تبحث هذه الآیات مرّةً ثانیة مسألة النبوّة، والآیات أعلاه تکشف عن قسم آخر من جدال المشرکین فی النبوّة وجواب القرآن علیهم فتقول الآیة: کما أنّنا أرسلنا رسلا إلى الأقوام السالفة لهدایتهم: (کذلک أرسلناک فی اُمّة قد خلت من قبلها اُمم) والهدف من ذلک (لتتلوا علیهم الّذی أوحینا إلیک). فی الوقت الذی (وهم یکفرون بالرّحمن) یکفرون بالله الذی عمّت رحمته کلّ مکان، وشمل فیضه المؤمن والکافر.
ثمّ قل لهم: إنّ الرحمن الذی عمّ فضله هو ربّی (قل هو ربّی لا إله إلاّ هو علیه توکّلت وإلیه متاب).
ثمّ یجیب اُولئک الذین یتشبثّون دائماً بالحجج الواهیة فیقول: لو أنّ الجبال تحرّکت من مکانها بواسطة القرآن: (ولو أنّ قرآناً سیّرت به الجبال أو قطّعت به الأرض أو کلّم به الموتى). فمع ذلک لا یؤمنون به.
ولکنّ کلّ هذه الأفعال بید الله ویفعل ما یرید متى یشاء (بل لله الأمر جمیع). ولکنّکم لا تطلبون الحقّ، وإذا کنتم تطلبونه فهذا المقدار من المعجزة التی صدرت من الرّسول (صلى الله علیه وآله)کاف لإیمانکم.
ثمّ یضیف القرآن الکریم (أفلم ییأس الّذین آمنوا أن لو یشاء الله لهدى النّاس جمیع) (1) وهذه إشارة إلى أنّ الله سبحانه وتعالى یستطیع أن یجبر الناس وحتى المعاندین على أن یؤمنوا، لأنّه القادر على کلّ شیء، ولکنّه لا یفعل ذلک أبداً، لأنّ هذا الإیمان الإجباری لا قیمة له وهو فاقد للمعنى والتکامل الذی یحتاجه الإنسان فی حیاته.
ثمّ تضیف الآیة (ولا یزال الّذین کفروا تصیبهم بما صنعوا قارعة) وهذه مصائب تنزل علیهم بشکل إبتلاءات مختلفة أو على شکل هجوم المسلمین علیهم. وهذه المصائب إن لم تنزل فی دارهم فهی (أو تحلّ قریباً من دارهم) لکی یعتبروا بها ویرجعوا إلى الله جلّ وعلا.
وهذا الإنذار مستمر (حتّى یأتی وعد الله).
وهذا الوعد الأخیر قد یشیر إلى الموت، أو إلى یوم القیامة، أو على قول البعض إلى فتح مکّة التی سحقت آخر معقل للعدو.
وعلى أیّة حال فالوعد الإلهی أکید: (إنّ الله لا یخلف المیعاد).
الآیة الأخیرة من هذه المجموعة تخاطب النّبی (صلى الله علیه وآله) فتقول له: لست الوحید من بین الأنبیاء تعرّض لطلب المعاجز الإقتراحیة والإستهزاء من الکفّار، بل (ولقد استهزیء برسل من قبلک). ولکن لم نعاقب هؤلاء الکفّار فوراً، بل (فأملیت للّذین کفرو) لکی یستیقظوا ویعودوا إلى طریق الحقّ، أو نلقی علیهم الحجّة الکافیة على الأقل، لأنّ هؤلاء إذا کانوا مذنبین فإنّ لطف الله وکرمه وحکمته لا تتأثّر بأفعال هؤلاء.
وعلى أیّة حال فهذا التأخیر لیس بمعنى نسیان العقاب، بل (ثمّ أخذتهم فکیف کان عقاب) وهذا المصیر ینتظر قومک المعاندین أیضاً.