمعُّن بآیاته، والمثال أیضاً یُفید معنى التأمُّل والهدوء ویدعو إلى محاذرة التعجُّل والتسرُّع.

الآیة تقول أوّلاً: (وجعلنا اللیل والنهار آیتین ) ثمّ: (فمحونا آیة اللیل وجعلنا آیة النهار مُبصرة ). وَلنا فی ذلک هدفان: الأوّل: (لتبتغوا فضلا مِن ربّکم ) حیثُ تنطلقون نهاراً فی الکسب والعمل والمعاش مستثمرین العطایا الإلهیّة، وتنعمون لیلا بالراحة والهدوء والإستقرار. والهدف الثّانی فهو: (ولتعلموا عدد السنین والحساب ) لکی لا تبقى شبهة لأحد (وکلّ شیء فصّلناه تفصیل ).

بین المفسّرین کلام کثیر حول المقصود مِن «آیة اللیل» و«آیة النهار» وفیما إذا کانَ ذلک کنایة عن نفس اللیل والنهار، أم أنَّ المقصود مِن «آیة اللیل» القمر، ومن «آیة النهار» الشمس (4) .

ولکنّ التدقیق فی الآیة یکشف عن رجاحة التّفسیر الأوّل، خصوصاً وأنَّ المقصود مِن قوله تعالى: (وَجعلنا اللیل والنهار آیتین ) هو أنّ کلّ واحد مِنهما علامة على إثبات وجود اللّه، أمّا محو آیة اللیل فهو تمزیق ظلمة اللیل وحجب الظلمة فیه بواسطة نور النهار، الذی یکشف ما کان مستوراً بظلمة اللیل.

وإذا کانت آیات اُخرى فی القرآن ]آیة 5 مِن سورة یونس[ تفید أنّ الغایة من خلق الشمس والقمر هو تنظیم الحساب إلى سنین وأشهر، فلیس ثمّة تنافی بین الآیتین، إذ مِن الممکن أن تنتظم حیاة الإنسان وحسابهُ على أساس اللیل والنهار، وعلى أساس الشمس والقمر مِن دون أىّ تناف بین الإثنین.

فی نهج البلاغة نقرأ للإمام أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب (علیه السلام)، قوله: «وجعل شمسها آیة مُبصرة لنهارها، وقمرها آیة ممحوّة مِن لیلها، وأجراهما فی مَناقل مجراهما، وقدّر سیرهما فی مدارج درجهما، لیمیّز بین اللیل والنهار بهما، ولیعلم عدد السنین والحساب بمقادیرهما» (5) .

إنّ کلام الإمام هنا لا یُنافی التّفسیر الأوّل، لأنَّ حساب السنین یمکن أن یکون على أساس الأیّام واللیالی، کما یمکن أن یتم ذلک على أساس الشمس والقمر.


1. یونس، 35.
2. فی نهایة الآیة 138 مِن سورة النساء قلنا: إنَّ «بشارة» مُشتقّة أصلا مِن «البشرة» بمعنى الوجه. والملاحظ أنَّ صحیفة الوجه وبشرته کالمرآة تعکس کل خبر إذا کان سارّاً أو سیّئاً بشکل إیحاءات معیّنة وحمل بعضهم (وأنّ الذین لا یؤمنون...) على (اجراً کبیر).
3. تفسیر نورالثقلین، ج 3، ص 141.
4. فی الحالة الاُولى تکون الإضافة «إضافة بیانیة» أما فی الثّانیة فتکون الإضافة «إضافة إختصاصیة».
5. نهج البلاغة، خطبة 91 (الأشباح).
سورة الإسراء / الآیة 9 ـ 12 1ـ هل الإنسان عجول ذاتاً؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma