نقرأ مراراً فی آیات القرآن أنّ المؤمنین ینفقون أو یتصدّقون فی السرّ والعلانیة، وبهذا الترتیب فإنّه تعالى مع ذکره للإنفاق یذکر کیفیّة الإنفاق، لأنّه یکون مرّةً فی السرّ أکثر تأثیراً وکرامة، ویکون مرّةً اُخرى فی الجهر سبباً فی تشجیع الآخرین وإقتدائهم فی إقامة الشعائر الدینیّة.
ولو قامت حرب بین دولة إسلامیة واُخرى کافرة لرأینا الناس المؤمنین یحملون کلّ یوم مقادیر کبیرة من التبرعات إلى المناطق المنکوبة لمساعدة المتضرّرین بالحرب، أو الجرحى والمعوّقین أو المقاتلین، ومن المعلوم أنّ نشر أخبار هذه التبرّعات مفید جدّاً لتکون دلیلا على مواساتهم، ودعمهم لمقاتلیهم، وإحیاءاً لروح الإنسانیّة فی عامّة الناس، وتشجیعاً للذین تخلّفوا عن هذه القافلة لکی یوصلوا أنفسهم بها، ومن البدیهی أنّ الإنفاق هنا فی العلانیة أکثر تأثیراً.
ویقول بعض المفسّرین: إنّ الفرق بین الإنفاقین هو أنّ الإنفاق العلنی مرتبط بالواجبات، فلا یخشى علیه من الریاء، لأنّ العمل بالواجبات لازم للجمیع ولا داعی لإخفائه، وأمّا الإنفاق المستحبّ ـ ولأنّه زائد عن الوظیفة الواجبة ـ فمن الممکن أن تتخلّله حالة من التظاهر والریاء ولذلک کان إخفاؤه أفضل.
ولکن الظاهر أنّ هذا التّفسیر لیس أصلا کلّیاً على حدة، بل هو فرع من التّفسیر الأوّل.