لا فائدة من مکرهم!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 6
سورة إبراهیم / الآیة 46 ـ 52 1ـ تبدیل الأرض غیر الأرض والسماوات

أشارت الآیات السابقة إلى نوع من عقاب الظالمین، وفی هذه الآیات أیضاً أشارت ـ أوّلا ـ إلى جزء من أفعالهم، ومن ثمّ إلى قسم آخر من جزائهم الشدید وعقابهم الألیم.

تقول الآیة الاُولى: (وقد مکروا مکرهم).

لقد عملوا کلّ ما بوسعهم من أجل طمس حقائق الإسلام، بدءً من الترغیب والتهدید وحتى الأذى ومحاولات القتل والإغتیال وبثّ الشائعات، ومع کلّ ذلک فانّ الله مطّلع على جمیع مؤامراتهم وقد أحصى أعمالهم: (وعند الله مکرهم) وعلى أی حال فلا تقلق فانّهم لا یستطیعون بمکرهم هذا أن یصیبوک بسوء حتى (وإن کان مکرهم لتزول منه الجبال).

«المکر» ـ وکما أشرنا إلیه سابقاً ـ بمعنى الإحتیال، فمرّةً یلازمه الفساد ومرّةً اُخرى لا یلازمه، وفی تفسیر جملة (وعند الله مکرهم) رأیان:

یقول البعض ومن جملتهم العلاّمة الطباطبائی فی تفسیر المیزان: المراد بکون مکرهم عند الله إحاطته تعالى به بعلمه وقدرته.

ویقول البعض الآخر، کالعلاّمة الطبرسی فی مجمع البیان: إنّ المراد هو ثبوت جزاء مکرهم عند الله تعالى (وعلى هذا التّفسیر یکون تقدیر الآیة: عند الله جزاء مکرهم) فکلمة الجزاء محذوفة.

وممّا لا شکّ فیه أنّ التّفسیر الأوّل أقرب إلى الصحّة، لأنّه یوافق ظاهر الآیة ولا یحتاج إلى الحذف والتقدیر، وتؤیّده جملة (وإن کان مکرهم لتزول منه الجبال) أی إنّ مکرهم مهما کان قویّاً. ومهما کانت لدیهم قدرة على المؤامرة، فانّ الله أعلم بهم وأقدر علیهم وسیدمّر کلّ ما مکروا.

ثمّ یتوعّد الله الظالمین والمسیئین مرّة اُخرى من خلال مخاطبة النّبی (صلى الله علیه وآله)(فلا تحسبنّ الله مخلف وعده رسله) لأنّ الإخلاف یصدر من الذی لیست له قدرة واستطاعة، ولکن: (إنّ الله عزیز ذو إنتقام).

وهذه الآیة ـ فی الواقع ـ مکمّلة للآیة التی قبلها (ولا تحسبنّ الله غافلا عمّا یعمل الظالمون).

وتعنی أنّ المهلة التی أعطیت للظالمین لیست بسبب أنّ الله غافل عنهم وعن أعمالهم ولا مخلف لوعده، بل سینتقم منهم فی الیوم المعلوم. والإنتقام لا یراد به ما کان مصحوباً بالحقد والثأر کما یستخدم عادة فی أعمال البشر، بل هو الجزاء والعقاب وإقامة العدالة بحقّ الظالمین، بل إنّها نتیجة عمل الإنسان نفسه، ولا حاجة إلى القول بأنّ الله تعالى لو لم ینتقم من الظالمین لکان ذلک خلافاً لعدله وحکمته.

ثمّ یضیف تعالى (یوم تبدّل الأرض غیر الأرض والسّماوات) وسوف یتجدّد کلّ شیء بعد الدمار، ویبعث الإنسان فی خلق جدید وعالم جدید یختلف فی کلّ شیء عن هذا العالم، فی سعته، فی نعیمه وعقابه وسیظهر الإنسان بکلّ وجوده لله تعالى: (وبرزوا لله الواحد القهّار).

و «البروز» من مادّة «البراز» على وزن «فراز» بمعنى الفضاء والمحلّ الواسع، وغالباً ما تأتی بمعنى الظهور، لأنّ وجود الشیء فی الفضاء الواسع بمعنى ظهوره، وهناک آراء مختلفة للمفسرین فی معنى بروز الناس لله تعالى، الکثیر یرى أنّها تعنی الخروج من القبر.

ویحتمل أن یکون المعنى إنکشاف بواطن وظواهر جمیع الناس فی یوم المحشر، کما نقرأ فی الآیة 16 من سورة غافر (یوم هم بارزون لا یخفى على الله منهم شیء) وکذلک الآیة 9 من سورة الطارق (یوم تبلى السرائر) وعلى أی حال فوصفه بالقهّار دلیل على تسلطه على کلّ الأشیاء وسیطرته على ظاهرها وباطنها.

السؤال: وهنا یأتی هذا السؤال، وهو: هل أنّ شیئاً خفی على الله فی هذه الدنیا لکی یظهر فی الآخرة؟ أم أنّ الله لا یعلم بما فی القبور ولا یعلم بأسرار الناس؟

والجواب: ویتّضح الجواب من الإلتفات إلى هذه النقطة، وهی أنّ لنا ظاهراً وباطناً فی هذه الدنیا، وقد یشتبه على البعض ـ بسبب علمنا المحدود ـ أنّ الله لا یرى باطننا، ولکن سوف یظهر کلّ شیء فی الآخرة ولا وجود للظاهر والباطن هناک، وبعبارة اُخرى فالظهور بالقیاس إلى علمنا ولیس إلى علم الله المطلق.

وتصوّر الآیة التالیة کیفیّة بروزهم إلى الله فتقول: (وترى المجرمین یومئذ مقرّنین فی الأصفاد).

«الأصفاد» جمع «صفد» بمعنى الغلّ، وقال البعض هو الغلّ والسلاسل التی تجمع الید إلى العنق.

«مقرنین» من مادّة «القرن والإقتران» وهی بنفس المعنى، لکن لو استخدمت من باب التفعیل یستفاد منها التکثیر، وعلى ذلک فکلمة مقرّنین بمعنى الأشخاص المتقاربین مع بعضهم البعض.

وللمفسّرین ثلاث آراء حول المقصود من هذه الکلمة:

الأوّل: هو تقیید المجرمین بالسلاسل والأغلال بعضهم مع البعض الآخر وظهورهم بهذه الصورة فی یوم القیامة، إنّ هذا الغِل هو عبارة عن تجسید للروابط العملیة والفکریة بین المجرمین فی هذه الدنیا، حیث کان یساعد بعضهم البعض على الظلم والفساد، وتتجسّد هذه العلاقة فی الآخرة بصورة سلاسل تربطهم فیما بینهم.

الثّانی: إنّ المجرمین یقرّنون مع الشیاطین بالسلاسل فی یوم القیامة بسبب علاقتهم الباطنیة معهم فی هذه الدنیا.

الثّالث: أن تقیّد أیدیهم برقابهم فی الآخرة.

ولا مانع هناک من أن تجمع هذه الصفات للمجرمین، لکن المعنى الأوّل الذی ذکرناه یوافق ظاهر الآیة.

ثمّ یتطرّق القرآن الکریم إلى لباسهم والذی هو أحد أفراد المجازاة الشدیدة (سرابیلهم من قطران وتغشى وجوههم النّار).

«سرابیل» جمع (سربال) على وزن (مثقال) بمعنى القمیص من أی قماش کان، ویقول البعض بأنّه کلّ أنواع اللباس، لکن الأوّل أقرب إلى المعنى.

«قطران» بفتح القاف وسکون الطاء أو بکسر القاف وسکون الطاء، وهی مادّةً تؤخذ من شجرة الأبهل ثمّ تُغلى فتثخن وتُطلى بها الإبل عند إصابتها بمرض الجرب، (1) وکانوا یعتقدون أنّ المرض یزول بسبب وجود الحرقة فی هذه المادّة، وعلى أی حال فهی مادّة سوداء نتنة وقابلة للإشتغال (2) .

فیکون معنى الجملة (سرابیلهم من قطران) أنّهم یلبسون ثیاباً من مادّة سوداء ونتنة وقابلة للإشتعال، حیث تمثّل أسوأ الألبسة لما کانوا یعملونه فی هذه الدنیا من إرتکاب الذنوب والفواحش. وسوادها یشیر إلى أنّ الذنوب تؤدّی إلى أن یکون الإنسان مسودّ الوجه أمام ربّه، وتعفّنها یشیر إلى تلوّث المجتمع بهم ومساعدتهم على إشعال نار الفساد، وکأنّ القطران تجسید لأعمالهم فی الدنیا.

(وتغشى وجوههم النّار) بسبب لباسهم الذی هو من قطران، لأنّه عند إشتعاله لا یحرق جسمهم فقط، بل یصل لهیبه إلى وجوههم، کلّ ذلک لأجل (لیجزی الله کلّ نفس ما کسبت).

ومن الطریف أنّه لم یقل أنّ الجزاء بما کسبت أنفسهم، بل یقول: «ما کسبت» لیکون تجسیداً حیّاً لأعمالهم، وهذه الآیة بهذا التعبیر الخاص دلیل آخر على تجسّم الأعمال.

وفی الختام یقول تعالى: (إنّ الله سریع الحساب) وهذا واضح تماماً لأنّ کلّ إنسان حسابه معه!

ونقرأ فی بعض الرّوایات : إنّ الله تعالى یحاسب الخلائق کلّهم فی مقدار لمح البصر، ولا ریب أنّ الله تعالى لا یحتاج إلى وقت لمحاسبة الأفراد، وما جاء فی الرّوایة أعلاه إشارة إلى أقصر الفترات. (للتوضیح أکثر راجع تفسیر الآیة 202 من سورة البقرة من تفسیرنا هذا).

وبما أنّ آیات هذه السورة ـ وکذلک جمیع الآیات ـ لها جانب الدعوة إلى التوحید وإبلاغ الأحکام الإلهیّة إلى الناس وإنذارهم، یقول تعالى فی آخر آیة من هذه السورة: (هذا بلاغ للناس ولینذروا به ولیعلموا أنّما هو إله واحد ولیذّکّر اُولوا الألباب).


1. التفسیر الکبیر، ج 19، ص 148.
2. یقول فرید وجدی فی دائرة المعارف فی مادّة (القطران) مائع ناتج من تقطیر الفحم الحجری، والقطران النباتی یتمّ الحصول علیه من بعض الأشجار.
سورة إبراهیم / الآیة 46 ـ 52 1ـ تبدیل الأرض غیر الأرض والسماوات
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma