عشرة قواعد أخلاقیة... سلاح داعیة الحق:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 7
سورة النّحل / الآیة 125 ـ 128 خاتمة مقال سورة النحل «سورة النِعَم»:

حملت آیات السورة بین طیّاتها أحادیث کثیرة ومتنوعة، فقد تناولت المشرکین والیهود وأصناف المخالفین بشکل عام، تارة بلهجة لیّنة واُخرى باُسلوب تقریع وشدة، وخصوصاً الآیات السابقة لما لها من عمق وشدّة أکثر ممّا سبقها من الآیات المبارکات.

أمّا الآیات أعلاه والتی تمثّل خاتمة بحوث وأحادیث سورة النحل، فتبیّن أهم الأوامر الأخلاقیة الأساسیة التی ینبغی التحصّن بها عند مواجهة المخالفین على أساس منطقی، کما وتبیّن کیفیة العقاب والعفو واُسلوب الصمود أمام مؤامراتهم وما شابه ذلک.

ویمکن تسمیة ذلک بالأصول التکتیکیة ومنهج المواجهة فی الإسلام ضدّ المخالفین، کما وینبغی العمل به کقانون کلّی شامل لکلّ زمان ومکان.

ویتلخص هذا البرنامج الرّبانی بعشرة اُصول، تمّ ترتیبها وفقاً لتسلسل الآیات مورد البحث:

1ـ (اُدعُ إلى سبیل ربّک بالحکمة )

«الحکمة»: بمعنى العلم والمنطق والاستدلال، وهی فی الأصل بمعنى (المنع) وقد اُطلقت على العلم والمنطق والاستدلال لقدرتها على منع الإنسان من الفساد والإنحراف...

فأوّل خطوة على طریق الدعوة إلى الحقّ هی التمکّن من الاستدلال وفق المنطق السلیم، أو النفوذ إلى داخل فکر الناس ومحاولة تحریک وإیقاظ عقولهم، کخطوة اُولى فی هذا الطریق.

2ـ (والموعظة الحسنة )

وهى الخطوة الثّانیة فی طریق الدعوة إلى اللّه، بالاستفادة من عملیة تحریک الوجدان الإنسانی، وذلک لما للموعظة الحسنة من أثر دقیق وفاعل على عاطفة الإنسان وأحاسیسه، وتوجیه مختلف طبقات الناس نحو الحقّ.

وفی الحقیقة فإنّ «الحکمة» تستثمر البُعد العقلی للإنسان، و«الموعظة الحسنة» تتعامل مع البُعد العاطفی له(1) .

إنّ تقیید «الموعظة» بقید «الحسنة» لعلّه إشارة إلى أنّ النصیحة والموعظة إنّما تؤدّی فعلها على الطرف المقابل إذا خلّیت من أیّةِ خشونة أو استعلاء وتحقیر، التی تثیر فیه حسّ العناد واللجاجة وما شابه ذلک.

فکم من موعظة أعطت عکس ما کان یُؤَمَّل بها بسبب اُسلوب طرحها الذی یُشْعِر الطرف المقابل بالحقارة والإهانة کأن تکون الموعظة امام الآخرین ومقرونة بالتحقیر، أو یستشمّ منها رائحة الاستعلاء فی الواعظ، فتأخذ الطرف المقابل العزّة بالإثم ولا یتجاوب مع تلک الموعظة.

وهکذا یترتب الأثر الإیجابی العمیق للموعظة إذا کانت «حسنة».

3ـ (وجادلهم بالتی هی أحسن )

الخطوة الثّالثة تختص بتخلیة أذهان الطرف المخالف من الشبهات العالقة فیه والأفکار المغلوطة لیکون مستعداً لتلقّی الحق عند المناظرة.

وبدیهی أنْ تکون المجادلة والمناظرة ذات جدوى إذا کانت (بالتی هی أحسن ) ، أیْ أنْ یحکمها الحق والعدل والصحة والأمانةوالصدق، وتکون خالیة من أیّةِ إهانة أو تحقیر أو تکبّر أو مغالطة، وبعبارة شاملة: أنْ تحافظ على کلّ الأبعاد الإنسانیة السلیمة عند المناظرة.

وفی ذیل الآیة الاُولى، یقول القرآن: (إنّ ربّک هو أعلم بِمَنْ ضلّ عن سبیله وهو أعلم بالمهتدین ).

فالآیة تشیر إلى أنّ وظیفتکم هی الدعوة إلى طریق الحق بالطرق الثلاثة المتقدمة، أمّا مسألة مَنْ الذی سیهتدی ومَنْ سیبقى على ضلاله، فعلم ذلک عند اللّه وحده سبحانه.

وثمّة احتمال آخر فی مقصود هذه الجملة وهو بیان دلیل للتوجیهات الثلاث المتقدمة، أی: إنّما أمر سبحانه بهذه الأوامر الثلاثة لأنّه یعلم الکیفیة التی تؤثّر بالضالین لأجل توجیههم وهدایتهم.

إنصبّ الحدیث فی الأصول الثلاثة حول البحث المنطقی والاُسلوب العاطفی والمناقشة المعقولة مع المخالفین، وإذا حصلت المواجهة معهم ولم یتقبّلوا الحق وراحوا یعتدون، فهنا یأتی الأصل الرابع: (وإنْ عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ).

(ولئن صبرتم لهو خیر للصابرین )

وتقول الرّوایات: إنّ الآیة نزلت فی معرکة (اُحد) عندما شاهد رسول اللّه (صلى الله علیه وآله) شهادة عمّه حمزّة بن عبدالمطلب المؤلمة (حیث لم یکتف العدو بقتله بل شقّ صدره بوحشیّة وقساوة فظیعة واُخرج کبده أو قلبه وقطع اُذنه وأنفه) وتأذّى النّبی لذلک کثیراً وقال: «اللّهم لک الحمد وإلیک وأنت المستعان على ما أرى» ثمّ قال: «لئن ظفرت لأمثلّن ولأمثلّن ولأمثلّن» وعلى روایة اُخرى أنّه قال: «لأمثلّن بسبعین منهم» فنزلت الآیة: (وإنْ عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خیر للصابرین ) فقال رسول اللّه (صلى الله علیه وآله): «أصبر أصبر» (2) .

ربّما کانت تلک اللحظة من أشد لحظات حیاة النّبی (صلى الله علیه وآله) ولکنّه تمالک زمام اُمور نفسه واختار الطریق الثّانی، طریق العفو والصبر.

ویحکی لنا التاریخ ما قام به الرّسول (صلى الله علیه وآله) حین فتح مکّة، فما أنْ وطأت أقدام المسلمین المنتصرة أرض مکّة حتى أصدر نبى الرحمة (صلى الله علیه وآله) العفو العام عن اُولئک الجفاة، فوفى بوعده الذی قطعه على نفسه فی معرکة اُحُد(3) .

وحرّی بالإنسان إذا أراد أنْ ینظر إلى أعلى نموذج حی فی العواطف الإنسانیة، أنْ یضع قصّتی اُحد وفتح مکّة نصب عینیه لیقارن ویربط بینهما.

ولعلّ التاریخ لا یشهد لأیّة أمّة منتصرة عاملت الطرف الآخر بمثل ما عامل به النّبی (صلى الله علیه وآله)والمسلمون مشرکی مکّة عند إنتصارهم علیهم، على الرغم من أنّ المسلمین کانوا من ابناء تلک البیئة التی نفذ شعور الإنتقام والحقد فیها لیتوغّل ویرکد فی أعماق المجتمع، بل وکانت الأحقاد تتوارث جیلا بعد جیل الى حدّ کان عدم الإنتقام یُعدّ عیباً کبیراً لا یمکن ستره!

ومن ثمار عفو وسماحة الإسلام أنْ اهتزت تلک الاُمة الجاهلة العنیدة من أعماقها واستیقظت من نوم غفلتها، وراح أفرادها کما یقول عنهم القرآن الکریم: (یدخلون فی دین اللّه أفواج ).(4)

6ـ (واصبر وما صبرک إلاّ بالله )

والصبر إنّما یکون مؤثّراً وفاعلا إذا قصد به رضوانه تعالى ولا یلحظ فیه أیّ شیء دون ذلک.

وهل یتمکن أیّ إنسان من الصبر على الکوارث المقطعة للقلب من غیر هدف معنوی وبدون قوة إلهیّة ویتحمل الآلآم دون فقدان الإتزان!؟... نعم، ففی سبیل رضوان اللّه کلّ شیء یهون وما التوفیق إلاّ منه عزَّوجلّ.

وإذا لم ینفع الصبر فی التبلیغ والدعوة إلى اللّه، ولا العفو والتسامح، فلا ینبغی أنْ یحلّ الیأس فی قلب المؤمن أو یجزع، بل علیه الاستمرار فی التبلیغ بسعة صدر وهدوء أعصاب أکثر، ولهذا یقول القرآن الکریم فی الأصل السابع: (ولا تحزن علیهم ).

لأنّ الحزن والتأسف على عدم إیمان المعاندین یترک أحد أثرین على الإنسان، فإمّا أنْ یصیبه الیأس الدائم، أو یدفعه إلى الجزع والغضب وضعف التحمّل، فالنهی عن الحزن علیهم یحمل فی واقعه نهیاً للأمرین معاً، فینبغی للعاملین فی طریق الدعوة إلى اللّه عدم الجزع وعدم الیأس.

(ولا تکُ فی ضیق ممّا یمکرون )

فمهما کانت دسائس العدو العنید واسعة ودقیقة وخطرة فلا ینبغی لک ترک المیدان، لظنّک أنْ قد وقعت فی زوایة ضیّقة وحصار محکم، بل لابدّ من التوکّل على اللّه، وسوف تفشل کلّ الدسائس وتبطل مفعولها بقوّة الإیمان والثبات والمثابرة والعقل والحکمة.

وآخر آیة من سورة النحل تعرض الأمرین التاسع والعاشر، حیث تقول:

(إنّ اللّه مع الذین اتقو )

التقوى فی جمیع أبعادها وبمفهومها الواسع، ومنها: التقوى فی مواجهة المخالفین بمراعاة اُصول الأخلاق الإسلامیة عند المواجهة، فمع الأسیر لابدّ من مراعاة أصول المعاملة الإسلامیة، ومع المنحرف ینبغی مراعاة الإنصاف والأدب والتورّع عن الکذب والإتهام، وفی میدان القتال لابدّ من التعامل على ضوء التعلیمات العسکریة وفق الموازین والضوابط الإسلامیة، فمثلا: ینبغی عدم الهجوم على العزّل من الأعداء، وعدم التعرّض للأطفال والنساء والعجزة، ولا التعرض للمواشی والمزارع لأجل إتلافها، ولا یقطع الماء على العدو... وخلاصة القول: تجب مراعاة اُصول العدل مع العدو والصدیق (وطبیعی أن تخرج بعض الموارد عن هذا الحکم إستثناءاً ولیس قاعدة).

10ـ (والذین هم محسنون )

أکّد القرآن الکریم فی کثیر من آیاته البیّنات بأن یقابل المؤمن إساءة الجاهل بالإحسان، عسى أنْ یخجل الطرف المقابل أو یستحی من موقفه المتشنج، وبهذه السلوکیة الرائعة قد ینتقل ذلک الجاهل من (ألدّ الخصام ) إلى أحسن الأصدقاء (ولی حمیم )!

وإذا عمل بالإحسان فی محلّه المناسب، فإنّه أفضل اُسلوب للمواجهة، والتاریخ الإسلامی یرفدنا بعیّنات رائعة فی هذا المجال... منها: موقف معاملة النّبی (صلى الله علیه وآله) مع مشرکی مکّة بعد الفتح، معاملة النّبی الکریم (صلى الله علیه وآله) لـ (وحشی) قاتل حمزّة، معاملته (صلى الله علیه وآله) لأسرى معرکة بدر الکبرى، معاملته (صلى الله علیه وآله) مع مَنْ کان یؤذیه بمختلف السبل من یهود زمانه... ونجد شبیه معاملة النّبی (صلى الله علیه وآله) مع الآخرین قد تجسّدت عملیاً فی حیاة علی (علیه السلام) وسائر الأئمّة (علیهم السلام)، وکلّ ذلک یکشف لنا بوضوح أهمیّة الإحسان فی حیاة الإنسان من وجهة نظر الإسلام.

ومن دقیق العبارة فی هذا المجال ما نجده فی نهج البلاغة ضمن الخطبة المعروفة بخطبة همّام(5) ، ذلک الرجل الزاهد العابد الذی طلب من أمیر المؤمنین (علیه السلام) أنْ یصف له المتقین، حیث اکتفى أمیر المؤمنین (علیه السلام) بذکر الآیة المبارکة من مجموع القرآن وقال: إتق اللّه وأحسن (إنّ اللّه مع الذین اتقوا والذین هم محسنون ).

ولکنّ السائل العاشق للحقِّ لم یروَ عطشه بهذا البیان المختصر، ممّا اضطر الإمام (علیه السلام) أنْ یعرض له بیاناً أکثر تفصیلا حتى استخرجت من فمه الشریف أکمل خطبة فی وصف المتقین، حوت على أکثر من مائة صفة لهم، إلاّ أنّ جوابه المختصر یبیّن أنّ الآیة المبارکة مختصر جامع لکلّ صفات المتقین.

وبنظرة تأملیّة ممعنة إلى الأصول العشرة المذکورة، تتبیّن لنا جمیع الخطوط الأصلیّة والفرعیة لاُسلوب مواجهة المخالفین، وأنّ هذه الاُصول إنّما احتوت کلّ الاُسس المنطقیة والعاطفیة والنفسیة والتکتیکیة، وکلّ ما یؤدّی للنفوذ إلى أعماق نفوس المخالفین للتأثیر الایجابی فیها.

ومع ذلک... فالإکتفاء بالمنطق والإستدلال فی مواجهة الأعداء وفی کلّ الظروف لا یقول به الإسلام ولا یقرّه، بل کثیراً ما تدعو الضرورة لدخول المیدان عملیاً فی مواجهة الأعداء حتى یلزم الأمر فی بعض الأحیان المقابلة بالمثل والتوسل بالقوّة فی قبال استعمال القوّة من قبل الأعداء، والتحرک على مستوى الممارسة والتخطیط المیدانی لمواجهة مخططات الاعداء ومؤامراتهم. ولکنْ اُصول العدل والتقوى والأخلاق الإسلامیة یجب أنْ تراعى فی جمیع الحالات.

ولو عمل المسلمون وفق هذا البرنامج الشامل لساد الإسلام کلّ أرض المعمورة أو معظمها على أقل التقادیر.


1. قال بعض المفسّرین فی الفرق ما بین «الحکمة»، و«الموعظة الحسنة»، والمجادلة بالتی هی أحسن: أنّ الحکمة إشارة إلى الأدلة القطعیة ..الموعظة الحسنة إشارة إلى الأدلة الظنیة... والمجادلة بالتی هی أحسن إشارة إلى الأدلة التی تهدف إلى إفحام المخالفین من خلال إلزامهم بما یقبلون. (إلاّ أنّ ما أوردناه أعلاه یبدو أکثر مناسبة للمقصود).
2. تفسیر العیاشی، وتفسیر الدر المنثور، ذیل الآیة مورد البحث، على ما ذکره تفسیر المیزان.
3. یلاحظ فی بعض الرّوایات إنّ القول بالمثلة بأکثر من واحد عند الظفر کان من بعض المسلمین (راجع تفسیر التبیان، ج 6، ص 440).
4. النصر، 2.
5. نهج البلاغة، خطبة 193.
سورة النّحل / الآیة 125 ـ 128 خاتمة مقال سورة النحل «سورة النِعَم»:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma