کان إبراهیم لوحده اُمّة!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 7
سورة النّحل / الآیة 120 ـ 124 سورة النّحل / الآیة 125 ـ 128

کما قلنا مراراً بأنّ هذه السورة هی سورة النعم، وهدفها تحریک حس الشکر لدى الإنسان بشکل یدفعه لمعرفة خالق وواهب هذه النعم.

والآیات تتحدث عن مصداق کامل للعبد الشکور لله، ألا وهو «إبراهیم» بطل التوحید، وأوّل قدوة للمسلمین عامة وللعرب خاصة.

والآیات تشیر إلى خمس من الصفات الحمیدة التی کان یتحلّى بها إبراهیم (علیه السلام).

(إنّ إبراهیم کان اُمّة ).

وقد ذکر المفسّرون أسباباً کثیرة للتعبیر عن إبراهیم (علیه السلام) بأنّه «اُمّة» وأهمّها أربع:

الأوّل: کان لإبراهیم شخصیة متکاملة جعلته أن یکون اُمّة بذاته، وشعاع شخصیة الإنسان فی بعض الأحیان یزداد حتى لیتعدّى الفرد والفردین والمجموعة فتصبح شخصیته تعادل شخصیة اُمّة بکاملها.

الثّانی: کان إبراهیم (علیه السلام) قائداً وقدوة حسنة ومعلّماً کبیراً للإنسانیة، ولذلک أطلق علیه (اُمّة ) لأنّ «اُمّة» اسم مفعول یطلق على الذی تقتدی به الناس وتنصاع له.

وثمّة إرتباط معنوی خاص بین المعنیین الأوّل والثانی، حیث إنّ الذی یکون بمرتبة إمام فی الصدق والاستقامة لاُمّة ما، یکون شریکاً لهم فی أعمالهم وکأنّه نفس تلک الاُمّة.

الثّالث: کان إبراهیم (علیه السلام) موحّداً فی محیط خال من أیِّ موحّد، فالجمیع کانوا یخوضون فی وحل الشرک وعبادة الأصنام، فهو والحال هذه «اُمّة» فی قبال أمّة المشرکین (الذین حوله).

الرّابع: کان إبراهیم (علیه السلام) منبعاً لوجود اُمّة، ولهذا أطلق القرآن علیه کلمة «اُمّة».

ولا مانع من أنْ تحمل هذه الکلمة القصیرة الموجزة کلّ ما ذکر ما معان کبیرة..

نعم فقد کان إبراهیم أمّة وکان إماماً عظیماً، وکان رجلا صانع اُمّة، وکان منادیاً بالتوحید وسط بیئة اجتماعیة خالیة من أیّ موحّد(1) .

وقال الشاعر:

لیس على اللّه بـمستـنـکـر *** أنْ یـجمع العالـم فی واحـد

صفته الثّانیة فی هذه الآیات: أنّه کان (قانتاً لله ).

وکان دائماً على الصراط المستقیم سائراً على طریق اللّه، طریق الحق (حنیف ).

(ولم یکُ من المشرکین ) بل کان نور اللّه یملأ کلّ حیاته وفکره، ویشغل کلّ زوایا قلبه.

وبعد کلّ هذه الصفات، فقد کان (شاکراً لأنعمه ).

وبعد عرض الصفات الخمسة یبیّن القرآن الکریم النتائج المهمّة لها، فیقول:

(اجتباه ) للنّبوة وإبلاغ دعوته.

(وهداه إلى صراط مستقیم ) وحفظه من کلّ انحراف، لأنّ الهدایة لا تأتی لأحد عبثاً، بل لابدّ من توفّر الإستعداد والأهلیة لذلک.

(وآتیناه فی الدنیا حسنة ).

«الحسنة» فی معناها العام کلّ خیر وإحسان، فتشمل منح مقام النّبوة، مروراً بالنعم المادیة حتى نعمة الأولاد وما شابهها.

(وإنّه فی الآخرة لمن الصالحین ).

ومع أنّ إبراهیم کان على رأس الصالحین فی الدنیا، فإنّه سیکون منهم فی الآخرة کما أخبرنا بذلک القرآن الکریم، وهذه دلالة على عظمة مقام الصالحین بأن یحسب إبراهیم (علیه السلام)على ما له من مقام سام کأحدهم فی دار الآخرة، ولِمَ لا یکون ذلک وقد طلب إبراهیم (علیه السلام)ذلک من ربّه حین قال: (ربِّ هب لی حکماً وألحقنى بالصالحین ) (2) .

وختمت عطایا اللّه عزَّ وجلّ لإبراهیم (علیه السلام) لما ظهر منه من صفات متکاملة، بأن جعل دینه عامّاً وشاملا لما ما سیأتی بعده من أزمان ـ وخصوصاً للمسلمین ـ ولم یجعل دینه مختصاً بعصر أهل زمانه، فقال اللّه عزَّوجلّ: (ثمّ أوحینا إلیک أن اتبع ملّة إبراهیم حنیف ) (3) .

ویأتی التأکید مرّة اُخرى: (وما کان من المشرکین ).

وبملاحظة الآیات السابقة یبدو لنا هذا السؤال: إنْ کان دین الإسلام هو نفس دین إبراهیم وأنّ المسلمین یتّبعون سنن إبراهیم (علیه السلام) فی کثیر من المسائل ومنها إحترام یوم الجمعة، فلماذا اتّخذ الیهود یوم السبت عیداً لهم بدلا من الجمعة ویعطلون فیه أعمالهم؟

إنّ آخر آیة من الآیات مورد البحث تجیب على السؤال المذکور حین تقول: (إنّما جعل السبت على الذین اختلفوا فیه ) أی إنّ السبت وما حرّم فی السبت کان عقوبة للیهود، وقد اختلفوا فیه أیضاً، فمنهم مَنْ قبله ومنهم مَنْ أهمله.

وتقول بعض الرّوایات: أنّ موسى (علیه السلام) دعا قومه ـ بنی اسرائیل ـ لاحترام یوم الجمعة وتعطیل أعمالهم فیه، وهو دین إبراهیم (علیه السلام)، إلاّ إنّهم تعلّلوا، واختاروا یوم السبت، فجعله اللّه عطلة لهم ولکنْ بضیق وشدّة، ولهذا لا ینبغی الإعتماد على تعطیل یوم السبت، لأنّه إنّما کان استثنائیاً وذا طابع جزائی، وأفضل دلیل على هذا الأمر أنّ الیهود أنفسهم اختلفوا فی یومهم المنتخب هذا، فبعض إحترمه وبعض آخر خالف ذلک وأدام العمل والکسب فیه حتى أصابهم عذاب اللّه.

وثمّة احتمال آخر، أنْ تکون إشارة الآیة مرتبطة ببدع المشرکین فی موضوع الأغذیة الحیوانیة، لأنّ الآیات السابقة تطرّقت لذلک من خلال إجابتها على تساؤل: لماذا لم یحرم فی الإسلام ما کان محرّماً فی دین الیهود؟ فجاء الجواب أنّ ذلک کان عقاباً لهم، فیطرح السؤال مرّة اُخرى حول عدم حرمة صید الأسماک یوم السبت فی الأحکام الإسلامیة فی حین أنّه محرّم على الیهود ..فیکون الجواب بأنّه کان عقاباً للیهود أیضاً.

وعلى أیّةِ حال، فثمّة إرتباط بین هذه الآیات والآیات 163 ـ 166 من سورة الأعراف التی تتحدث عن «أصحاب السبت»، حیث عرضت قصّتهم، وکیف أنّ صید السمک قد حرّم علیهم فی یوم السبت، ومخالفة قسم منهم لهذا الأمر، والعقاب الشدید الذی نزل علیهم بعد ذلک الإمتحان الإلهی.

وینبغی الإلتفات إلى أنّ «السبت» فی الأصل بمعنى تعطیل الأعمال للإستراحة، ولذلک سمّی یوم السبت، لأنّ الیهود کانوا یعطلون أعمالهم فیه، وبقی هذا الإسم مستعملا حتى بعد مجیء الإسلام، إلاّ أنّه لا عطلة فیه.

ویقول القرآن الکریم فی آخر الآیة: (وإنّ ربّک لیحکم بینهم یوم القیامة فیما کانوا فیه یختلفون ).

وکما أشرنا سابقاً فإنّ إحدى خصائص یوم القیامة إنهاء الاختلافات على کافّة الأصعدة، والعودة إلى التوحید المطلق، لأنّ یوم القیامة هو یوم: البروز، الظهور، کشف السرائر والبواطن، وکشف الغطاء ویوم رفع الحجب.


1. وفی الرّوایات عنه(صلى الله علیه وآله) أنّ عبد المطلب: «یُبعث یوم القیامة اُمّة وحده، علیه بهاء الملوک وسیماء الأنبیاء» لأنّه کان مدافعاً عن التوحید فی بیئة الشرک وعبادة الأصنام. (سفینة البحار، ج 2، ص 139).
2. الشعراء، 83.
3. «الحنیف» بمعنى الذی یترک الإنحراف ویتّجه إلى الإستقامة والصلاح، وبعبارة اُخرى، یغضّ نظره عن الأدیان والأوضاع المنحرفة ویتوجّه نحو صراط اللّه المستقیم، الدین الموافق للفطرة، ولهذا یسمى الصراط المستقیم، فالتعبیر بالحنیف یحمل بین طیّاته إشارة خفیّة إلى أنّ التوحید هو دین الفطرة.
سورة النّحل / الآیة 120 ـ 124 سورة النّحل / الآیة 125 ـ 128
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma