بیّنت الآیات السابقة قسماً من النعم الإلهیّة المجعولة فی عالمی النبات والحیوان، لتکون دلیلا حسیّاً لمعرفته جلّ شأنه، وتواصل هذه الآیات مسألة إثبات الخالق جلّ وعلا بأسلوب آخر، وذلک بأنّ تغییر النعم خارج عن اختیار الإنسان، وذلک کاشف بقلیل من الدقّة والتأمل على وجود المقدّر لذلک.
فیبتدأ القول بـ (واللّه خلقکم ثمّ یتوفّاکم ).
فمنه الممات کما کانت الحیاة منه، ولتعلموا بأنّکم لستم خالقین لأىّ من الطرفین (الحیاة والموت).
ومقدار عمرکم لیس باختیارکم أیضاً، فمنکم مَنْ یموت فی شبابه أو فی کهولته (ومنکم مَنْ یردّ إلى أرذل العمر ) (1) .
ونتیجة هذا العمر الموغل فی سنی الحیاة (لکی لا یعلم بعد علم شیئ ) (2) .
فیکون کما کان فی مرحلة الطفولة من الغفلة والنسیان وعدم الفهم... نعـم ف (إنّ اللّه علیم قدیر ) فکلّ القدرات بیده جلّ وعلا، وعطاؤه بما یوافق الحکمة والمصلحة، وکذا أخذه لا یکون إلاّ عندما یَلْزَم ذلک.
ویواصل القرآن الکریم استدلاله فی الآیة التالیة من خلال بیان أنّ مسألة الرزق لیست بید الإنسان وإنّما... (واللّه فضّل بعضکم على بعض فی الرزق ) فاصحاب الثروة والطول غیر مستعدین لإعطاء عبیدهم منها ومشارکتهم فیها خوفاً أن یکونوا معهم على قدم المساواة: (فما الذین فضّلوا برادّی رزقهم على ما ملکت أیمانهم فهم فیه سواء ).
واحتمل بعض المفسّرین أنّ الآیة تشیر إلى بعض أعمال المشرکین الناتجة عن حماقتهم، حینما کانوا یجعلون لآلهتهم من الأصنام سهماً من مواشیهم ومحاصیلهم الزراعیة، بالرغم من عدم وجود أیّ أثر لتلک الأحجار والأخشاب على حیاتهم! بل کان الأَولى بهم أن یلتفتوا إلى خدمهم وعبیدهم لیعطوهم شیئاً جزاء ما یقدّمونه لهم من خدمات لیل نهار!...