ومرّة اُخرى نواجه هنا ما یقوله البعض من أنّ النّبی (صلى الله علیه وآله) لم تکن لدیه معجزة غیر القرآن الکریم، ویستندون فی ذلک إلى الآیة أعلاه وأمثالها، لأنّ ظاهر هذه الآیات أنّ النّبی لم یستجب إلى طلبهم فی إظهار المعاجز المختلفة من قبیل تسییر الجبال أو شقّ الأرض وإظهار العیون وإحیاء الموتى والتکلّم معهم.
ولکن ـ کما قلنا مراراً ـ الإعجاز یتمّ لإظهار الحقیقة فقط، ولاُولئک الذین یطلبون الحقّ، فلیس النّبی (صلى الله علیه وآله) رجل الخوارق حتى یُنفّذ لهم کلّ ما یطلبونه منه أو یقترحونه علیه ثمّ بعد ذلک لا یقبلون منه.
إنّ مثل هذا الطلب للمعاجز (المعاجز الإقتراحیة) کان یصدر ـ فقط ـ من الأفراد المعاندین والجاهلیین الذین لم یستجیبوا لأیّ حقّ، والآیات أعلاه تشیر إلى ذلک بوضوح، ففی الآیة الأخیرة تتحدّث عن إستهزائهم بالنّبی (صلى الله علیه وآله)، وهذا یعنی أنّهم لم یطلبوا المعجزة من أجل الحقّ، بل کان طلبهم إستهزاءً بالرّسول (صلى الله علیه وآله).
وبالإضافة إلى ما ذکرناه من أسباب النّزول فی بدایة التّفسیر لهذه الآیات، یمکن أن نستفید من خلال طلبهم من النّبی (صلى الله علیه وآله) إحیاء واحد من أجدادهم لکی یسألوه: هل أنّ ما تقوله حقّ أم باطل؟
فلو إستجاب لهم النّبی هذا الطلب فما معنى سؤالهم أنّ النّبی على حقّ أم باطل؟ وهذا یوضّح أنّ هؤلاء هم أفراد متعصّبون ومعاندون وهدفهم لیس البحث عن الحقیقة، (ولنا توضیح آخر لهذا الموضوع فی ذیل الآیة 90 من سورة الإسراء).
