وأخیراً شملتهم رعایة الله ولطفه:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 6
سورة یوسف / الآیة 94 ـ 98 1ـ کیف أحسّ یعقوب برائحة قمیص یوسف؟!

أمّا أولاد یعقوب فإنّهم بعد أن واجهوا یوسف وجرى لهم ما جرى حملوا معهم قمیص یوسف فرحین ومستبشرین وتوجّهوا مع القوافل القادمة من مصر، وفیما کان الإخوة یقضون أسعد لحظات حیاتهم، کان هناک بیت فی بلاد الشام وأرض کنعان ألا وهو بیت یعقوب الطاعن فی السنّ حیث کان یقضی هو وعائلته أحرج اللحظات وأشدّها حزناً وبؤساً.

لکن ـ مقارناً مع حرکة القافلة من مصر ـ حدث فی بیت یعقوب حادث غریب بحیث أذهل الجمیع وصار مثاراً للعجب والحیرة، حیث نشط یعقوب وتحرّک من مکانه وتحدّث کالمطمئن والواثق بکلامه قال: لو لم تتحدّثوا عنّی بسوء ولم تنسبوا کلامی إلى السفاهة والجهل والکذب لقلت لکم: (إنّی لأجد ریح یوسف) فإنّی أحسّ بأنّ أیّام المحنة والآلام سوف تنصرم فی القریب العاجل، وأنّه قد حان وقت النصر واللقاء مع الحبیب، وأرى أنّ آل یعقوب قد نزعوا ثوب العزاء والمصیبة ولبسوا لباس الفرح والسرور لکن لا تصدّقون کلامی (ولمّا فصلت العیر قال أبوهم إنّی لأجد ریح یوسف لولا أن تفنّدون) (1) .

والمستفاد من قوله تعالى (فصلت) أنّه بمجرّد أن تحرّکت القافلة من مصر أحسّ یعقوب بالأمر وتغیّرت أحواله.

أمّا الذین کانوا مع یعقوب ـ وهم عادةً أحفاده وأزواج أولاده وغیرهم من الأهل والعشیرة ـ فقد إستولى علیهم العجب وخاطبوه بوقاحة مستنکرین: (قالوا تالله إنّک لفی ضلالک القدیم) ألیس هذا برهاناً واضحاً على ضلالک حیث مضت سنین طویلة على موت یوسف لکنّک لا زلت تزعم أنّه حی، وأخیراً تقول: إنّک تشمّ رائحته من مصر؟! أین مصر وأین الشام وکنعان؟! وهذا دلیل على بعدک عن عالم الواقع وإنغماسک فی الأوهام والخیالات لکنّک قد ضللت منذ مدّة طویلة، ألم تقل لأولادک قبل فترة اذهبوا إلى مصر وتحسّسوا عن أحوال یوسف!

یظهر من هذه الآیة الشریفة أنّ المقصود بـ(الضلال) لیس الانحراف فی العقیدة، بل الانحراف فی تشخیص حقیقة حال یوسف والقضایا المتعلّقة به، لکن یستفاد من هذه التعابیر أنّهم کانوا یتعاملون مع هذا النّبی الکبیر والشیخ المتیقّظ الضمیر بخشونة وقساوة بالغین بحیث کانوا یقولون له مرّة: (إنّ أبانا فی ضلال مبین) وهنا قالوا له: (إنّک لفی ضلالک القدیم) لکنّهم کانوا غافلین عن الحقیقة التی کان یتحلّى بها یعقوب وعن صفاء قلبه، ویتصوّرون أنّ قلب یعقوب کقلوبهم القاسیة المظلمة وأنّه لا یطّلع على حقائق الاُمور ماضیها ومستقبلها.

وتمضی اللیالی والأیّام ویعقوب فی حالة الإنتظار... الإنتظار القاسی الذی یستبطن السرور والفرح والهدوء والإطمئنان، إلاّ أنّ المحیطین به کانوا مشغولین عن هذه الاُمور لاعتقادهم بأنّ قضیّة یوسف مختومة وإلى الأبد.

وبعد عدّة أیّام من الإنتظار ـ والتی لا یعلم إلاّ الله کیف قضاها یعقوب ـ إرتفع صوت المنادی معلناً عن وصول قافلة کنعان من مصر، لکن فی هذه المرّة ـ وخلافاً للمرّات السابقة ـ دخل أولاد یعقوب إلى المدینة فرحین مستبشرین، وتوجّهوا مسرعین إلى بیت أبیهم، وقد سبقهم الـ(بشیر) الذی بشّر یعقوب بحیاة یوسف وألقى قمیص یوسف على وجهه.

أمّا یعقوب الذی أضعفت المصائب بصره ولم یکن قادراً على رؤیة القمیص فبمجرّد أن أحسّ بالرائحة المنبعثة من القمیص شعر فی تلک اللحظة الذهبیة بأنّ نوراً قد شعّ فی جمیع ذرّات وجوده وأنّ السّماء والأرض مسروران ونسیم الرحمة یدغدغ فؤاده ویزیل عنه الحزن والألم، شاهد الجدران وکأنّها تضحک معه، وأحسّ یعقوب بتغیّر حالته، وفجأةً رأى النّور فی عینیه وأحسّ بأنّهما قد فتحتا ومرّة اُخرى رأى جمال العالم، والقرآن الکریم یصف لنا هذه الحالة بقوله: (فلمّا أن جاء البشیر ألقاه على وجهه فارتدّ بصیر).

هذه الحالة التی حصلت لیعقوب أسالت دموع الفرح من عیون الإخوة والأهل، وعند ذاک خاطبهم بقوله: (قال ألم أقل لکم إنّی أعلم من الله ما لا تعلمون).

هذه المعجزة الغریبة، جعلت الأولاد یعودون إلى أنفسهم ویتساءلون عنها ویفکّرون فی ماضیهم الأسود الملیء بالأخطاء والذنوب، وما اعتورهم من الحسد وغیره من الصفات الرذیلة البعیدة عن الإنسانیة، لکن ما أجمل التوبة والعودة إلى طریق الصواب حینما ینکشف للإنسان خطأ المسیرة التی سار فیها... وما أحلى تلک اللحظات التی یحاول المذنب أن یطلب العفو ممّن جنى علیه، لیطهّر به نفسه ویبعدها عن جادّة الخطأ والانحراف، وهذا ما قام به الإخوة حیث وقعوا نادمین على ید أبیهم یقبّلونها ویطلبون منه العفو والاستغفار (قالوا یاأبانا استغفر لنا ذنوبنا إنّا کنّا خاطئین).

أمّا یعقوب هذا الرجل العظیم الذی کانت روحه أوسع من المحیطات، فقد أجابهم دون أن یلومهم على تلک الأفعال التی اقترفوها فی حقّه وحقّ أخیهم... أجابهم بقوله: (قال سوف استغفر لکم ربّی) وأملی معقود بأن یغفر الله سبحانه وتعالى ذنوبکم (إنّه هو الغفور الرحیم).


1. «تفنّدون» من مادّة «الفَند» على زنة «الرَمَد» ومعناها العجز الفکری والسفاهة، ومضى بعض اللغویین إلى أنّ معناها الکذب ومعناها فی الأصل الفساد. فبناءً على ذلک فإنّ جملة (لولا أن تفنّدون) معناها إذا لم تتّهمونی بالسفاهة وفساد العقل.
سورة یوسف / الآیة 94 ـ 98 1ـ کیف أحسّ یعقوب برائحة قمیص یوسف؟!
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma