عاقبة مذنبی قوم لوط:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 6
سورة الحجر / الآیة 61 ـ 77 1ـ ما المقصود بـ (قطع من اللیل)؟

طالعتنا الآیات السابقة بقصّة اللقاء بین ملائکة العذاب هؤلاء وبین إبراهیم (علیه السلام)، وهذه الآیات تکمل لنا سیر أحدث القصّة فتبتدأ من خروجهم من عند إبراهیم حتى لقائهم بلوط (علیه السلام).

فنقرأ أوّلاً (فلمّا جاء آل لوط المرسلون).

فالتفت إلیهم لوط (قال إنّکم قوم منکرون).

یقول المفسّرون: قال لهم ذلک لما کانوا علیه من جمال الصورة ریعان الشباب، وهو یعلم ما کان متفشیاً بین قومه من الانحراف الجنسی.. فمن جهة، هم ضیوفه ومقدمهم مبارک ولابدّ من إکرامهم واحترامهم، ولکنّ المحیط الذی یعیشه لوط (علیه السلام) مریض وملوّث.

ولهذا ورد تعبیر «سیء بهم» فی الآیات المتعرّضة لقصّة قوم لوط فی سورة هود، أی إنّ هذا الموضوع کان صعباً على نبیّ اللّه وقد اغتمّ لقدومهم لتوقعه یوماً عصیباً!

ولکنّ الملائکة لم یترکوه وهذه الهواجس طویلا حتى سارعوا إلى القول: (قالوا بل جئناک بما کانوا فیه یمترون)، أیْ إنّنا جئنا بالعذاب الذی واعدتهم به کثیراً، وذلک لأنّهم لم یعتنوا ولم یصدّقوا بما ذکرته لهم.

ثمّ أکّدوا له قائلین: (وأتیناک بالحق)، أی العذاب الحتمی والجزاء الحاسم لقومک الضالین.

ثمّ أضافوا لزیادة التأکید: (وإنّا لصادقون).

فهؤلاء القوم قد قطعوا کلّ جسور العودة ولم یبق فی شأنهم محلاًّ للشفاعة والمناقشة، کی لا یفکّر لوط فی التشفّع لهم ولیعلم أنّهم لا یستحقونها أبداً.

ثمّ قالت الملائکة للوط: أخرج وأهلک من المدینة لیلا حین ینام القوم أو ینشغلوا بشرابهم وشهواتهم، لأجل نجاة الثلّة المؤمنة من قومه (وهم أهله ما عدا زوجته).

(فأسر بأهلک بقطع من اللیل) وکن خلفهم کی لا یتخلف أحد منهم ولتکون محافظاً ورقیباً لهم (واتّبع أدبارهم) وعلى أن یکون نظرکم إلى الأمام (ولایلتفت منکم أحد وامضوا حیث تؤمرون)، أی إلى أرض الشام، أو أیِّ مکان آخر یکون فیه الناس مطهّرین من هذه الآثام.

ثمّ ینتقل مجرى الحدیث حین یقول تعالى: (وقضینا إلیه ذلک الأمر أنّ دابر هؤلاء مقطوع مصبحین)، أی سوف لا یبقى منهم أحد عند الصباح.

ومن الملفت للنظر، أنّ القرآن قد ترک القصّة عند هذا الحدّ وعاد إلى بدایتها لیعرض ما ترک القول فیه ـ لسبب سنشیر إلیه فیما بعد ـ فیقول: (وجاء أهل المدینة یستبشرون) أی إنّهم قد ظنوا بحصول لقمة جدیدة سائغة عن طریق ضیوف لوط!

إنّ تعبیر (أهل المدینة) یوحی إلى أنّ الذین تحرّکوا صوب منزل لوط (علیه السلام) کانوا جمعاً کبیراً، وهو ما یوضّح بجلاء تلک الوقاحة والقبح والجسارة التی کانوا علیها، وخصوصاً قوله (یستبشرون) التی تحکی عمق تلوّثهم بذلک الدرک السافل، مع أنّ مثل هذا الفعل القبیح ربّما لا یشاهد حتى بین الحیوانات، وإذا ما ابتلی به إنسان (والعیاذ باللّه) فإنّه سوف یحاول کتمه وإخفاءه، حیث إنّ الإتیان به مدعاة للتحقیر والإزدراء من قبل الآخرین.. أمّا قوم لوط، فکانوا مستبشرین بذلک الصّید الجدید وکلّ یهنّیء الآخر على ما سیصیبه من نصیب!!

وحینما سمع لوط أصواتهم وضجیجهم أغتمّ غمّاً شدیداً لأجل ضیوفه، لأنّه ما کان یدری أنّهم ملائکة العذاب إلى ذلک الوقت ولهذا (قال إنّ هؤلاء ضیفی  فلا تفضحون).

أی... إن کنتم لا تؤمنون باللّه ولا تصدّقون بالنّبی ولا تعتقدون بثواب وعقاب، فراعوا حق الضّیافة التی هی من السنن المتعارف علیها عند کلّ المجتمعات سواء کانت مؤمنة أم کافرة، أیِّ بشر أنتم؟ لا تفهمون أبسط المسائل الإنسانیة، فإنْ لم یکن لکم دین فکونوا أحراراً فی دنیاکم!

ثمّ أضاف قائلا: (واتقوا اللّه ولا تخزون) (1) أمام ضیفی.

ولکنّهم من الوقاحة والإصرار على الانحراف بحیث صاروا لا یشعرون بالخجل من أنفسهم، بل راحوا یحاججون لوطاً ویحاسبونه، وکأنّه إرتکب جرماً فی استضافته لهؤلاء القوم (قالوا أوَ لم ننهک عن العالمین)، باستضافتهم! فلماذا خالفت أمرنا؟!

وکان قوم لوط من البخل بحیث إنّهم لا یحبّون الضیافة، وکانت مدینتهم على طریق القوافل، ویبررون فعلهم القبیح ببعض الواردین لدفع الضیوف ولأجل أن لاینزل عندهم أحد من القوافل المارّة، وتعارفوا على ذلک حتى أصبح عندهم عادة.

وکما یبدو أنّ لوطاً کان حینما یسمع بأحد الغرباء یدخل المدینة یسرع لاستضافته خوفاً علیه من عمل قومه الخبیث، ولمّا علم أهل المدینة بذلک جاؤوا إلیه غاضبین ونهوه عن أن یستضیف أحداً مستقبلا.

وعلیه، فکلمة «العالمین» فی الآیة أعلاه ـ کما یبدو ـ إشارة إلى عابری السبیل، ومن هم لیسوا من أهل تلک المدینة.

وعندما رآهم لوط على تلک الحال من الوقاحة والجسارة، أتاهم من طریق آخر لعلّهم یستفیقون من غفلتهم وسکر انحرافهم، فقال لهم: إن کنتم تریدون إشباع غرائزکم فلماذا تسلکون سبیل الانحراف ولا تسلکون الطریق الصحیح (الزواج) (قال هؤلاء بناتی إن کنتم فاعلین).

ممّا لا شک فیه أنّ بنات لوط لا یکفین لذلک العدد الهائل من المتحجّرین حول داره، ولکن لوطاً الذی کان یهدف إلى إلقاء الحجّة علیهم أراد أن یقول لهم: إنّنی مستعد إلى هذه الدرجة للتضحیة من أجل الضیف، وکذلک لأجل إنقاذکم من الفساد ونجاتهم من الإنحراف.

وذهب البعض إلى أنّ المقصود من (هؤلاء بناتی) کل بنات المدینة، باعتباره أباً روحیاً للجمیع. (إلاّ أنّ التّفسیر الأوّل أقرب إلى معنى الآیة).

ولیس نجافِ أنّ لوطاً ما کان لیزوّج بناته من اُولئک المشرکین الضّالین، ولکنّه أراد أن یقول لهم: تعالوا آمنوا لأزوجکم بناتی.

لکنّ الویل، کلّ الویل من سکرات الشهوة، الانحراف والغرور والعناد.. التی مسحت عنهم کلّ قیم الأخلاق الإنسانیة وأفرغتهم من العواطف البشریة، والتی بها یحسّون بالخجل والحیاء أمام منطق لوط (علیه السلام)، أو أن یترکوا بیت لوط وینسحبوا عن موقفهم، ولکن أنّى لهم ذلک، والأکثریة بسبب عدم تأثّرهم بحدیث لوط استمروا فی غیّهم وأرادوا أن یمدّوا أیدیهم إلى الضیوف.

وهنا یخاطب اللّه تعالى نبیّه قائلا: (لعمرک إنّهم فی سکرتهم یعمهون).

وقرأنا فی سورة هود ـ فیما یتعلق بهذه القصّة ـ أنّ ملائکة العذاب قد کشفوا عن أمرهم وقالوا للوط: لا تخف إنّهم لن یصلوا إلیک.

وفی الآیة 37 من سورة القمر نقرأ (ولقد راودوه عن ضیفه فطمسنا أعینهم).

وفی بعض الرّوایات: إنّ أحد هؤلاء الضیوف أخذ قبضة من تراب فرماها فی وجوه القوم فأصبحوا لا یبصرون جمیعاً.

وبعد ذلک یبلغ کلام اللّه تعالى عن هؤلاء القوم الذروة حینما یبیّن عاقبتهم السیّئة فی آیتین قصیرتین وبشکل قاطع ملیء بالدروس والعبر بقوله: (فأخذتهم الصیحة مشرقین)أی صوت شدید عند شروق الشمس.

ویمکن حمل «الصیحة» على أنّها صاعقة عظیمة أو صوت زلزلة رهیب، والمهم أنّه کان صوتاً مرعباً أسقط الجمیع مغمیّاً علیهم أو میّتین.

والمعلوم أنّ الأمواج الصوتیة إذا ما تعدّت حدّاً معیّناً فستکون مرعبة مخیفة تهزّ فرائص الإنسان، وإذا ما ازدادت شدّتها فستبهت الإنسان وتشلّه عن الحرکة وربّما تؤدّی بحیاته، بل ومن الممکن لها أن تهدم الأبنیة، وهذا ما تفعله المتفجرات.

ولم یکتف بذلک بل شمل العذاب المدینة أیضاً (فجعلنا عالیها سافله).

وزید فی التنکیل بهم (وأمطرنا علیهم حجارة من سجّیل).

إنّ سقوط الحجارة على رؤوسهم ربّما کان یستهدف مَنْ لم یمت من الصیحة المرعبة ولم یصبح تحت الأنقاض، وربّما لأجل محو أجسادهم وجثثهم من على الأرض کی لا یبقى أثر لهؤلاء القوم المجرمین، حتى أنّ المار على تلک الدیار بعد نزول الأحجار لا یصدّق بسهولة أنّها کانت مدینة معمورة!

ثمّ إنّ نزول هذا العذاب ذو المراحل الثلاث (الصیحة الرهیبه، قلب المدینة، المطر الحجری) ـ رغم أنّ کلّ واحدة منهنّ کانت تکفی لقطع دابر القوم ـ کان لمضاعفة عذابهم لشدّة فسادهم وجسارتهم وإصرارهم على إدامة التلوّث بتلک القبائح الشنیعة، وکی یکون عبرة لمن یعتبر.

وهنا یخلص القرآن الکریم إلى النتائج الأخلاقیة والتربویّة فیقول: (إنّ فی ذلک لآیات للمتوسّمین) (2) العقلاء الذین یفهمون الأحداث بفراستهم وذکائهم ونظرهم الثاقب ویحملون من کلّ إشارة حقیقة ومن کلّ تنبیه درساً.

ولا تتصوروا أنّ آثارهم ذهبت تماماً، بل هی باقیة على طریق القوافل والمارّة (وإنّها لبسبیل مقیم).

وإن لم تصدّقوا فاذهبوا لرؤیة آثار المدن المعذّبة الواقعة على طریق المسافرین إلى الشام (من المدینة) فانظروا وفکّروا واعتبروا، وعودوا إلى اللّه، واسلکوا طریق التوبة، وطهّروا نفوسکم من الآثام والذنوب.

ثمّ تدعو الآیة المؤمنین إلى التفکّر ملیّاً فی هذه القصّة واستخلاص العبر منها: (إنّ فی ذلک لآیة للمؤمنین).

فکیف یمکن للمؤمن أن لا یعتبر ولا یهتز عندما یطالع خبر هذه الواقعة؟!

بحثنا بشیء من التفصیل فی الآیات المتعلقة بقوم لوط فی سورة هود من هذا التفسیر، فبحثنا فی معنى «سجیل»، ولماذا اُمطر على هؤلاء القوم المنحرفین بالحجارة، ولماذا قلبت مدینتهم، ولماذا کان العذاب صباحاً، ولماذا اُمر لوط وأهله أن لایلتفتوا إلى الوراء، وکذلک بحثنا مسألة تحریم الشذوذ الجنسی فی الأدیان السماویة وفلسفة التحریم، بالإضافة إلى بحث فی أخلاق قوم لوط... وسنبحث هنا بعض ما تبقّى من الإشارات المتعلقة بهذه القصّة.


1. نرى فی هذه الآیات أن لوطاً یطلب من قومه أن لا یفضحوه تارة وألاّ یخزوه تارة اُخرى، الفضیحة لغة بمعنى: إنکشاف شیء، وظهور العیب أیضاً (وأراد لوط أن یفهمهم بأنّ عملکم القبیح هذا سیخجلنی أمام ضیوفی ویعرفوا مدى خباثة أهل مدینتی).
أمّا «الخزی» فهو بمعنى الإبعاد وکذلک بمعنى الخجل (وأراد لوط أن یقول لهم: لا تخجلونی أمام ضیوفی وتباعدوا بینی وبینهم).
2. «متوسم» من مادة «وسم» على وزن «رسم» أىْ ترک أثراً، ویقال لمن یخلص من أثر صغیر إلى نتائج وحقائق کبیرة «متوسم».
سورة الحجر / الآیة 61 ـ 77 1ـ ما المقصود بـ (قطع من اللیل)؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma