الأبواب الثّمانیة للجنّة وصفات اُولی الألباب:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 6
سورة الرعد / الآیة 19 ـ 24 1ـ لماذا ذکر الصبر فقط؟

تتحدّث هذه الآیات عن سیرة اُولی الألباب وصفاتهم الحسنة، وفیها تکمیل للبحث السابق.

فی الآیة الاُولى من هذه المجموعة إستفهام إنکاری: (أفمن یعلم أنّما أنزل إلیک من ربّک الحقّ کمن هو أعمى).

وهذا وصف رائع، فهو لم یقل: أفمن یعلم أنّ هذا القرآن على الحقّ کمن لا یعلم؟ بل قال: کمن هو أعمى؟ وهذه إشارة لطیفة إلى أنّه من المحال أن لا یعلم أحد بهذه الحقیقة إلاّ أن یکون أعمى القلب، فکیف یمکن لإنسان یمتلک عیناً سلیمة ولا یرى نور الشمس، وهذا القرآن کالشمس. ولذلک یجیء فی نهایة الآیة قوله تعالى: (إنّما یتذکّر اُولوا الألباب).

«الألباب» جمع لبّ بمعنى جوهر الشیء، ویقابل اُولی الألباب اُولوا الجهل والعمى.

إنّ هذه الآیة ـ وکما یذهب إلیه بعض المفسّرین ـ تحثّ الناس على طلب العلم ومحاربة الجهل، لأنّها تعدّ الفرد الفاقد للعلم کمن هو أعمى، ثمّ بیّن سیرة اُولی الألباب من خلال ذکر صفاتهم الحمیدة، والصفة الاُولى ما أشار القرآن إلیه وفاؤهم بالعهد وعدم نقضهم له (والّذین یوفون بعهد الله ولا ینقضون المیثاق).

إنّ «عهد الله» له معنى واسع، ویشمل العهود الفطریة التی عاهدوا بها ربّهم کالفطرة على التوحید وحبّ الحقّ والعدالة، والمواثیق العقلیّة التی یدرکها الإنسان من خلال التفکیر والتعقّل لعالم الوجود، والمبدأ والمعاد، وتشمل کذلک العهود الشرعیّة، وهی ما عاهدوا الرّسول (صلى الله علیه وآله) علیه من الطاعة للأوامر الإلهیّة وترک المعاصی والذنوب.

وتشمل هذه المجموعة کذلک الوفاء بالعهد بین الأفراد، لأنّ الله سبحانه وتعالى أوصى بها، بل تدخل ضمن الوفاء الشرعی والمیثاق العقلی.

الصفة الثّانیة من صفات اُولی الألباب هی (والّذین یصلون ما أمر الله به أن یوصل).

لا نجد صیغةً أوسع من هذه فی هذا المجال، فالإنسان له صلات وروابط کثیرة، صلته مع ربّه، ومع الأنبیاء والقادة، وروابطه مع الأصدقاء والجیران والأقرباء ومع کلّ الناس، والآیة تأمر أن تُحترم هذه الصلات، وتنهى عن أی عمل یؤدّی إلى قطع هذه الصلات والروابط.

والإنسان فی الحقیقة لیس منزویاً أو منفکّاً من عالم الوجود، بل تحکم کلّ وجوده الصلات والروابط، ومن جملة هذه الصلات:

صلته بالله سبحانه وتعالى، والتی إذا ما قطعها الإنسان تؤدّی إلى هلاکه کما فی إنطفاء نور المصباح فی حالة قطع التیار الکهربائی عنه، وعلى هذا فإنّ هذه الصلة التکوینیّة بین الإنسان وربّه یجب أن تتبعها صلة بأوامره وأحکامه من حیث الطاعة والعبودیة.

صلته بالأنبیاء والأئمّة (علیهم السلام) على أساس أنّهم قادة للبشریة وقطعها یؤدّی بالإنسان إلى الضلال والإنحراف.

صلته بالمجتمع کافّة وخصوصاً بذوی الحقوق علیه أمثال الأب والاُمّ والأقرباء.

صلته بنفسه، من حیث أنّه مأمور بحفظها وإصلاحها وتکاملها.

إنّ إقامة أی صلة من هذه الصلات، هی فی الواقع مصداق للآیة (یصلون ما أمر الله به أن یوصل) وقطعها قطع لما أمر الله به أن یوصل، لأنّ الله سبحانه وتعالى أمر بأن توصل ولا تقطع.

وبالإضافة إلى ما قلناه، فهناک أحادیث واردة بخصوص هذه الآیة یتّضح منها أنّ المراد القرابة مرّة، ومرّة الإمامة أو آل الرّسول (صلى الله علیه وآله)، ومرّة اُخرى کلّ المؤمنین! فقد جاء عن الإمام الصادق (علیه السلام) فی تفسیر الآیة قال: «قرابتک» وعنه أیضاً (علیه السلام) قال: «نزلت فی رحم آل محمّد وقد یکون فی قرابتک» ومن الطریف أنّه (علیه السلام) یقول فی نهایة الحدیث: «فلا تکونن ممّن یقول للشیء أنّه فی شیء واحد» (1) وهذه الجملة إشارة واضحة إلى المعانی الواسعة للقرآن الکریم.

وعن الإمام الصادق (علیه السلام) فی حدیث ثالث یقول: «هو صلة الإمام فی کلّ سنة (أی بالمال) بما قلّ أو أکثر، ثمّ قال: وما اُرید بذلک إلاّ تزکیتکم» (2) .

الصفة الثّالثة والرّابعة من سیرة اُولی الألباب هی قوله تعالى: (ویخشون ربّهم ویخافون سوء الحساب).

لمعرفة الفرق بین «الخشیة» و«الخوف» المتقاربان فی المعنى یقول البعض: «الخشیة» هی حالة الخوف مع إحترام الطرف المقابل ومع العلم والیقین، ولذلک عدّها القرآن الکریم من خصوصیات العلماء حیث یقول: (إنّما یخشى الله من عباده العلماء). (3)

ولکن بالنظر إلى استخدام القرآن الکریم لکلمة الخشیة مرّات کثیرة یتّضح لنا أنّها تأتی بمعنى الخوف وتستعمل معها بشکل مترادف.

السؤال: إذا کان الخوف من الخالق هو نفس الخوف من حسابه، فما هو الفرق بین (یخشون ربّهم) و(یخافون سوء الحساب

الجواب: إنّ الخوف من الله سبحانه وتعالى لیس ملزماً دائماً أن یکون خوفاً من حسابه وعقابه، بل إنّ العظمة الإلهیّة والإحساس بالعبودیّة له توجد حالة من الخوف فی قلوب المؤمنین (بغضّ النظر عن الجزاء والعقاب)، والآیة 28 من سورة فاطر قد تشیر إلى هذا المعنى.

سؤال: وهناک سؤال آخر یتعلّق بسوء الحساب، وهو: هل من الصحیح أنّ هناک ظلم فی محاسبة الأفراد؟

والجواب: قد تقدّم الجواب على هذا السؤال قبل عدّة آیات من هذه الآیة وقلنا أنّ المراد هو التدقیق الشدید فی الحساب من دون عفو أو تسامح وذکرنا أیضاً حدیثاً فی هذا الصدد.

الصّفة الخامسة من صفات اُولی الألباب الإستقامة فی مقابل جمیع المشاکل التی یواجهها الإنسان فی مسیرة الطاعة وترک المعصیة، وجهاد الأعداء ومحاربة الظلم والفساد (4) ، والصبر فی مرضاة الخالق، ولذلک یقول تعالى: (والذین صبروا إبتغاء وجه ربّهم)لقد أشرنا مراراً إلى مفهوم الإستقامة التی هی المعنى الواسع للصبر.

أمّا معنى العبارة (وجه ربّهم) فقد تشیر إلى أحد معنیین:

أوّلا: کلمة الوجه فی هذه الموارد تعنی العظمة، کما نقول للرأی الصائب والمهمّ «هذا وجه الرأی» باعتبار أنّ الوجه یمثّل الشکل الظاهر والمهمّ للشیء، کما فی وجه الإنسان الذی یعتبر أهمّ جزء من جسده، وفیه یقع السمع والبصر والنطق.

ثانیاً: الوجه هنا بمعنى رضا الخالق، فهم یصبرون على المحن والمشاکل لجلب مرضاة الله، فإستعمال الوجه بهذا المعنى بسبب أنّ الإنسان عندما یرید أن یجلب رضا شخص یمعن النظر فی وجهه (وعلى ذلک فهو یستعمل للکنایة عن الشیء). وعلى أیّة حال فإنّ هذه الجملة تبیّن أنّ کلّ صبر وعمل خیر تکون له قیمة عندما یصبح لوجه الله، وأیّ عمل آخر یقع تحت تأثیر الریاء والغرور لا قیمة له مطلقاً.

یقول بعض المفسّرین: إنّ الإنسان یصبر مرّةً لکی یقول عنه الناس: إنّ هذا کثیر الإستقامة، واُخرى لخشیته أن یقولوا عنه أنّه قلیل الصبر، أو یصبر حتى لا یشمت به الأعداء، أو یعلم أن لا فائدة من الجزع... کلّ هذه الاُمور والنیّات لا تدخل ضمن الکمال الإنسانی إلاّ إذا کانت خالصة لوجه الله، فهو یصبر ویستقیم لأنّه یعلم أنّ أیّ فاجعة أو مصیبة لها حکمة ودلیل، ولا یقول ما یسخط الربّ، فهذا الصبر هو المعنی بقوله تعالى: (إبتغاء وجه الله).

الصفة السّادسة من صفاتهم هی (وأقاموا الصلاة). رغم أنّ إقامة الصلاة هی مصداق للوفاء بعهد الله وکذلک المصداق البارز لحفظ ما أمر الله به أن یوصل، ومصداق للصبر والإستقامة، ولکن هناک بعض مصادیق تلک المفاهیم الکلّیة أکثر أهمیّة فی مصیر الإنسان، فهذه الجملة والجمل التی ما بعدها تشیر إلى ذلک.

أی شیء أهمّ من هذا؟! إنّ الإنسان یجدّد عهده وصلته بالله سبحانه وتعالى صباحاً ومساءاً، ویتفکّر بعظمة الخالق ویدعوه، ویُطهّر نفسه من الذنوب، ویرتبط بالحقّ المطلق، نعم... فإنّ الصلاة لها کلّ هذه الآثار والبرکات.

ثمّ یبیّن الصفة السّابعة لدعاة الحقّ حیث یقول تعالى: (وأنفقوا ممّا رزقناهم سرّاً وعلانیة).

وهذه الآیة لیست الوحیدة التی تشیر إلى مسألة الإنفاق أو الزکاة بعد ذکر الصلاة، فکثیر من الآیات تشیر إلى هذا الترادف، فواحدة تُحکم الصلة بین العبد وربّه والثّانیة بین العباد.

والجملة (ممّا رزقناهم) تشمل کلّ العطایا من الأموال والعلوم والقوّة والجاه، والإنفاق کذلک یشمل جمیع هذه الأبعاد. والعبارة (سرّاً وعلانیة) إشارة اُخرى إلى هذه الحقیقة وهی أنّ إنفاقهم یتمّ بشکل مدروس، فتارةً یکون سرّاً ویترتّب علیه أثر کبیر، وذلک فی الحالات التی توجب أن یحفظ فیها ماء الوجه للطرف الآخر أو تصون الطرف المنفق من الریاء، ومرّةً یکون الإنفاق العلنی أکثر تأثیراً وذلک فی الحالات التی تدعو الآخرین لکی یتأسّوا بهذا العمل الخیّر ویقتدوا به، فیکون سبباً لکثیر من أعمال الخیر.

ومن هنا یتّضح أنّ القرآن الکریم یدّقق فی أعمال الخیر بشکل کبیر، لیس فقط فی أصل العمل، بل حتى فی کیفیّة تنفیذه.

الصفة الثّامنة والأخیرة هی قوله تعالى: (ویدرئون بالحسنة السیّئة).

ومعنى هذه العبارة أنّهم لم یکتفوا بالتوبة والاستغفار فقط عند إرتکابهم الذنوب، بل یدفعونها کذلک بالحسنات على مقدار تلک الذنوب، حتى یطهّروا أنفسهم والمجتمع بماء الحسنات.

«یدرئون» مضارع «درأ» على وزن «زرع» بمعنى دفع.

ویحتمل فی تفسیر الآیة أنّهم لا یقابلون السیء بالسیء، بل یسعون من خلال إحسانهم للمسیئین أن یجعلوهم یعیدون النظر فی مواقفهم، کما نقرأ فی الآیة 34 من سورة فصلت قوله تعالى: (ادفع بالّتی هی أحسن فإذا الّذی بینک وبینه عداوة کأنّه ولىّ حمیم).

وفی نفس الوقت لیس هناک مانع من أنّ الآیة تشیر إلى هذین المعنیین، کما أشارت إلیها الأحادیث الإسلامیة، ففی الحدیث عن الرّسول (صلى الله علیه وآله) قال لمعاذ بن جبل: «إذا عملت سیّئة فاعمل بجنبها حسنة تمحها» (5) .

وعن الإمام علی (علیه السلام) قال «عاتب أخاک بالإحسان إلیه واردُد شرّه بالإنعام علیه» (6) .

ولابدّ هنا من الإلتفات إلى هذه النقطة، وهی أنّ هذه الأحکام أخلاقیة تخصّ الحالات التی یحصل فیها تأثیر على الآخرین، وهناک قوانین وأحکام جزائیة واردة فی التشریع الإسلامی لمعاقبة المسیئین.

وبعد ما ذکر القرآن الکریم الصفات الثمانیة لاُولی الألباب، أشار فی نهایة الآیة إلى عاقبة أمرهم حیث یقول تعالى: (اُولئک لهم عقبى الدار) (7) .

الآیة الاُخرى توضّح هذه العاقبة (جنّات عدن یدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرّیاتهم).

والشیء الذی یکمل هذه النعم الکبیرة واللامتناهیة (والملائکة یدخلون علیهم من کلّ باب * سلام علیکم بما صبرتم فنعم عقبى الدّار) فهذه السلامة جاءت بعد ما صبرتم على الشدائد وتحمّلتم المسؤولیات الجسام والمصائب، ولکم هنا کامل الطمأنینة والأمان، فلا حرب ولا نزاع، وکلّ شیء یبتسم لکم، والراحة الخالیة من المتاعب ـ هنا ـ معدّة لکم.


1. تفسیر نورالثقلین، ج 2، ص 494، ح 84.
2. المصدر السابق، ص 495، ح 90.
3. فاطر، 28.
4. لیس الصبر على الطاعة والمعصیة والمصیبة فقط بل الصبر على النعم کذلک حتى لا یصیب الإنسان الغرور.
5. تفسیر مجمع البیان، ج 6، ص 289، ذیل الآیة مورد البحث.
6. نهج البلاغة، الکلمات القصار، الکلمة 158.
7. «العقبى» بمعنى العاقبة أو نهایة العمل خیراً کان أو شرّاً، ولکن بالنظر إلى قرینة الحال فی الآیة أعلاه تشیر إلى العاقبة الحسنة.
سورة الرعد / الآیة 19 ـ 24 1ـ لماذا ذکر الصبر فقط؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma