1ـ بالنسبة للآیات السابقة فإنّ أوّل ما یتبادر إلى الذهن، هو أنّه کیف وافق یعقوب على سفر بنیامین مع اُخوته برغم ما أظهروه فی المرّة السابقة من سوء المعاملة مع یوسف، إضافة إلى هذا فإنّنا نعلم أنّهم کانوا یبطنون الحقد والحسد لبنیامین ـ وإن کان أخفّ من حقدهم وحسدهم على یوسف ـ حیث وردت فی الآیات الإفتتاحیة لهذه السورة قوله تعالى: (إذ قالوا لیوسف وأخوه أحبّ إلى أبینا منّا ونحن عصبة) أی إنّ یوسف وأخاه أحبّ إلى أبینا برغم ما نملکه نحن من قوّة وکثرة.

لکن تظهر الإجابة على هذا السؤال إذا لاحظنا أنّه قد مضى ثلاثون إلى أربعین سنة على حادثة یوسف، وقد صار اُخوة یوسف الشبّان کهولا، ومن الطبیعی أنّهم نضجوا أکثر من السابق، کما وقفوا على الآثار السلبیة والسیّئة لما فعلوه مع یوسف، سواء فی داخل اُسرتهم أم فی وجدانهم، حیث أثبتت لهم تجارب السنین السالفة أنّ فقد یوسف کان لا یزید حبّ أبیهم لهم، بل إزداد نفوره منهم وخلق لهم مشاکل جدیدة.

إضافةً إلى هذه الاُمور فإنّ یعقوب لم یواجه طلباً للخروج إلى التنزّه والصید، بل کان یواجه مشکلة مستعصیة مستفحلة، وهی إعداد الطعام لعائلة کبیرة وفی سنوات القحط والمجاعة.

فمجموع هذه الاُمور أجبرت یعقوب على الرضوخ لطلب أولاده والموافقة على سفر بنیامین ولکنّه أخذ منهم العهود والمواثیق على أن یرجعوه سالماً.

2ـ السؤال الآخر الذی نواجهه هنا هو أنّه هل الحلف وأخذ العهد والمواثیق منهم کان کافیاً لکی یوافق یعقوب على سفر بنیامین معهم؟

الجواب: أنّه من الطبیعی أنّ مجرّد الحلف والیمین لم یکن کافیاً لذلک، ولکن فی هذه المرّة کانت الشواهد والقرائن تدلّ على أنّ هناک حقیقة واضحة قد برزت إلى الوجود، وهی خالیة عن محاولات الخداع والتضلیل (کما هو الحال فی المرّة السابقة) ففی مثل هذه الصورة لا سبیل لتأکید هذه الحقیقة وجعلها أقرب إلى التنفیذ سوى العهد والیمین، مثل ما نشاهده فی هذه الأیّام من تحلیف الزعماء السیاسیین کرئیس الجمهوریة أو نوّاب البرلمان، حیث یحلفون بالوفاء للدستور والعمل على طبقه وذلک بعد أن انتخبهم الشعب من خلال إنتخابات حرّة ونزیهة.