خلق الإنسان:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 6
سورة الحجر / الآیة 26 ـ 44 1ـ التکبر والغرور من المهالک العظام

بعد ذکر خلق نماذج من مخلوقات اللّه فی الآیات السابقة، تأتی هذه الآیات لتبیّن أنّ الهدف الأساسی من إیجاد کلّ الخلیقة إنّما هو خلق الإنسان، وتتطرق الآیات إلى جزئیات عدیدة فی شأن الخلق، زاخرةً بالمعانی.

وقبل الدخول فی بحوث مفصلة حول بعض المسائل التی ذکرت فی الآیات المبارکات نشرع بتفسیر إجمالی...

یقول تعالى فی البدایة: (ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون «الصلصال» هو التراب الیابس الذی لو اصطدم به شیء أحدث صوتاً... و«الحمأ المسنون» هو طینٌ متعفن.

(والجانّ خلقناه من قبل من نار السّموم).

«السّموم» لغة: الهواء الخارق، وسمیَّ بالسموم لأنّه یخترق جمیع مسامات بدن الإنسان، وکذلک یطلق على المادّة القاتلة (السم) لأنّها تنفذ فی بدن الإنسان وتقتله.

ثمّ یعود القرآن الکریم إلى خلق الإنسان مرّة اُخرى فیتعرض إلى کلام اللّه تعالى مع الملائکة قبل خلق الإنسان: (وإذ قال ربّک للملائکة إنّی خالق بشراً من صلصال من حمأ مسنون * فإذا سوّیته ونفخت فیه من روحی) وهی روح شریفة طاهرة جلیلة (فقعوا له ساجدین).

وبعد أن تمّ خلق الإنسان من الجسم والروح المناسبین (فسجد الملائکة کلّهم أجمعون).

ولم یعص هذا الأمر إلاّ إبلیس: (إلاّ إبلیس أبى أن یکون مع السّاجدین).

وهنا سأل اللّه إبلیسَ: (قال یا إبلیس ما لک ألاّ تکون مع السّاجدین).

فأجاب إبلیس بعد أن کان غارقاً فی بحر الغرور المظلم، وتائهاً فی حبّ النفس المقتم، وبعد أن غطّى حجاب الخسران عقله... أجاب بوقاحة (قال لم أکن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون)... فأین النّار المضیئة من التراب الأسود المتعفن! وهل لموجود شریف مثلی أن یتواضع ویخضع لموجود أدنى منه! أیُّ قانون هذا؟!..

ونتیجةً للغرور وحبّ النفس، فقد جهل أسرار الخلیقة، ونسی برکات التراب الذی هو منبع کلّ خیر وبرکة، والأهم من ذلک کلّه... فقد تجاهل شرافة تلک الروح التی أودعها الرّب فی آدم.. وکنتیجة طبیعیة لهذا السلوک المنحرف فقد هوى من ذلک المقام المرموق بعد أن أصبح غیر لائق لأن یکون فی درجة الملائکة وبین صفوفهم، فجاء الأمر الإلهی مقرعاً: (قال فاخرج منها فإنّک رجیم)، أی أخرج من الجنّة، أو من السماوات أو اخرج من بین صفوف الملائکة.

واعلم یا إبلیس بأنّ غرورک أصبح سبباً لکفرک، وکفرک قد أوجب طردک الأبدی (وإنّ علیک اللعنة إلى یوم الدّین) أی، إلى یوم القیامة.

وهنا... حینما وجد إبلیس نفسه مطروداً من الساحة الإلهیّة، ساوره إحساس بأنّ خلق الإنسان هو سبب شقائه فاشتعلت نار الحقد والضغینة فی قلبه لینتقم لنفسه من أولاد آدم (علیه السلام).

فبالرغم من أنّ السبب الحقیقی یرجع إلى إبلیس نفسه ولیس لآدم دخل فی ذلک، إلاّ أنّ غروره وحبّه لنفسه وعناده المستحکم لم یعطیاه الفرصة لدرک حقیقة شقاءه، ولهذا (قال ربّ فانظرنی إلى یوم یبعثون)، لیرکّز عناده وعداءه!

وقبل اللّه تعالى طلبه: (قال فإنّک من المنظرین).

ولکن لیس إلى یوم یبعثون کما أراد، بل (إلى یوم الوقت المعلوم). فما هو یوم الوقت المعلوم؟

قال بعض المفسّرین: هو نهایة هذا العالم وانتهاء التکلیف، لأنّ بعد ذلک (کما یفهم من ظاهر الآیات القرآنیة) تحلّ نهایة حیاة جمیع الکائنات، ولا یبقى حىّ إلاّ الذات الإلهیّة المقدّسة، ومن هذا نفهم حصول الموافقة على بعض طلب إبلیس.

وقال بعض آخر: هو زمان معیّن لا یعلمه إلاّ اللّه، لأنّه لو أظهره عزَّوجلّ لکان لإبلیس ذریعة فی المزید من التمرّد والمعاصی.

وثمّة مَنْ قال: إنّه یوم القیامة، لأنّ إبلیس أراد أن یکون حیّاً إلى ذلک الیوم لیکون بذلک من الخالدین فی الحیاة، وإنّ یوم الوقت المعلوم قد ورد بمعنى یوم القیامة فی سورة الواقعة الآیة 50، وهو ما یعزّز هذا القول.

ویبدو أنّ هذا الاحتمال بعید جدّاً لأنّه یتضمن الموافقة الإلهیّة على کل طلب إبلیس، والحال أنّ ظاهر الآیات المذکورة لا تعطی هذا المعنى، فلم تبیّن الآیات أنّ اللّه استجاب لطلبه بالکامل، بل إلى یوم الوقت المعلوم... ومن هنا یکون التّفسیر الأوّل أکثر توافقاً مع روح وظاهر الآیة، وکذلک ینسجم مع بعض الرّوایات عن الإمام الصّادق (علیه السلام) بهذا الخصوص (1) .

وهنا أظهر إبلیس نیّته الباطنیّة (قال ربّ بما أغویتنی) وکان هذا الإنسان سبباً لشقائی (لاُزینن لهم فی الأرض) نعمها المادّیة (ولاُغوینّهم أجمعین) بإلهائهم بتلک النعم.

إلاّ أنّه یعلم جیّداً بأنّ وساوسه سوف لن تؤثّر فی قلوب عباد اللّه المخلصین، وأنّهم متحصنون من الوقوع فی شباکه، لأنّ قوّة الإیمان ودرجة الإخلاص عندهم بمکان یکفی لدرء الخطر عنهم بتحطیم قیود الشیطان عن أنفسهم.. ولهذا نراه قد استثنى فی طلبه (إلاّ عبادک منهم المخلصین).

من البدیهی أنّ اللّه سبحانه منزّه عن تضلیل خلقه، إلاّ أنّ محاولة إبلیس لتبریر ضلاله وتبرئة نفسه جعلته ینسب ذلک إلى اللّه سبحانه وتعالى. هذا الموقف هو دیدن جمیع الأبالسة والشیاطین، فهم یلقون تبعة ذنوبهم على الآخرین أوّلاً ومن ثمّ یسعون لتبریر أعمالهم القبیحة بمنطق مغلوط ثانیاً، والمصیبة أنّ مواقفهم تلک إنّما یواجهون بها ربّ العزة والجبروت، وکأنّهم لا یعلمون أنّه لا تخفى علیه خافیة.

وینبغی ملاحظة أنّ «المخلصین» جمع مخلَص (بفتح اللام) وهو ـ کما بیّناه فی تفسیر سورة یوسف ـ المؤمن الذی وصل إلى مرحلة عالیة من الإیمان والعمل بعد تعلّم وتربیة ومجاهدة مع النفس، فیکون ممتنعاً من نفوذ وساوس الشیطان وأیّ وسواس آخر.

ثمّ قال تعالى تحقیراً للشیطان وتقویة لقلوب العباد المؤمنین السالکین درب التوحید الخالص: (قال هذا صراط عَلَیَّ مستقیم * إن عبادی لیس لک علیهم سلطان إلاّ مَنْ اتّبعک من الغاوین).

یعنی، یا إبلیس لیس لک القدرة على إضلال الناس، لکن الذین یتبعونک إن هم إلاّ المنحرفین عن الصراط المستقیم والمستجیبین لدواعی رغباتهم ومیولهم.

وبعبارة اُخرى.. إنّ الإنسان حرّ الإرادة، وإنّ إبلیس وجنوده لا یقوون على أن یجبروا إنساناً واحداً على السیر فی طریق الفساد والضلال، لکنّه الإنسان هو الذی یلبّی دعوتهم ویفتح قلبه أمامهم ویأذن لهم فی الدخول فیه!

وخلاصة القول: إنّ الوساوس الشیطانیة وإن کانت لا تخلو من أثر فی تضلیل وانحراف الإنسان، إلاّ أنّ القرار الفعلی للإنصیاع للوساوس أو رفضها یرجع بالکامل إلى الإنسان، ولا یستطیع الشیطان وجنوده مهما بلغوا من مکر أن یدخلوا قلب إنسان صاحب إرادة موجّهة صوب الإیمان المخلص.

وأراد اللّه سبحانه بهذا القول نزع الخیال الباطل والغرور الساذج من فکر الشیطان من أنّه سیجد سلطة فائقة على الناس وبلا منازع، یمکنه من خلالها إغواء من یرید.

ثمّ یهدد اللّه بشدّة أتباع الشیطان: (وإنّ جهنّم لموعدهم أجمعین) وأنْ لیس هناک وسیلة للفرار، والکلّ سیحاسب فی مکان واحد.

(لها سبعة أبواب لکلّ باب منهم جزء مقسوم).

هی أبواب للذنوب التی یدخلون جهنّم بسببها، وکلّ یحاسب بذنبه... کما هو الحال فی أبواب الجنّة التی هی عبارة عن طاعات وأعمال صالحة ومجاهدة للنفس یدخل بها المؤمنون الجنّة.


1. تفسیر نورالثقلین، ج 3، ص 13، ح 45.
سورة الحجر / الآیة 26 ـ 44 1ـ التکبر والغرور من المهالک العظام
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma