یعقوب والألطاف الإلهیّة:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 6
سورة یوسف / الآیة 83 ـ 86 سورة یوسف / الآیة 87 ـ 93

وأخیراً غادروا مصر متّجهین إلى کنعان فی حین تخلّف أخواهم الکبیر والصغیر، ووصلوا إلى بیتهم منهوکی القوى وذهبوا لمقابلة أبیهم، وحینما رأى الأب الحزن والألم مستولیاً على وجوههم (خلافاً للسفرة السابقة والتی کانوا فیها فی غایة الفرح) علم أنّهم یحملون إلیه أخباراً محزنة وخاصّة حینما إفتقد بینهم بنیامین وأخاه الأکبر، وحینما أخبروه عن الواقعة بالتفصیل، إستولى علیه الغضب وقال مخاطباً إیّاهم بنفس العبارة التی خاطبهم بها حینما أرادوا أن یشرحوا له خدیعتهم مع یوسف (قال بل سوّلت لکم أنفسکم أمر) أی إنّ أهواءکم الشیطانیة هی التی إستولت علیکم وزیّنت لکم الأمر بهذه الصورة التی أنتم تصفونه.

السؤال الذی یطرح نفسه هنا، هو أنّ یعقوب هل إکتفى فی نسبة الکذب واتّباع الهوى لأولاده استناداً إلى ما فعلوه فی المرّة السابقة مع یوسف من سوء الفعل والحنث بالیمین والعهد، مع أنّ مثل هذا الظنّ والقول واتّهام الآخرین لمجرّد تجربة سابقة بعید عن سیرة عامّة الناس فضلا عن یعقوب الذی هو نبی معصوم، وعلى الخصوص إذا استند المدّعی فی دعواه على وثائق ومستندات تثبت دعواه، کما أنّ طریق الفحص والتحقیق عن واقع الحال کان مفتوحاً لیعقوب.

أو کان یعقوب یقصد بقوله: (بل سوّلت لکم... إلى آخر) الإشارة إلى اُمور اُخرى؟ منها:

لعلّه عتاب لأولاده لخضوعهم أمام الأمر الواقع وتسلیمهم لحکم العزیز بمجرّد عثور الصاع عند أخیهم، مع أنّ العثور بمفرده لا یعدّ دلیلا منطقیّاً على السرقة.

ولعلّه عتاب لأولاده لما بیّنوه للعزیز من أنّ عقوبة السارق عندهم هو إستعباده مع أنّ هذه السنّة السائرة فی أهل کنعان سنّة باطلة ولا تعدّ قانوناً سماویاً (هذا إن قلنا أنّ هذه السنّة لم تکن مأخوذة من شریعة یعقوب کما ذهب إلیه بعض المفسّرین).

وأخیراً لعلّه عتاب لأولاده على إستعجالهم فی الخضوع لأحکام العزیز وخلق المعاذیر والمبرّرات والرجوع مستعجلین إلى کنعان دون الإقتداء بأخیهم الکبیر فی البقاء بمصر برغم العهود والمواثیق المغلّظة التی قطعوها مع أبیهم (1) .

لکن بعد هذا العتاب الملیء بالحزن والأسى رجع یعقوب إلى قرارة نفسه وقال: (فصبر جمیل) (2) أی أنّنی سوف أمسک بزمام نفسی، ولا أسمح لها بأن تطغى علیّ بل أصبر صبراً جمیلا على أمل بأنّ الله سبحانه وتعالى سوف یعید لی أولادی (یوسف وبنیامین وأخوهم الأکبر) (عسى الله أن یأتینی بهم جمیع) فإنّه هو العالم بواقع الاُمور والخبیر بحوادث العالم ما مضى منها وما سوف یأتی، ولا یفعل إلاّ عن حکمة وتدبیر (إنّه هو العلیم الحکیم).

ثمّ بعد هذه المحاورات بین یعقوب وأولاده، إستولى علیه الحزن والألم، وحینما رأى مکان بنیامین خالیاً عادت ذکریات ولده العزیز یوسف إلى ذهنه، وتذکّر تلک الأیّام الجمیلة التی کان یحتضن فیها ولده الجمیل ذا الأخلاق الفاضلة والصفات الحسنة والذکاء العالی فیشمّ رائحته الطیّبة ویستعید نشاطه، أمّا الیوم فلم یبق منه أثر ولا عن حیاته خبر، کما أنّ خلیفته (بنیامین) أیضاً قد ابتلی مثل یوسف بحادث مؤلم وذهب إلى مصیر مجهول لا تعرف عاقبته.

حینما تذکّر یعقوب هذه الاُمور إبتعد عن أولاده واستعبر لیوسف (وتولّى عنهم وقال یاأسفی على یوسف) أمّا الاُخوة فإنّهم حینما سمعوا باسم یوسف، ظهر على جبینهم عرق الندامة وإزداد خجلهم واستولى علیهم الحزن لمصیر أخویهم بنیامین ویوسف، واشتدّ حزن یعقوب وبکاؤه على المصائب المتکرّرة وفقد أعزّ أولاده (وابیضّت عیناه من الحزن) لکن یعقوب کان ـ فی جمیع الأحوال ـ مسیطراً على حزنه ویخفّف من آلامه ویکظم غیظه ولا یتفوّه بما لا یرضى به الله سبحان وتعالى (فهو کظیم).

یفهم من هذه الآیات أنّ یعقوب لم یکن فاقداً لبصره، لکنّ المصائب الأخیرة وشدّة حزنه ودوام بکائه أفقده بصره، وکما أشرنا سابقاً فإنّ هذا الحزن والألم والعمى کان خارجاً عن قدرته واختیاره، فإذاً لا یتنافی مع الصبر الجمیل.

أمّا الإخوة فکانوا متألّمین من جمیع ما جرى لهم، فمن جهة کان عذاب الوجدان لا یترکهم ممّا أحدثوه لیوسف، وفی قضیّة بنیامین شاهدوا أنفسهم فی وضع صعب وامتحان جدید، ومن جهة ثالثة کان یصعب علیهم أن یشاهدوا أباهم یتجرّع غصص المرارة والألم ویواصل بکاءه اللیل بالنهار، فلذلک توجّهوا إلى أبیهم وخاطبوه معاتبین: (قالوا تالله تفتئوا تذکر یوسف حتّى تکون حرضاً أو تکون من الهالکین) (3) أی إنّک تردّد ذکر یوسف وتتأسّف علیه حتّى وتقع على فراش المرض وتشرف على الهلاک وتموت.

لکنّ شیخ کنعان هذا النّبی العظیم صاحب الضمیر الیقظ ردّ علیهم بقوله: (قال إنّما أشکوا بثّی وحزنی إلى الله) (4) لا إلیکم، أنتم الذین تخونون الوعد وتنکثون العهد لأنّنی (وأعلم من الله ما لا تعلمون) فهو اللطیف الکریم الذی لا أطلب سواه.


1. احتمل بعض المفسّرین أنّ هذه الآیة لعلّها إشارة إلى قصّة یوسف، لکنّه بعید عن الواقع، لأنّ الآیات السابقة لا تبحث عن قضیّة یوسف وفراقه عن أبویه.
2. فراجع حول «صبر جمیل» ذیل الآیة 18 من هذا السورة.
3. «حرض» على وزن مرض بمعنى الشیء الفاسد والمؤلم، والمقصود منه هنا هو المریض الذی ضعف جسمه وصار مشرفاً على الموت.
4. «بثّ» بمعنى التفرقة والشیء الذی لا یمکن اخفاؤه، والمقصود منه هنا هو الألم والحزن الظاهر الذی لا یخفى على أحد.
سورة یوسف / الآیة 83 ـ 86 سورة یوسف / الآیة 87 ـ 93
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma