نعمة الجبال والبحار والنجوم:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 7
سورة النّحل / الآیة 14 ـ 18 الطریق، العلامة، القائد:

تبیّن هذه الآیات قسماً آخر من النعم الإلهیّة غیر المحدودة التی تفضّل بها اللّه عزَّوجلّ على الإنسان، فیبدأ القرآن الکریم بذکر البحار، المنبع الحیوی للحیاة، فیقول: (وهو الّذی سخّر البحر ).

وکما هو معلوم أنّ البحار تشکّل القسم الأکبر من سطح الکرة الأرضیة، وأنّ الماء أساس الحیاة، ولا زالت البحار تعتبر المنبع المهم فی إدامة الحیاة البشریة وحیاة جمیع الکائنات الحیّة على سطح الکرة الأرضیة.

فما أکبرها من نعمة حین جعلت البحار فی خدمة الإنسان...

ثمّ یشیر الباری سبحانه إلى ثلاثة أنواع من منافع البحار: (لتأکلوامنه لحماً طریّ ) فقد جعل اللّه فی البحار لحماً لیتناوله الإنسان من غیر أن یبذل أدنى جهد فی تربیته، بل أوجدته ونمّته ید القدرة الإلهیّة، وقد خصّه بالطراوة، فمع الأخذ بنظر الاعتبار أنّ اللحوم غیر الطازجة متوفرة فی ذلک الزمان وفی هذا الزمان على السّواء ندرک جیّداً أهمیّة هذه النعمة، وفی ذلک إشارة أیضاً إلى أهمیّة اللحوم الطازجة.

ومع ما شهدته الحیاة البشریة من التقدّم والتمدّن المدنی فی کافّة أصعدة الحیاة لا زال البحر أحد المصادر الرئیسیة للتغذیة، ویصاد سنویاً مئات الآلاف من الأطنان من الأسماک الطریّة التی أوجدتها ورعتها ید اللطف الإلهیّة لأجل الإنسان.

ونجد أنظار العلماء متّجهة صوب البحار فی قبال ما سیهدد البشریة من خطر نقص المواد الغذائیة فی المستقبل جراء الزیادة السکّانیة الهائلة، آملین خیراً بأنّ البحار ستسد مقداراً ملحوظاً من ذلک النقص، بواسطة تربیة وتکثیر أنواع الأسماک.

ومن جهة اُخرى وضعوا عدّة مقررات لمنع تلوّث میاه البحار للحد من تلف نسل الحیوانات البحریّة، وکلّ ذلک یوضّح ما فی الآیة المذکورة من مسائل علمیة طرحت على البشریة قبل أربعة عشر قرناً.

ومن فوائد البحار أیضاً تلک المواد التجمیلیة المستخرجة من قاعه: (وتستخرجوا منه حلیة تلبسونه ).

الحس الجمالی من الاُمور الفطریة التی فطر الإنسان علیها وهو الباعث على إثارة الشعر والفن الأصیل وما شاکلها عنده.

وبلا شک، یلعب هذا البعد دوراً مهمّاً فی حیاة البشر، وینبغی العمل على إشباعه بشکل صحیح وسالم بعیداً عن أىّ نوع من الإفراط والتفریط..

فلا فرق بالنتیجة بین مَنْ غرق فی عبادة التجمیل والزینة، وبین مَنْ أهملها وعاش حالة الجفاف الجمالی، لأنّ الأوّل مارس الإفراط الباعث على تلف رأسماله وبات سبباً فی إیجاد الفواصل الطبقیّة المصاحب لقتل کلّ ما یمتّ للمعنویات بصلة، والثّانی مارس التفریط الباعث على الخمود والرکود. فالإثنان معاً عملا بما لا ینبغی أن یعمله أی إنسان ذو فطرة سلیمة بکافّة أبعادها.

ولهذا أوصى الإسلام کثیراً بالتزیّن المعقول الخالی من أی إسراف مثل: لبس اللباس الجیّد، التطیّب بالعطور، استعمال الأحجار الکریمة...الخ.

ثمّ یتطرق القرآن إلى الفائدة الثّالثة فی البحار: حرکة السفن على سطح میاهها، کوسیلة مهمّة لتنقل الإنسان ونقل ما یحتاجه، فیقول: (وترى الفلک مواخر فیه )، وما أجمل ما تقع علیه أنظار راکبی السفینة حین حرکتها على سطح البحار والمحیطات.

وأعطاکم اللّه هذه النعمة لتستفیدوا منها فی التجارة أیضاً (ولتبتغوا من فضله ) (1) .

وبعد ذکر هذه النعم التی تستلزم من الإنسان العاقل أن یشکر واهبها، یأتی فی ذیل الآیة: (ولعلّکم تشکرون ).

«الفلک»: أیْ السفینة، وتأتی بصیغتی المفرد والجمع.

«مواخر» جمع «ماخرة» (من مادة مخر) على وزن (فخر) بمعنى شق الماء یمیناً وشمالا، وتطلق على صوت الریاح الشدید أیضاً، وباعتبار السفن عند حرکتها تشق الماء بمقدمتها فیطلق علیها اسم (الماخر) أو الماخرة.

ونتساءل: مَنْ الذی أعطى المواد التی تصنع منها السفن خاصیّة الطفو على سطح الماء؟

فالسفینة بما تحمل أثقل من الماء بکثیر، ولو لم تکن تلک القوّة الدافعة للماء، هل بإمکاننا الطفو على سطح المیاه؟

ومَنْ الذی یحرّک الریاح على سطح البحر؟

بل مَنْ أعطى البخار القوّة لتحریک السفینة فی مسیرها على سطح الماء؟

أوَ لیس ذلک کلّه من نعم اللّه تعالى؟

وممّا یکشف عن عظم نعمة البحار أنّها: أوسع بکثیر من الطرق البریّة، أقلّ کلفة، أکثر أهلیّةً للحرکة، أعظم وسیلة نقلیة للبشر، وذلک بملاحظة کبر السفن المستخدمة فی النقل وضخامة ما تحمله.

ثمّ یأتی الحدیث عن الجبال بعد عرض فوائد البحار: (وألقى فی الأرض رواسی أن تمید بکم ) (2) .

کما قلنا سابقاً فإنّ الجبال متّصلة من جذورها وتقوم بتثبیت الأرض ممّا یجعلها مانعاً حصیناً من الزلازل الأرضیة الشدیدة الناشئة من الغازات الکامنة فی باطن الأرض والمهددة بالخروج فی أیّة لحظة على شکل زلزال.

إضافة لخاصیّة الجبال فی مدّ القشرة الأرضیة بالمقاومة اللازمة أمام جاذبیة القمر (التی تسبب ظاهرة المدّ والجزر) ویقلل من أثرها إلى حدّ کبیر.

وللجبال من جانب ثالث القدرة على تقلیل شدّة حرکة الریاح وتوجیه حرکتها، ولو لم تکن الجبال لکان سطح الأرض عرضة للعواصف الشدیدة المستمرة.

ثمّ یتطرق القرآن الکریم مباشرة إلى نعمة الأنهار، لما بین الجبال والأنهار من علاقة وثیقة حیث تعتبر الجبال المخازن الأصلیة للمیاه، فیقول: (وأنهار ).

ثمّ یقطع القرآن الکریم الوهم الحاصل عند البعض من أنّ الجبال حاجز بین إرتباط الأراضی فیما بینها بالإضافة لکونها مانعاً رهیباً أمام حرکة النقل، فیقول (وسبلا لعلّکم تهتدون ) (3) .

وهذه المسألة ملفتة للنظر حقاً، حیث نجد بینها طرقاً یستطیع أن یتخذها الإنسان سبیلا لتنقلاته بین أکبر السلاسل الجبلیّة فی العالم، وقلیلا ما یکون هناک قطع کامل بین المناطق بسبب الجبال.

ثمّ یضیف قائلا: (وعلامات ) لأنّ الطرق لوحدها لا یمکنها أن توصل الإنسان لمقصده دون وجود علامات فارقة وممیزات شاخصة یستهدی بها الإنسان لسلک ما یوصله لمأربه، ولذا ذکر هذه النعمة.

ومن تلک العلامات: شکل الجبال، الأودیة، الممرات، الإرتفاع والإنخفاض، لون الأرض والجبال وحتى طبیعة حرکة الهواء.

ولمعرفة ما لوجود هذه العلامات من أهمیّة، یکفینا أن نلقی نظرة إلى حال الصحاری الواسعة ذات الصفة الواحدة الموجودة فی بعض مناطق العالم، حیث عملیة التنقل فیها أمر صعب مستصعب إلى حدّ کبیر، إضافة لخطورته الکبیرة، وکم هناک من مسافر دخل فیها ولم یعد...

فلو کان سطح الأرض کلّه على شاکلة الصحاری، کأنْ تکون الجبال کلّها بشکل وحجم واحد، وحقولها بلون واحد، وأودیتها متشابهة تماماً... فهل کان من الیسیر على الإنسان أن یسیر علیها؟!

وأمّا فی حال عدم تشخیص هذه العلامات بسبب ظلمة اللیل فی أیّ من سفر البر أو ولأجل مزید من التوضیح راجع کتابنا (القرآن وآخر نبی) ـ فصل المعجزات العلمیة للقرآن.

البحر، فقد جعل اللّه تعالى علامات فی السماء تعوّض عن علامات الأرض فی تلک الحال: (وبالنجم هم یهتدون ).

بطبیعة الحال فهذه إحدى الفوائد الجمّة للنجوم، ولو لم یکن لها سوى هذه الفائدة لکان کافیاً لوجودها، خصوصاً فی زمن لم یکن فیه أسطرلاب ولا مؤشرات قطبیة تعین السفن فی تحدید مسیرها وفق خرائط أعدّت لذلک الغرض، وقدیماً کانت الرحلات تتوقف إذا ما غطّیت السماء بالسُّحب وتلبّدت بالغیوم، ومَنْ یجرؤ على تکملة السفر فسیواجه خطر الموت.

وکما هو معلوم الیوم، فإنّ النجوم التی تبدو لنا متحرکة فی السماء عبارة عن خمسة کواکب، ویطلق علیها اسم السیارات، والسیارات أکثر من خمسة، إلاّ أنّ البقیة لا یمکن تشخیصها بالعین المجرّدة بسهولة، أمّا بقیة النجوم فإنّها تحتفظ بمکانها النسبی، وکأنّها لآلیء خیطت على قطعة قماش أسود، وهذه القطعة کأنّها تسحب من إحدی جهاتها فتتحرک بکاملها.

وبعبارة اُخرى: إنّ حرکة النجوم الثوابت جمعیّة، وحرکة السیارات إنفرادیّة، حیث تتغیر المسافات بینها وبین الثوابت باستمرار.

إضافة لذلک، فالنجوم الثوابت تشکّل فیما بینها أشکالا معیّنة تعرف بـ (الصور الفلکیة) ولها الأثر الکبیر فی معرفة الإتجاهات الأربعة (الشمال، الجنوب، الشرق، والغرب).

وبعد أن بیّن القرآن کلّ هذه النعم الجلیلة والألطاف الإلهیّة الخفیّة، راح یدعو الوجدان الإنسانی للحکم فی ذلک (أفمن یخلق کمن لا یخلق أفلا تذکّرون )؟!

وکما اعتدنا علیه من القرآن فی اُسلوبه التربوی الهادف المؤثّر، فقد طرح مسألة المحاججة بصیغة سؤال یترک الجواب عنه فی عهدة الوجدان الحی للإنسان، مستعیناً بتحریک الإحساس الباطنی لیجیب من أعماق روحه، ولینشد عشقاً بخالقه.

والثابت فی الواقع النفسی للإنسان، أنّ التعلیم والتربیة السلیمة یستلزمان بذل أقصى سعی ممکن لإقناع المقابل بقبول ما یوجّه إلیه عن قناعة ذاتیة، أی ینبغی إشعاره بأنّ ما یعطى إلیه ما هو فی حقیقته إلاّ انبعاث من داخله ولیس فرضاً علیه من الخارج لیتقبّلها بکلّ وجوده ویتبناها ویدافع عنها.

ونجد من الضرورة إعادة ما قلناه سابقاً من أنّ المشرکین الذین کانوا یسجدون للأصنام

کانوا یعتقدون أنّ اللّه عزَّوجلّ هو الخالق، ولهذا یتساءل القرآن الکریم.. مَنْ أحقُ بالسجود.. خالق کلّ شیء أم المخلوق؟!

وفی نهایة المطاف، یفنّد الباری سبحانه مسألة حصر النعم الإلهیّة بما ذکر، بقوله: (وإن تعدّوا نعمة اللّه لا تحصوه ).

إنّکم غارقون فی النعم الإلهیّة وفی کلّ نفس یصعد وینزل آلاف النعم (ولکلّ نعمة شکر واجب).

إنّ کلّ دقیقة تمرّ من عمرنا نکون فیها مدینین لفعالیات ملایین الموجودات الحیّة فی داخل بدننا وملایین الموجودات الحیّة وغیر الحیّة فی خارجه، والتی لا یمکننا أن نحیا ولو للحظة واحدة بدونها.

ولکنّ ضبابیة الغفلة حالت دون معرفتنا لهذه النعم الجمّة التی کلّما خطا العلم الحدیث خطوة إلى الأمام اتّضحت لنا أبعاد واسعة وانفتحت لنا آفاقاً جدیدة فی معرفة النعم الإلهیّة، وکلّ ما ندرکه فی هذا المجال قلیل جدّاً ممّا قدّره الباری لنا، فهل بإمکان المحدود أن یعدّ ما أعطاه المطلق؟!

ونواجه فی هذا المقام سؤالا وإستفساراً: کیف إذَنْ نؤدّی حق الشکر للّه؟ و.. ألسنا مع ما نحن فیه، فی زمرة الجاحدین؟

وقوله تعالى: (إنّ اللّه لغفور رحیم ) خیر جواب لذلک السؤال.

نعم، فهو سبحانه أرحم وأرأف من أن یؤاخذنا على عدم الاستطاعة فی أداء أتمّ الشکر على نعمه.

ویکفینا من لطفه تعالى بأن یحسبنا من الشاکرین فی حال اعتذرنا له واعترافنا بالعجز عن أداء حق الشکر الکامل.

ولکن هذا لا یمنع من أن نتتبع ونحصی النعم الرّبانیة بقدر المستطاع، لأنّ ذلک یزیدنا معرفة للّه، وعلماً بعالم الخلیقة، وآفاق التوحید الرحبة، کما یزید من حرارة عشقه سبحانه فی أعماق قلوبنا، وکذا یحرّک فینا الشعور المتحسس بضرورة ووجوب شکر المنعم جلّ وعلا.

ولهذا نجد أنّ الأئمّة (علیهم السلام) یتطرقون فی أقوالهم وأدعیتم ومناجاتهم إلى النعم الإلهیّة ویعدّون جوانب منها، عبادةً للّه وتذکیراً ودرساً للآخرین.

(وقد تناولنا مسألة شکر النعمة وعدم قدرة الإنسان على إحصاء النعم الإلهیّة عند بحث الآیة الرّابعة والثلاثین من سورة إبراهیم).


1. ابتدأت عبارة (ولتبتغوا من فضله ) بواو العطف بما یستوجب تقدّم المعطوف وهو هنا مقدّر، تقدیره «لتنتفعوا بها ولتبتغوا من فضله».
2. (أن تمید بکم ) على تقدیر (لئلا تمید بکم) أو (کراهة أنْ تمید بکم).3. تعتبر هذه الآیة إحدى المعجزات العلمیة للقرآن الکریم، حیث ذکرت هذا الأمر وبما یحمل من ظواهر علمیة فی زمن لم یصل الإنسان لا کتشافه بعد.
سورة النّحل / الآیة 14 ـ 18 الطریق، العلامة، القائد:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma