2ـ ما هو البداء؟

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 6
1ـ لوح المحو والإثبات واُمّ الکتاب سورة الرعد / الآیة 41 ـ 43

«البداء» أحد البحوث العویصة بین الشیعة والسنّة.

یقول الرازی فی تفسیره الکبیر فی ذیل الآیة ـ محلّ البحث ـ: «یعتقد الشیعة أنّ البداء جائز على الله، وحقیقة البداء عندهم أنّ الشخص یعتقد بشیء ثمّ یظهر له خلاف ذلک الإعتقاد، ولإثبات ذلک یتمسکون بالآیة (یمحو الله ما یشاء ویثبت) ثمّ یضیف الرازی: إنّ هذه العقیدة باطلة، لأنّ علم الله من لوازم ذاته، ومحال التغییر والتبدیل فیه».

وممّا یؤسف له حقّاً أنّ عدم المعرفة بعقیدة الشیعة فی مسألة البداء أدّت إلى أن ینسب کثیرون تهماً غیر صحیحة إلى الشیعة الإمامیّة.

ولتوضیح ذلک نقول:

«البداء» فی اللغة بمعنى الظهور والوضوح الکامل، وله معنىً آخر هو الندم، لأنّ الشخص النادم قد ظهرت له ـ حتماً ـ اُمور جدیدة.

لا شکّ، إنّ هذا المعنى الأخیر بالنسبة إلى الله تعالى مستحیل، ولا یمکن لأی عاقل وعارف أن یحتمل أنّ هناک اُموراً خافیة على الله ثمّ تظهر له بمرور الأیّام، فهذا القول هو الکفر بعینه، ولازمه نسبة الجهل وعدم المعرفة إلى ذاته المقدّسة، وأنّ ذاته محلاًّ للتغییر والحوادث.

وحاشا للشیعة الإمامیّة أن یحتملوا ذلک بالنسبة لذات الله المقدّسة! إنّ ما یعتقده الشیعة من معنى البداء ویصرّون علیه، هو طبقاً لما جاء فی روایات أهل البیت (علیهم السلام): ما عرف الله حقّ معرفته من لم یعرفه بالبداء.

کثیراً ما یکون ـ وطبقاً لظواهر العلل والأسباب ـ أن نشعر أنّ حادثة ما سوف تقع أو أنّ وقوع مثل هذه الحادثة قد أخبر عنه النّبی، فی الوقت الذی نرى أنّ هذه الحادثة لم تقع، فنقول حینها: إنّ «البداء» قد حصل، وهذا یعنی أنّ الذی کنّا نراه بحسب الظاهر سوف یقع وإعتقدنا تحقّقه بشکل قاطع قد ظهر خلافه.

والأصل فی هذا المعنى هو ما قلناه فی بحثنا السابق، وهو أنّ معرفتنا مرّةً تکون فقط بالعلل الناقصة، ولا نرى الشروط والموانع ونقضی طبقاً لذلک، ولکن بعد أن نواجه فقدان الشرط أو وجود المانع ویتحقّق خلاف ما کنّا نتوقّعه سوف ننتبه إلى هذه المسائل، وکذلک قد یعلم النّبی أو الإمام باُمور مکتوبة فی لوح المحو والإثبات القابل للتغییر طبعاً، فقد لا تتحقّق أحیاناً لمواجهتها بالموانع وفقدان الشروط.

ولکی تتّضح هذه الحقیقة لابدّ من مقایسة بین «النسخ» و«البداء»: نحن نعلم أنّ النسخ جائز عند جمیع المسلمین، یعنی من الممکن أن ینزل حکم فی الشریعة فیتصوّر الناس أنّ هذا الحکم دائمی، لکن بعد مدّة یعلن الرّسول (صلى الله علیه وآله) عن تغییر هذا الحکم وینسخه، ویحلّ محلّه حکماً آخر (کما قرأنا فی حادثة تغییر القبلة).

إنّ هذا فی الحقیقة نوع من «البداء» ولکن فی القضایا التشریعیّة والقوانین والأحکام یسمّونه بـ«النسخ» وفی الاُمور التکوینیّة یسمّى بـ«البداء» ویقال أحیاناً: (النسخ فی الأحکام نوع من البداء، والبداء فی الاُمور التکوینیّة نوع من النسخ).

فهل یستطیع أحد أن ینکر هذا الأمر المنطقی؟ إلاّ إذا کان لا یفرّق بین العلّة التامّة والعلل الناقصة، أو کان واقعاً تحت تأثیر الدعایات المغرضة ضدّ شیعة أهل البیت (علیهم السلام)، ولا یجیز له تعصّبه الأعمى أن یطالع عقائد الشیعة من نفس کتبهم، والعجیب أنّ الرازی قد ذکر مسألة «البداء» عند الشیعة فی ذیل الآیة (یمحو الله ما یشاء ویثبت) بدون أن یلتفت إلى أنّ البداء لیس أکثر من المحو والإثبات، وهجم على الشیعة بعصبیته المعروفة وإستنکر علیهم قولهم بالبداء.

اسمحوا لنا هنا أن نذکر أمثلة مقبولة عند الجمیع:

نقرأ فی قصّة «یونس» أنّ عدم طاعة قومه أدّت إلى أن ینزل العذاب الإلهی علیهم، وقد ترکهم النّبی لعدم هدایتهم وإستحقاقهم العذاب، لکن فجأةً وقع البداء حیث رأى أحد علمائهم آثار العذاب، فجمعهم ودعاهم إلى التوبة، فقبل الجمیع ورفع العذاب (فلولا کانت قریة آمنت فنفعها إیمانها إلاّ قوم یونس لمّا آمنوا کشفنا عنهم عذاب الخزی فی الحیاة الدّنیا ومتّعناهم إلى حین) (1) .

وجاء فی التاریخ الإسلامی أنّ السیّد المسیح (علیه السلام) أخبر عن عروس أنّها سوف تموت فی لیلة زفافها، لکنّها بقیت سالمة! وعندما سألوه عن الحادثة قال: هل تصدّقتم فی هذا الیوم؟ قالوا: نعم. قال: الصدقة تدفع البلاء المبرم! (2)

لقد أخبر السیّد المسیح (علیه السلام) عن هذه الحادثة بسبب إرتباطه بلوح المحو والإثبات، فی الوقت الذی کانت هذه الحادثة مشروطة (مشروطة بأن لا یکون هناک مانع مثل الصدقة) وبما أنّها واجهت المانع أصبحت النتیجة شیئاً آخر.

ونقرأ فی قصّة إبراهیم (علیه السلام) ـ محطّم الأصنام ـ فی القرآن الکریم أنّه اُمر بذبح إسماعیل، وذهب بإبنه إلى المذبح وتلّه للجبین، فعندما أظهر إسماعیل استعداده للذبح ظهر البداء الإلهی وظهر أنّ هذا الأمر إمتحان لکی یرى الله تعالى مستوى الطاعة والتسلیم عند إبراهیم (علیه السلام).

ونقرأ فی سیرة موسى (علیه السلام) أنّه اُمر أن یترک قومه أوّلا ثلاثین یوماً ویذهب إلى مکان الوعد الإلهی لإستلام أحکام التوراة، لکن المدّة زادت علیها عشرة أیّام اُخرى (وذلک امتحاناً لبنی إسرائیل).

هنا یأتی هذا السؤال: ما هی الفائدة من هذه البداءات؟

الجواب على هذا السؤال لیس صعباً بالنظر إلى ما قلناه سابقاً، لأنّه تحدث مسائل مهمّة ـ أحیاناً ـ مثل إمتحان شخص مع قومه، أو تأثیر التوبة والرجوع إلى الله (کما فی قصّة یونس) أو تأثیر الصدقة ومساعدة المحتاجین وعمل الخیر، کلّ ذلک یؤدّی إلى دفع الحوادث المفجعة وأمثالها، وهذا یعنی أنّ الحوادث المستقبلیة قد نُظِّمَت بشکل خاص ثمّ تغیّرت الشرائط فأصبحت شیئاً آخر، حتى یعلم الناس أنّ مصیرهم بأیدیهم، وهم قادرون أن یغیّروا مصیرهم من خلال تغییر سیرتهم وسلوکهم، وهذه أکبر فائدة نلمسها من البداء «فتدبّر».

فما ورد من أنّ أحداً إذا لم یعرف الله بالبداء لم یعرفه معرفةً کاملة، فهی إشارة لتلک الحقائق.

عن الإمام الصادق (علیه السلام) قال: «ما بعث الله عزّوجلّ نبیّاً حتى یأخذ علیه ثلاث خصال: الإقرار بالعبودیة، وخلع الأنداد، وأنّ الله یقدّم ما یشاء ویؤخّر ما یشاء» (3) .

وفی الحقیقة إنّ أوّل عهد مرتبط بالطاعة والتسلیم لله. وثانی عهد محاربة الشرک، والثّالث مرتبط بمسألة البداء، ونتیجته أنّ مصیره بیده، فیستطیع أن یغیّر الشروط فیشمله اللطف أو العذاب الإلهی.

الملاحظة الأخیرة فی هذا المجال... یقول علماء الشیعة: إنّنا حینما ننسب البداء إلى الله جلّ وعلا فإنّه یکون بمعنى «الإبداء» أی إظهار الشیء الذی لم یکن ظاهراً لنا من قبل ولم یکن متوقّعاً.

وإنّ ما ینسب إلى الشیعة بأنّهم یعتقدون أنّ الله یندم على عمله أحیاناً، أو یخبر عن شیء لم یعلمه سابقاً، فهذه من أکبر التُّهم ولا یمکن الصفح عنها أبداً.

لذلک نقل عن الأئمّة (علیهم السلام) أنّهم قالوا: «من زعم أنّ الله عزّوجلّ یبدو له فی شیء لم یعلمه أمس فابرئوا منه» (4) .


1. یونس، 98.
2. بحارالانوار، ج 2، ص 131 ـ نقلاً عن أمالی الصدوق، ج 4، ص 94.
3. اُصول الکافی، ج 1، ص 147; وسفینة البحار، ج 1، ص 61.
4. سفینة البحار، ج 1، ص 61.
1ـ لوح المحو والإثبات واُمّ الکتاب سورة الرعد / الآیة 41 ـ 43
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma