بالنسبة للآیات السابقة فإنّ أوّل ما یتبادر إلى الذهن هو إنّه لماذا لم یعرّف یوسف نفسه لإخوته، حتى یقفوا على حقیقة حاله ویرجعوا إلى أبیهم ویخبرونه عن مصیر یوسف، وبذلک تنتهی آلامه لأجل فراق یوسف؟
ویمکن طرح هذا السؤال على شکل أوسع وبصورة اُخرى، وهو أنّه حینما التقى یوسف باخوته فی مصر کان قد مرّ ثمان سنوات على تحریره من السجن، حیث کان فی السنة الاُولى من سنوات القحط والجدب، التی أعقبت سبع سنوات من الوفرة والرخاء، وقام بخزن المنتوجات الزراعیة، وفی السنة الثامنة أو بعدها، جاء اُخوة یوسف إلى مصر لشراء الحبوب، فلماذا لم یحاول یوسف خلال هذه السنوات الثمان أن یبعث إلى کنعان من یخبر أباه بواقع حاله ویخرجه عن آلامه وینهی مرارته الطویلة؟
حاول جمع من المفسّرین ـ کالعلاّمة الطبرسی فی مجمع البیان والعلاّمة الطباطبائی فی تفسیر المیزان والقرطبی فی تفسیره الجامع لأحکام القرآن ـ الإجابة على هذا السؤال، وذکروا له عدّة أجوبة، ولعلّ أحسنها وأقربها هو أنّ یوسف لم یکن مجازاً من قبل الله سبحانه وتعالى فی إخبار أبیه، لأنّ قصّة یوسف مع غضّ النظر عن خصائصه الذاتیة کانت ساحة لاختبار یعقوب وحقلا لإمتحانه، فلابدّ من أن یؤدّی یعقوب إمتحانه ویجتاز فترة الاختبار قبل أن یسمح لیوسف بإخباره، وإضافةً إلى هذا فإنّ إسراع یوسف فی إخبار إخوته قد یؤدّی إلى عواقب غیر محمودة، مثلا قد یستولی علیهم الخوف والهلع من إنتقام یوسف منهم لما إرتکبوه سابقاً فی حقّه فلا یرجعوا إلیه.
