نحن نقرأ فی آیات مختلفة من القرآن الکریم أنّ کلّ شیء له حدّ محدود ولا یتجاوزه، ففی الآیة 3 من سورة الطلاق یقول تعالى: (قد جعل الله لکلّ شیء قدر) وفی الآیة 21 سورة الحجر یقول تعالى: (وإن من شیء إلاّ عندنا خزائنه وما ننزّله إلاّ بقدر معلوم) والآیة التی نحن بصددها (وکلّ شیء عنده بمقدار).
کلّ هذه تشیر إلى أنّه لیس هناک شیء فی العالم بدون حساب، حتى الموجودات فی الطبیعة التی نعتبرها فی بعض الأحیان غیر مهمّة، فإنّ وجودها على أساس حساب دقیق، علمنا بذلک أم لم نعلم، وأساساً فإنّ معنى حکمة الله هو أن یجعل لکلّ ما فی الکون حدّاً ومقداراً ونظاماً.
وکلّ ما حصلناه الیوم من أسرار الکون بواسطة العلوم یؤکّد هذه الحقیقة، فمثلا نرى أنّ دم الإنسان ـ الذی هو المادّة الحیاتیة لوجود الإنسان والذی یقوم بنقل المواد الضروریّة اللازمة لخلایا الجسم ـ یترکّب من عشرین مادّة أو أکثر، وبنسب ثابتة دقیقة بحیث لو تمّ أی تغییر فیها لتعرّضت سلامة الإنسان للخطر، ولهذا السبب ولمعرفة النقص الحاصل فی الجسم یقومون بتحلیل الدم وقیاس نسبة السکر والدهن وسائر مرکّبات الدم الاُخرى، ویتمّ تشخیص العلّة بواسطة معرفة زیادة أو نقصان هذه النسب، ولیس دم الإنسان وحده له هذه المیزة، بل کلّ ما فی الوجود له نفس هذه الدقّة فی النظام.
ولابدّ هنا من التنبیه على أنّ ما یظهر لنا فی بعض الأحیان من عدم النظام فی عالم الوجود هو فی الواقع ناتج من قصور فی علومنا ومعرفتنا، فالإنسان الذی یؤمن بالله لا یمکن أن یتصوّر ذلک، وبتطوّر العلوم تتأکّد لنا هذه الحقیقة.
وکی نستطیع أن نتعلّم هذا الدرس وهو أنّ المجتمع الإنسانی الذی هو جزء من عالم الوجود إذا أراد له العیش بسلام، فعلیه أن یجعل شعار (کلّ شیء عنده بمقدار) یسود جمیع جوانبه، ویجتنب الإفراط والتفریط فی أعماله وتخضع جمیع مؤسساته الاجتماعیة للحساب والموازین.