تعتبر نعمة أجهزة تحصیل العلم من أفضل النعم التی وهبها اللّه للإنسان، فلا یقتصر دور العین والأذن (مثلا) على النظر إلى آثار اللّه فی خلقه، والإستماع إلى أحادیث أنبیاء اللّه وأولیائه، وتفهم ذلک وتدرکه بالتحلیل والإستنتاج، بل إنّ کلّ خطوة نحو التکامل والتقدم مرتبطة إرتباطاً وثیقاً بهذه الوسائل الثلاثة.
والغایة من إعطاء هذه الوسائل إنّما هی شکر الواهب، لأنّه من خلالها یمکن الحصول على العلم والمعرفة اللذین بهما امتاز الإنسان عن غیره من الحیوانات.
وممّا لا شک فیه أنّ الإنسان لیقف عاجزاً أمام حق شکر المولى ولیس له إلاّ الاعتذار.
وتستمر الآیة التالیة فی بیان أسرار عظمة اللّه عزَّوجلّ فی علم الوجود، وتقول: (ألم یروا إلى الطّیر مسخّرات فی جوّ السّماء ).
«الجو» لغةً: هو الهواء (کما ذکره الراغب فی مفرداته)، أو ذلک الجزء من الهواء البعید عن الأرض (کما ورد فی تفسیر مجمع البیان وتفسیر المیزان وکذلک تفسیر الآلوسی).
وبما أنّ الأجسام تنجذب إلى الارض طبیعیاً فقد وصف القرآن الکریم حرکة الطیور فی الهواء بالتسخیر، أی: إنّ الباری سبحانه قد جعل فی أجنحة الطیور قوّة، وفی الهواء خاصیّة، تمکنان الطیور من الطیران فی الجو على رغم قانون الجاذبیة.
ویضیف قائلا: (ما یمسکهنّ إلاّ اللّه ).
صحیح أنّ ثمّة اُمور مجتمعة تعطی للطیور إمکانیة التحلیق والطیران، مثل: الخاصیّة
الطبیعیة للأجنحة، قدرة عضلات الطیور، هیکل الطیر بالإضافة إلى خواص الهواء الملائمة... ولکنْ، مَنْ الذی خلق هذه الهیئة وتلک الخواص؟
ومَنْ الذی أقرّ هذا النظام الدقیق؟
فهل هی الطبیعة العمیاء، أم مَنْ یعلم بجمیع الخواص الفیزیائیة للأجسام وأحاط علمه المطلق بکلّ هذه الاُمور؟؟
فإذا ما رأینا نسبة هذه الاُمور إلى اللّه، لأنّ منبع وجودها منه تعالى، وأمثال هذا التعبیر فی نسبة الأسباب والعلل إلى اللّه کثیرة فی القرآن الکریم.
وفی نهایة الآیة، یأتی قوله عزَّ مَنْ قائل: (إنّ فی ذلک لآیات لقوم یؤمنون ) أی إنّهم ینظرون إلى هذه الاُمور بعین باصرة وأذن سمیعة ویتفکرون فیما یرون ویسمعون، وبذلک یقوى إیمانهم ویرسخ أکثر فأکثر.
