نقرأ فی هذه الآیات قسماً من صفات الخالق، والتی تکمل بحث التوحید والمعاد، فالحدیث عن علمه الواسع ومعرفته بکلّ شیء، هو ذاک العلم الذی یقوم علیه نظام التکوین وعجائب الخلقة وآیات التوحید، وهو العلم الذی یکون أساساً للمعاد والعدالة الإلهیّة یوم القیامة وهذه الآیات استندت إلى هذین القسمین: (العلم بنظام التکوین، والعلم بأعمال العباد).
تقول الآیة أوّلا: (الله یعلم ما تحمل کلّ اُنثى) فی رحمها، سواء من اُنثى الإنسان أو الحیوان (وما تغیض الأرحام) أی تنقص قبل موعدها المقرّر (وما تزداد) (1) أی یعلم بما تزید عن موعدها المقرّر.
وفی تفسیر هذه الجمل الثلاث هناک آراء مختلفة بین المفسّرین:
یعتقد البعض أنّها تشیر ـ کما ذکرنا آنفاً ـ إلى وقت الولادة، وهی على ثلاثة أنواع: فمرّة یولد المولود قبل موعده، ومرّة فی موعده، واُخرى بعد الموعد المقرّر. فالله یعلم کلّ ذلک ویعلم لحظة الولادة بالتحدید، وهذه من الاُمور التی لا یستطیع أی أحد أو جهاز أن یحدّد موعده، وهذا العلم خاص بذات الله المنزّهة، وسببه واضح لأنّ إستعدادات الأرحام والأجنّة مختلفة، ولا أحد یعلم بهذا التفاوت.
وقال بعض آخر: إنّها تشیر إلى ثلاث حالات مختلفة للرحم أیّام الحمل، فالجملة الاُولى تشیر إلى نفس الجنین الذی تحفظه، والجملة الثانیة تشیر إلى دم الحیض الذی یُنصب فی الرحم ویمصّه الجنین، والجملة الثالثة إشارة إلى الدم الإضافی الذی یخرج أثناء الحمل أحیاناً، أو دم النفاس أثناء الولادة (2) .
وهناک عدّة احتمالات اُخرى فی تفسیر هذه الآیة دون أن تکون متناقضة فیما بینها، ویمکن أن یکون مراد الآیة إشارةً إلى مجموع هذه التفاسیر، ولکن الظاهر أنّ التّفسیر الأوّل أقرب، بدلیل جملة (تحمل) المقصود منها الجنین، والجملتان (تغیض) و(تزداد) بقرینة الجملة السابقة تشیر إلى الزیادة والنقصان فی فترات الحمل.
روى الشیخ الکلینی فی الکافی عن الإمام الصادق (علیه السلام) أو الإمام الباقر (علیه السلام) فی تفسیر الآیة أنّ «الغیض کلّ حمل دون تسعة أشهر، وما تزداد کلّ شیء حمل على تسعة أشهر». وفی تکملة الحدیث یقول: «کلّما رأت المرأة الدم الخالص فی حملها فإنّها تزداد وبعدد الأیّام التی زاد فیها فی حملها من الدم» (3) .
(وکلّ شیء عنده بمقدار) ولکی لا یتصوّر أحد أنّ هذه الزیادة والنقصان بدون حساب ودلیل، بل إنّ کلّ ساعة وثانیة ولحظة لا تمرّ دون حساب، کما أنّ للجنین ودم الرحم حساب وکتاب أیضاً، فالآیة التی بعدها تؤکّد ما قلناه فی الآیة السابقة حیث تقول: (عالم الغیب والشهادة) فعلمه بالغیب والشهادة لهذا السبب (الکبیر المتعال) فهو یحیط بکلّ شیء، ولا یخفى عنه شیء.
ولتکمیل هذا البحث وتأکید علمه المطلق یضیف القرآن الکریم: (سواء منکم من أسرّ القول ومن جهر به ومن هو مستخف باللیل وسارب بالنهار) (4) وهذا هو الحقّ فالذی یوجد فی کلّ مکان لا معنى للغیب والشهادة أو اللیل والنهار عنده، فهو محیط بها وعالم بأخبارها بشکل متساو.