أصدق الدروس والعبر:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 6
سورة یوسف / الآیة 108 ـ 111 محتوى السّورة:

فی الآیة الاُولى من هذه المجموعة یتلقّى النّبی (صلى الله علیه وآله) الأوامر لتحدید الطریق والمنهج الذی یتّبعه، فیقول القرآن الکریم: (قل هذه سبیلی أدعوا إلى الله) ثمّ یضیف: (على بصیرة أنا ومن اتّبعنی).

وهذه الجملة توضّح أنّ کلّ فرد مسلم مقتد بالرّسول (صلى الله علیه وآله) له نفس الدور فی الدعوة إلى الحقّ، ولابدّ من دعوة الآخرین إلى الله، من خلال، الأقوال والأفعال وکذلک تؤکّد هذه الجملة على أنّ القائد یجب أن تکون له بصیرة ومعرفة کافیة، وإلاّ فإنّ دعوته لیست إلى الحقّ، وللتأکید على ذلک یضیف القرآن الکریم: (وسبحان الله وما أنا من المشرکین).

فهو یؤکّد على نزاهة الخالق الذی یدعو إلیه وکماله المطلق الخالی من النقصان وأنّه لا یتّخذ معه شریکاً.

هذه فی الواقع من خصائص القائد الصادق، أن یعلن بصراحة عن أهدافه وخُططه، وأن یسیر هو والتابعین له على منهج واضح وسلیم، لا أن تسودهم هالة من الإبهام فی الهدف والطریقة، أو أن یسیر کلّ واحد منهم فی جهة معیّنة.

فواحدة من الطرق التی نتعرّف بها على القیادات الصادقة من الکاذبة هو أنّ القیادة الصادقة تتمیّز بصراحة القول ووضوح الطریق أمّا الاُخرى فهی لکی تحاول التغطیة على سلوکها تلتجىء إلى الحدیث المبهم والمتعدّد الجوانب.

إنّ وقوع هذه الآیة بعد الآیات المتعلّقة بیوسف تشیر إلى أنّ طریقة ومنهج النّبی لا یختلفان عن طریقة ومنهج یوسف النّبی، فهو کان یدعو إلى «الله الواحد القهّار» حتى فی زوایا السجن، أمّا غیره فکان یدعو إلى أسماء انتقلت إلیه بسبب التقلید من جاهل إلى جاهل آخر، أمّا سیرة الأنبیاء والرسل کلّها واحدة.

وبما أنّ الأقوام الضالّة والجاهلة کانت دائماً تثیر هذا الإعتراض على الأنبیاء وهو أنّکم بَشر؟! ولماذا لا تُکلّف الملائکة لهذا الأمر؟ وبما أنّ الناس فی الجاهلیة کانوا یثیرون نفس الإعتراض بالنسبة إلى الرّسول (صلى الله علیه وآله) ودعوته العامّة، فإنّ القرآن الکریم یجیب مرّة ثانیة على هذا الإعتراض فیقول: (وما أرسلنا من قبلک إلاّ رجالا نوحی إلیهم من أهل القرى).

هؤلاء الرّسل هم کباقی الناس یعیشون فی المدن والقرى، ویتجوّلون بین الناس ویشعرون بآلامهم وإحتیاجاتهم ومشاکلهم.

فالوصف هنا ب(من أهل القرى) بالإضافة إلى ما تشمله القریة فی اللغة من معنى المدینة أو الریف فی مقابل «البدو» التی تطلق على أهل الصحراء، فإنّها قد تشیر إلى أنّ أنبیاء الله لم ینهضوا من بین سکنة الصحراء ـ کما صرّح بذلک بعض المفسّرین ـ لأنّ سکّان البادیة یتّصفون بالجهل وعدم المعرفة وقلوبهم قاسیة ویمتازون بقلّة معلوماتهم عن الحیاة ومتطلّباتها.

صحیح أنّ أکثر سکّان أرض الحجاز کانوا من البدو، ولکن الرّسول من أهل مکّة التی تعتبر مدینة کبیرة نسبیّاً، وصحیح أیضاً أنّ مدینة کنعان لو قِیست بأرض مصر التی کان یوسف یحکم فیها لکانت صغیرة وغیر مهمّة ولذلک کان یعبّر عنها بالبدو، ولکن نحن نعلم أنّ یعقوب وأبناءه لم یکونوا من أهل البادیة أبداً، فهم کانوا یعیشون فی هذه المدینة الصغیرة کنعان.

ثمّ یبیّن القرآن الکریم: إذا ما أراد هؤلاء أن یعلموا عاقبة مخالفتهم لدعوتک التی هی الدعوة إلى الله فإنّ علیهم أن یسیروا لیروا آثار السابقین: (أفلم یسیروا فی الأرض فینظروا کیف کان عاقبة الذین من قبلهم).

إنّ السیر والتجوال فی الأرض لمشاهدة آثار الماضین وخراب دورهم ومدنهم بسبب العذاب الإلهی، أفضل درس لهم، درس حی وملموس للجمیع، (ولدار الآخرة خیرٌ للذین اتّقوا أفلا تعقلون).

لماذا؟ لأنّ الدنیا دار ملیئة بالمصائب والآلام وغیر باقیة، أمّا الآخرة فدار خالدة وخالیة من الآلام والعذاب.

(حتى إذا استیئس الرّسل وظنّوا أنّهم قد کذبوا جاءهم نصرنا فنجّی من نشاء). (1)

تشیر هذه الآیة إلى أدقّ وأصعب لحظة فی حیاة الأنبیاء فتقول: إنّ الأنبیاء یواجهون دائماً مقاومة عنیفة من قبل أقوامهم وطواغیت زمانهم حتى یصل الحال بالأنبیاء إلى الیأس إلى حدّ یظنّون أنّ أتباعهم المؤمنین القلیلین قد کذبوا علیهم وترکوهم وحدهم فی مسیرتهم فی الدعوة إلى الحقّ، وفی هذه الأثناء حیث إنقطع أملهم فی کلّ شیء أتاهم نصرنا، وفی نهایتها تشیر إلى عاقبة المجرمین (ولا یرد بأسنا عن القوم المجرمین).

فهذه سنّة الله فی الذین أصرّوا على أعمالهم وأغلقوا باب الهدایة على أنفسهم، فهم وبعد إتمام الحجّة علیهم ینالهم العذاب الإلهی فلا تستطیع أی قوّة أن تردّه.

فی تفسیر هذه الجملة من الآیة: (ظنّوا أنّهم قد کذبو) ومن المقصود بها، هناک عدّة آراء للمفسرین:

إنّ کثیراً من علماء التّفسیر یرون ما قلناه سابقاً، وخلاصته: إنّ عمل الأنبیاء یصل إلى درجة یعتقدون فیها أنّ کلّ الناس سوف یکذبوهم، حتى تلک المجموعة التی تظهر إیمانها ولکنّها غیر راسخة فی عقیدتها.

ویحتمل فی تفسیر الآیة أنّ فاعل «ظنّوا» هم المؤمنون، وإنّ المشاکل والإضطرابات تصل إلى حدٍّ بأن یسوء ظنّهم بما وعدهم الأنبیاء من النصر ویخیل إلیهم أنّه خلاف الواقع؟ ولیس بعیداً سوء الظنّ هذا من الأفراد الذین آمنوا حدیثاً.

وبعض آخر أعطى تفسیراً ثالثاً للآیة، وخلاصته: إنّ الأنبیاء ـ بدون  شکّ ـ کانوا بشراً، فحین یُزلزلوا زلزالا شدیداً وتبدوا جمیع الأبواب أمامهم موصدة ظاهراً، ولا یُرى فی الاُفق فرج، والحوادث المتتالیة تعصف بهم، وصرخات المؤمنین الذین نفذ صبرهم تصل إلى أسماعهم، نعم فی هذه الحالة وبمقتضى الطبع البشری قد یتبادر إلى أذهانهم أنّ الوعد بالنصر بعید عن الصحّة! أو أنّ النصر الموعود له شروطه التی لم تتحقّق بعد، ولکن سرعان ما یتغلّبون على هذه الأفکار ویبعدونها عن أذهانهم ویشع فی قلوبهم بصیص الأمل، ومن ثمّ تتّضح لهم بشائر النصر.

وشاهدهم على هذا التّفسیر الآیة 214 من سورة البقرة: (... حتّى یقول الرّسول والّذین آمنوا معه متى نصر الله...).

ولکن مجموعة اُخرى من المفسّرین أمثال العلاّمة «الطبرسی» فی مجمع البیان و«الرازی» فی تفسیره الکبیر، بعد ما ذکروا هذا الاحتمال قالوا ببطلانه لأنّه حتى هذا المقدار من التوهّم لیس من مقام الأنبیاء، وعلى أیّة حال فالأصحّ هو التّفسیر الأوّل.

وآخر آیة من هذه السورة ذات محتوىً شامل وجامع لکلّ الأبحاث التی ذکرناها فی هذه السورة، وهی: (لقد کان فی قصصهم عبرةً لاُولی الألباب).

فهی مرآة یستطیعون من خلالها أن یروا عوامل النصر والهزیمة، الهناء والحرمان، السعادة والشقاء، العزّ والذلّة، والخلاصة کلّ ما له قیمة فی حیاة الإنسان وما لیس له قیمة. وهی مرآة لکلّ تجارب المجتمعات السابقة والرجال العظام، ومرآة نشاهد فیها ذلک العمر القصیر للإنسان کیف یطول بمقدار عمر کلّ البشر. ولکن اُولی الألباب وذوی البصائر فقط باستطاعتهم أن یشاهدوا العبر فی صفحة المرآة العجیبة هذه: (ما کان حدیثاً یُفترى ولکن تصدیق الّذی بین یدیه).

فهذه الآیات التی أنزلناها علیک والتی أزاحت الستار عن التاریخ الصحیح للاُمم السابقة لیست من العلم البشری الذی یمکن معرفته عن العلماء، بل إنّ الکتب السّماویة السابقة تشهد على ذلک وتصدّقه وتؤیّده وبالإضافة إلى ذلک ففی هذه الآیات کلّ ما یحتاجه الإنسان فی تأمین سعادته وتکامله: (وتفصیل کلّ شیء).

ولهذا السبب فهی (هدىً ورحمة لقوم یؤمنون) فالظاهر من الآیة أعلاه أنّها تُرید أن تشیر إلى هذه النقطة المهمّة وهی: إنّ القصص المصنوعة ذات الإثارة کثیرة فی أوساط الاُمم وهی من الأساطیر الخیالیة، ولکن لا یتوهّم أحد بأنّ سیرة یوسف أو سیر بقیّة الأنبیاء التی ذکرها القرآن الکریم من ذلک القبیل.

المهمّ أنّ هذه القصص المثیرة وذات العِبَر هی عین الواقع ولا تحتوی على أدنى إنحراف عن الواقع الموضوعی، ولهذا السبب یکون تأثیرها کبیراً جدّاً، لأنّنا نعلم أنّ الأساطیر مهما تکن شیّقة ومثیرة فإنّ تأثیرها قلیل إذا ما قُورنت مع سیرة واقعیّة لأنّ:

عندما یصل القاریء أو المستمع للقصّة إلى أقصى لحظات الإثارة یتبادر إلى ذهنه فجأة أنّ هذا وهم وخیال لیس أکثر!

إنّ هذه القصص فی الواقع هی من هندسة الإنسان، فهو یحاول أن یُجسّم أفکاره فی سلوک بطل القصّة، ولذلک فهی لیست أکثر من فکر الإنسان، وهذه القصّة بالمقارنة مع السیر الواقعیّة بینهما فرق شاسع ولا تستطیع القصّة البشریة أن تکون أکثر من موعظة لصاحب المقالة، ولکن التاریخ الواقعی للبشر لیس کذلک، فهو أکثر ثمراً ونفعاً وأکثر برکة.

اللهمّ! امنحنا البصر فی أعیننا والسمع فی آذاننا والعلم فی قلوبنا، حتى نستطیع أن نحصل من سیرة السابقین على طرقاً للنجاة من المشاکل التی نغوص الآن فیها.

ربّنا! ألهمنا بصراً حادّاً حتى نرى عاقبة الذین اختلفوا وتشتّتوا فیما بینهم فکان عاقبتهم الهزیمة والخسران، وحتى لا نسیر فی نفس الطریق الذی سلکوه.

اللهمّ! ارزقنا تلک النیّة الخالصة لکی نتغلّب بها على نفوسنا، وتلک المعرفة حتى لا یصیبنا الغرور بالنصر، وتلک السّماحة ونکران الذات بحیث إذا رأینا من هو أفضل منّا على إنجاز المسؤولیة ترکناها وتنازلنا عنها إلیه.

فإن منحتنا هذا فسوف نستطیع أن نتغلّب على جمیع المشاکل، وأن نحفظ نور الإسلام والقرآن فی هذه الدنیا.

آمین یا ربّ العالمین

نهایة سورة یوسف


1. ذکر «حتى» بشکل غائب لجملة محذوفة وتقدیرها: (إن الرسل أقاموا على دعوتهم والکافرین بهم على مخالفتهم حتى اذا استیئس الرسل...).
سورة یوسف / الآیة 108 ـ 111 محتوى السّورة:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma