یقول القرآن الکریم فی ذلک کما فی الآیات أعلاه: إنّه یخرج من بین «فرث» ـ الأغذیة المهضومة داخل المعدة ـ و«دم».
وقد أثبت ذلک فیزیولوجیاً: حیث إنّه عندما یتمّ هضم الغذاء داخل المعدة ویکون جاهزاً للإمتصاص ینتشر داخل المعدة والأمعاء بشکل واسع وأمام الملایین من العروق الشعیریة، فتمتص منه العناصر المفیدة المطلوبة لتوصلها إلى تلک الشجرة ذات الجذور التی تنتهی عروقها عند عروق الثدی.
عندما تتناول المرأة الحامل الغذاء تنتقل عصارته إلى الدم الذی یجری فی عروقها حتى یصل نهایة العروق المجاورة لعروق الجنین لیتغذى الجنین بهذه الطریقة ما دام فی بطن اُمّه، وعندما ینفصل عن اُمّه یتحول طریق تغذیته إلى الثدی... وهنا لا تستطیع الاُم أن تصل دمها إلى دم ولدها، ولذلک ینبغی تصفیة الغذاء وتغییر حالته بما ینسجم والوضع الجدید للطفل، وهنا... یتکون اللبن من بین فرث ودم، أی: من بین ما تتناوله الأم الذی یتحول إلى فرث وما ینتقل من مواده إلى الدم لیتکون منه اللبن.
فاللبن فی الحقیقة... شیء وسط بین الفرث والدم، فلا هو دم مصفى ولا هو غذاء مهضوم، وهو أعلى من الثّانی ودون الأوّل!
علماً بأنّ الثدی یستفید من الحوامض الأمینیة المخزونة فی البدن فقط فی صناعة المواد البروتینیة لّلبن.
وثمّة مکوّنات اُخرى لّلبن لا توجد فی الدم وإنّما تنتجها غدد خاصّة فی الثدی (کالکازوئین).
والبعض الآخر من المکوّنات یأتی من ترشح بلازما الدم مباشرة: ویدخل فی تکوین اللبن من دون أی تغییر (کالفیتامینات وملح الطعام والفوسفات).
أمّا سکر اللاکتوز الموجود فی اللبن فیؤخذ من السکر الموجود فی الدم بعد أن تجری علیه الغدد الخاصّة فی الثدی التغییرات اللازمة لتحویله إلى نوع جدید من السکر.
ومع أنّ إنتاج اللبن یکون عن طریق جذب المواد الغذائیة بواسطة الدم، ومن خلال الإرتباط المباشر بین الدم وغدد الثدی، إلاّ أنّنا لا نلاحظ أیَّ أثر لرائحة الفرث أو لون الدم فیه، بل یبدأ اللبن بالترشح من ثدی الأم بلون جدید ورائحة خاصّة به.
ومن لطیف ما ینقل عن العلماء المتخصصین أنّ إنتاج لتر واحد من اللبن فی الثدی یحتاج بما لا یقل عن عبور 500 لتر من الدم خلال الثدی لیستطیع من امتصاص المواد اللازمة لإنتاج اللبن، کما یلزم لإنتاج لتر واحد من الدم عبور مواد غذائیة کثیرة من الأمعاء... وبهذا یتّضح لنا معنى (من بین فرث ودم ) کامل(1) .
1. مقتبس من کتابی الکیمیاء الحیاتیة والطبیة، وأوّل جامعة وآخر نبی، ج 6، ص 71 ـ 77.
