هل التفاضل فی الرّزق من العدالة؟!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 7
سبب اختلاف الأرزاق: 1ـ أسباب الرزق

سؤال: وهنا یواجهنا سؤال یطرح نفسه: هل أنّ إیجاد التفاوت والاختلاف فی الأرزاق بین الناس، ینسجم مع عدالة اللّه عزَّ وجلّ ومساواته بین خلقه، التی ینبغی أن تحکم نظام المجتمع البشری؟

والجواب: لأجل الإجابة، ینبغی الإلتفات إلى الملاحظتین التالیتین:

إنّ الإختلاف الموجود بین البشر فی جانب الموارد المادیة یرتبط بالتباین الناشىء بین الناس جرّاء اختلاف استعدادتهم وقابلیتهم من واحد لآخر.

والتفاوت فی الإستعدادین الجسمی والروحی یستلزم الاختلاف فی مقدار ونوعیة الفعالیة الاقتصادیة للأفراد، ممّا یؤدّی إلى زیادة وارد بعض وقلّة وارد البعض الآخر.

ولا شکّ أنّ بعض الحوادث والاتفاقات لها دخل فی ثراء بعض الناس، إلاّ أنّه لا یمکن أن نعوّل علیها عند البحث لأنّها لیست أکثر من استثناء، أمّا الضابط فی أکثر الحالات فهو التفاوت الموجود فی کمیة وکیفیة السعی (ومن الطبیعی أنّ بحثنا یتناول المجتمع السلیم والبعید عن الظلم والإستغلال، ولا نقصد به تلک المجتمعات المنحرفة التی ترکت قوانین التکوین والنظام الإنسانی جانباً وانزلقت فی طرق الظلم والإستغلال).

وقد یساورنا التعجّب حینما نجد بعض الفاقدین لأىّ مؤهل أو استعداد یتمتعون برزق وافر وجیّد، ولکننا عندما نتجرّد عن الحکم من خلال الظواهر ونتوغّل فی أعماق ممیزات ذلک البعض جسمیاً ونفسیاً وأخلاقیاً، نجد أنّهم یتمتعون بنقاط قوّة أوصلتهم إلى ذلک (ونکرر القول بأنّ بحثنا ضمن إطار مجتمع سلیم خال من الإستغلال).

وعلى أیّة حال... فالتفاوت بین دخل الأفراد ینبع من التفاوت بالإستعدادات، وهو من المواهب والنعم الإلهیّة أیضاً، وإنْ أمکن أنْ یکون بعض ذلک اکتسابیاً، فالبعض الآخر غیر اکتسابی قطعاً. فإذنْ وجود التفاوت فی الأرزاق أمر غیر قابل للإنکار من الناحیة الاقتصادیة، ویتمّ ذلک حتى داخل المجتمعات السلیمة.. إلاّ إذا افترضنا وجود مجموعة أفراد کلّهم فی هیئة واحدة من حیث: الشکل، اللون، الإستعداد ولا یعتریهم أیَّ اختلاف! وإذا ما افترضنا حدوث ذلک فإنّه بدایة المشاکل والویلات!

لو نظرنا إلى بدن إنسان ما، أو إلى هیکل شجرة أو باقة ورد، فهل سنجد التساوی بین أجزاء کلّ منها ومن جمیع الجهات؟

وهل أنّ قدرة ومقاومة وإستعداد جذور الشجرة مساویة لقدرة ومقاومة وإستعداد أوراق الوردة الظریفة؟ وهل أنّ عظم قدم الإنسان لا یختلف عن شبکیة عینه؟

وَهل من الصواب أن نعتبر کلّ ذلک شیئاً واحداً؟!

ولو ترکنا الشعارات الکاذبة والفارغة من أیِّ معنى، وافترضنا تساوی الناس من جمیع النواحی، فنملأ الأرض بخمسة ملیارات من الأفراد ذوی: الشکل الواحد، الذوق الواحد، الفکر الواحد، بل والمتحدین فی کلّ شیء کعلبة السجائر.. فهل نستطیع أن نضمن أنّ حیاة هؤلاء ستکون جیّدة؟ ستکون الإجابة بالنفی قطعاً، وسیحرق الجمیع بنار التشابه المفرط والرتیب الکئیب، لأنّ الکلّ یتحرک فی جهة واحدة، والکلّ یرید شیئاً واحداً، ویحبّون غذاءاً واحداً، ولا یرغبون إلاّ بعمل واحد!

و من البدیهی أن حیاة کهذه ستکون سریعة الإنقراض، ولو افترض لها الدوام، فإنّها ستکون متعبة ورتیبة وفاقدة لکل روح. وبعبارة أشمل سوف لا یبعدها عن الموت بون شاسع.

وعلى هذا فحکمة وجود التفاوت فی الاستعدادات المستتبعة لهذا التفاوت قد ألزمتها ضرورة حفظ النظام الاجتماعی، ولیکون التفاوت فی الإستعدادات دافعاً لتربیة وإنماء الإستعدادات المختلفة للأفراد. ولا یمکن للشعارات الکاذبة أن تقف فی وجه هذه الحقیقة التی یفرضها الواقع الموضوعی أبداً.

ولا ینبغی أن نفهم من هذا الکلام أنّنا نرید منه إیجاد مجتمع طبقی أو نظام استغلالی واستعماری، لا، أبداً... وإنّما نقصد بالاختلافات التفاوت الطبیعی بین الأفراد (ولیس المصطنع) الذی یعاضد بعضه الآخر ویکمله (ولیس الذی یکون حجر عثرة فی طریق تقدّم الأفراد ویدعو إلى التجاوز والتعدّی على الحقوق).

إنّ الاختلاف الطبقی (والمقصود من الطبقات هنا: ذلک المفهوم الإصطلاحی الذی یعنی وجود طبقة مستغِلة واُخرى مستغَلة) لا ینسجم مع نظام الخلیقة أبداً، ولکنّ الموافق لنظام الخلیقة هو ذلک التفاوت فی الإستعدادات والسعی وبذل الجهد، والفرق بین الأمرین کالفرق بین السماء والأرض، فتأمل.

وبعبارة اُخرى، إنّ الاختلاف فی الإستعدادات ینبغی أن یوظف لخدمة مسیرة البناء، کما فی اختلاف طبیعة أعضاء بدن الإنسان أو أجزاء الوردة، فمع تفاوتها إلاّ أنّها لیست متزاحمة، بل إنّ البعض یعاضد البعض الآخر وصولا للعمل التام على أکمل وجه.

وخلاصة القول: ینبغی أن لا یکون وجود التفاوت والاختلاف فی الإستعدادات وفی الدخل الیومی للأفراد دافعاً لسوء الاستفادة وذلک بتشکیل مجتمع طبقی(1) .

ولهذا یقول القرآن الکریم فی ذیل الآیة مورد البحث: (أفبنعمة اللّه یجحدون ).

وذلک إشارة إلى أنّ هذه الاختلافات فی حالتها الطبیعیة (ولیست الظالمة المصطنعة) إنّما هی من النعم الإلهیّة التی أوجدها لحفظ النظام الاجتماعی البشری.

وتبدأ الآیة الأخیرة من الآیات مورد البحث بلفظ الجلالة «اللّه» کما کان فی الآیتین السابقتین، ولتتحدث عن النعم الإلهیّة فی إیجاد القوى البشریة، ولتتحدث عن الأرزاق الطیّبة أیضاً تکمیلا للحلقات الثلاثة من النعم المذکورة فی آخر ثلاث آیات، حیث استهلّت البحث بنظام الحیاة والموت، ثمّ التفاوت فی الأرزاق والإستعدادات الکاشف لنظام (تنوع الحیاة) لتنتهی بالآیة مورد البحث، حیث النظر إلى نظام تکثیر النسل البشریو... الأرزاق الطیّبة.

وتقول الآیة: (واللّه جعل لکم من أنفسکم أزواج ) لتکون سکناً لأرواحکم وأجسادکم وسبباً لبقاء النسل البشری.

ولهذا تقول وبلافاصلة: (وجعل لکم من أزواجکم بنین وحفدة ).

«الحفدة» بمعنى (حافد) وهی فی الأصل بمعنى الإنسان الذی یعمل بسرعة ونشاط دون انتظار أجر وجزاء، أمّا فی هذه الآیة ـ کما ذهب إلى ذلک أکثر المفسّرین ـ فالمقصود منها أولاد الأولاد، واعتبرها بعض المفسّرین بأنّها خاصّة بالإناث دون الذکور من الأولاد.

ویعتقد قسم آخر من المفسّرین: أنّ «بنون» تطلق على الأولاد الصغار، و«الحفدة» تطلق على الأولاد الکبار الذین یستطیعون إعانة ومساعدة آبائهم.

واعتبر بعض المفسّرین أنّها شاملة لکلّ معین ومساعد، من الأبناء کان أم من غیرهم(2) .

ویبدو أنّ المعنى الأوّل (أولاد الأولاد) أقرب من غیره، بالرغم ممّا تقدّم من سعة مفهوم «حفدة» فی الأصل.

وعلى أیّة حال فوجود القوى الإنسانیة من الأبناء والأحفاد والأزواج للإنسان من النعم الإلهیّة الکبیرة التی أنعمها جلّ اسمه على الإنسان، لأنّهم یعینونه مادیاً ومعنویاً فی حیاته الدنیا.

ثمّ یقول القرآن الکریم: (ورزقکم من الطّیّبات ).

«الطّیّبات» هنا لها من سعة المفهوم بحیث تشمل کلّ رزق طاهر نظیف، سواء کان مادیاً أو معنویاً، فردیاً أو إجتماعیاً.

وبعد کلّ العرض القرآنی لآثار وعظمة قدرة اللّه، ومع کلّ ما أفاض على البشریة من نعم، نرى المشرکین بالرغم من مشاهدتهم لکلّ ما أعطاهم مولاهم الحق، یذهبون إلى الأصنام ویترکون السبیل التی توصلهم إلى جادة الحق (أفبالباطل یؤمنون بنعمت اللّه هم یکفرون ).

فما أعجب هذا الزیغ! وأیّة حال باتوا علیها! عجباً لهم وتعساً لنسیانهم مسبب الأسباب، وذهابهم لما لا ینفع ولایضر لیقدسوه معبوداً!!!


1. لقد بحثنا بشکل مفصّل موضوع فلسفة الاختلاف فی الإستعدادات والفوائد الناتجة عن ذلک فی ذیل الآیة 32 من سورة النساء ـ فراجع.2. وفی هذه الحال یجب أن لا تکون «حفدة» معطوفة على «بنین» بل على «أزواجاً»، ولکنّ هذا العطف خلاف الظاهر الذی یشیر إلى عطفها على «بنین» ـ فتأمل.
سبب اختلاف الأرزاق: 1ـ أسباب الرزق
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma