لقد أکّدت الآیات أعلاه على میزتین مهمتین لّلبن ـ کونه «خالصاً»، و«سائغاً» أی لذیذاً وسریع الهضم ـ وکما هو المعروف عن اللبن من کونه غذاءً کثیر الفائدة على الرغم من قلّة حجمه. و«خالص» أی خال من المواد الزائدة وبذات الوقت فهو سهل الهضم بالشکل الذی جُعِلَ ملائماً لأی إنسان وعلى مختلف الأعمار ـ منذ الطفولة حتى الشیخوخة ـ ولهذا یعتمده المرضى کغذاء ملائم ومفید ومقبول، وبالخصوص ما له من أثر فعّال بالنسبة لنمو العظام، ولهذا یوصى بالإکثار من تناوله فی حالات کسور العظام وما شابهها.
ومن جملة معانی الخلوص هو (الربط)، ولعلّ البعض اعتمد على هذا المعنى فیما جاء فی التعبیر القرآنی «خالصاً»، واعتبارهم من کون «خالصاً» إشارة إلى تأثیر اللبن الخالص فی بناء وربط العظام.
وکذا نجد فی الأحکام الإسلامیة الواردة حول الرضاعة ما یشیر إلى هذا المعنى بوضوح.
ویقول الفقهاء: إنّ الطفل لو رضع من غیر اُمّه حتى اشتدت عظامه وزاد لحمه فإنّ مرضعته ستحرم علیه (وما یتبع ذلک فی مَنْ یعود إلیه النسب).
ویقولون أیضاً: إنّ 15 رضاعة متوالیة، أو رضاعة یوم ولیلة متصلة، یؤدّی إلى هذه الحرمة أیضاً.
ولو جمعنا القولین، ألا ینتج أنّ التغذیة باللبن یوم ولیلة لها أثر فی تقویة العظام وزیادة اللحم!؟
وینبغی الإلتفات إلى أنّ التوجیهات الإسلامیة أکّدت کثیراً على لبن «اللباء» وهو أو ما ینزل من اللبن بعد الولادة، حتى أنّ بعض کتب الفقه تقول إنّ حیاة الطفل مرهونة به، ولهذا اعتبر إعطاء الطفل من حلیب اللباء واجب(1) .
ولعلّ ما فی الآیة 7 من سورة القصص حول موسى (علیه السلام) یتعلق بهذا الموضوع أیضاً (وأوحینا إلى اُمّ موسى أن أرضعیه فإذا خفت علیه فألقیه فی الیمّ ).