بعد أن عرضت الآیات السابقة بحوثاً استدلالیة فی نفی الشرک وعبادة الأصنام، تأتی هذه الآیات لتتناول قسماً من بدع المشرکین وصوراً من عاداتهم القبیحة، لتضیف دلیلا آخراً على بطلان الشرک وعبادة الأصنام، فتشیر الآیات إلى ثلاثة أنواع من بدع وعادات المشرکین:
وتقول أوّلاً: (ویجعلون لما لا یعلمون نصیباً ممّا رزقناهم ) (1) .
وکان النصیب عبارة عن قسم من الإبل بقیة من المواشی بالإضافة إلى قسم من المحاصیل الزراعیة، وهو ما تشیر إلیه الآیة 136 من سورة الأنعام: (وجعلوا لله ممّا ذرأ من الحرث والأنعام نصیباً فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشرکائنا فما کان لشرکائهم فلا یصل إلى اللّه وما کان لله فهو یصل إلى شرکائهم ساء ما یحکمون ).
ثمّ یضیف القرآن الکریم قائلا: (تالله لتسئلنّ عمّا کنتم تفترون ).
وسیکون بعد السؤال اعتراف لا مفرّ منه ثمّ الجزاء والعقاب، وعلیه فما تقومون به له ضرر مادی من خلال ما تعملونه بلا فائدة، وله عقاب أخروی لأنّکم أسأتم الظن بالله واتجهتم إلى غیره.
أمّا البدعة الثّانیة فکانت: (ویجعلون لله البنات سبحانه ) من التجسّم ومن هذه النسبة. (ولهم ما یشتهون ) أیْ: إنّهم لم یکونوا لیقبلوا لأنفسهم ما نسبوه إلى اللّه، ویعتبرون البنات عاراً وسبباً للشقاء!
وإکمالا للموضوع تشیر الآیة التالیة إلى العادة القبیحة الثّالثة: (وإذا بشّر أحدهم بالاُنثى ظلّ وجهه مسودّاً وهو کظیم ) (2) .
ولا ینتهی الأمر إلى هذا الحد بل (یتوارى من القوم من سوء ما بشّر به ).
ولم ینته المطاف بعد، ویغوص فی فکر عمیق: (أیمسکه على هون أم یدسّه فی التّراب ).
وفی ذیل الآیة، یستنکر الباری حکمهم الظالم الشقی بقوله: (ألا ساء ما یحکمون ).
وأخیراً یشیر تعالى إلى السبب الحقیقی وراء تلک التلوّثات، ألا هو عدم الإیمان بالآخرة: (للذین لا یؤمنون بالآخرة مثل السّوء ولله المثل الأعلى وهو العزیز الحکیم ).
فکلّما اقترب الإنسان من العزیز الحکیم انعکس فی روحه نور صفاته العلیا من العلم والقدرة والحکمة وابتعد عن الخرافات والبدع والأفعال القبیحة.
وکلّما ابتعد عنه تعالى غرق بقدر ذلک البعد فی ظلمات الجهل والضعف والذلّة والقبائح.
فالسبب الرئیسی لکلّ انحراف وقبح وخرافة هو الغفلة عن ذکر اللّه وعن محکمته العادلة فی الآخرة، أمّا ذکر اللّه والآخرة فدافع أصیل للإحساس بالمسؤولیة ومحاربة الجهل والخرافة، وعامل قدرة وقوّة وعلم للإنسان.