رؤیا ملک مصر وما جرى له:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 6
سورة یوسف / الآیة 43 ـ 49 بحوث

بقی یوسف سنین فی السجن المظلم کأی إنسان منسیّ، ولم یکن لدیه من عمل إلاّ بناء شخصیته، وإرشاد السجناء وعیادة مرضاهم وتسلیة الموجَعین منهم.

حتى غیّرت (حظّه وطالعه) حادثة صغیرة بحسب الظاهر... ولم تغیّر هذه «الظاهرة» حظّه فحسب، بل حظّ اُمّة مصر وما حولها.

لقد رأى ملک مصر الذی یقال أنّ اسمه هو «الولید بن الرّیان» (1) وکان «عزیز مصر وزیره» رأى هذا الملک رؤیا مهولة، فأحضر عند الصباح المعبّرین للرؤیا ومن حوله فقصّ علیهم رؤیاه (وقال الملک إنّی أرى سبع بقرات سمان یأکلهنّ سبع عجاف وسبع سنبلات خضر واُخر یابسات) ثمّ إلتفت إلیهم طالباً منهم تعبیر رؤیاه فقال: (یاأیّها الملأ أفتونی فی رؤیای إن کنتم للرّؤیا تعبرون).

ولکن حاشیة السلطان وجموا إزاء هذه الرؤیا و(قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأویل الأحلام بعالمین).

«الأضغاث» جمع «ضِغْث» على وزن (حرص) ومعناه المجموعة من الحطب أو العشب الیابس أو الأخضر أو شیء آخر، و«الأحلام» جمع «حُلُم» على وزن «رُخم» معناه الطیف والرؤیا، فیکون معنى (أضغاث أحلام) هو الأطیاف المختلطة، فکأنّها متشکّلة من مجموعة مختلفة ومتفاوتة من الأشیاء، وجاءت کلمة الأحلام فی جملة (وما نحن بتأویل الأحلام بعالمین) مسبوقة بالألف واللام العهدیة وهی إشارة إلى أنّ المعبّرین غیر قادرین على تأویل مثل هذه الأحلام.

ومن اللازم ذکر هذه المسألة الدقیقة وهی: أنّ إظهار عجز اُولئک فی الحقیقة کان من أجل أنّ المفهوم الواقعی لهذه الرؤیا عندهم غیر واضح، ولذلک عدّوها ضمن الأحلام المختلطة و«الأضغاث» حیث قسّموا الأحلام إلى قسمین:

أحلام ذات معنى وهی قابلة للتعبیر.

وأحلام مختلطة لا معنى لها حیث لم یجدوا لها تعبیراً وتأویلا... وکانوا یعدّون هذا النوع نتیجة قوّة الخیال، على العکس من النوع الأوّل الذی یعدّونه نتیجة إتّصال الروح بعالم الغیب.

کما أنّ هناک احتمال آخر، وهو أنّهم توقّعوا أن تقع حوادث مزعجة فی المستقبل، وما إعتاد علیه حاشیة الملوک والطغاة هو ذکر المسائل المریحة لهم فحسب، وکما یُصطلح علیه ما فیه طیب الخاطر، ویمتنعون عن ذکر ما یزعجهم، وهذا أحد أسباب سقوط مثل هذه الحکومات المتجبّرة!

هنا یرد سؤال، وهو: کیف تجرّأ هؤلاء أمام السلطان، بقولهم جواباً لسؤاله عن رؤیاه إنّها (أضغاث أحلام) فی حین أنّ المعروف عن حاشیة السلطان أن تفلسف کلّ حرکة منه ولو کانت بغیر معنى ویفسّرونها تفسیراً مقبولا.

من الممکن أنّهم رأوا الملک مهموماً من هذه الرؤیا، وکان من حقّه ذلک لأنّه رأى (سبع بقرات سمان یأکلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر واُخر یابسات).

ألا یدلّ ذلک على أنّ من الممکن أنّ أفراداً ضعافاً یتسلّمون السلطة من یده على حین غرّة؟!

لذلک قالوا له: (أضغاث أحلام) لیرفعوا الکدورة عن خاطره، أی: لا تتأثّر فما هنالک أمر مهم، وهذه الأحلام لا یمکن أن تکون دلیلا على أی شیء.

وهناک احتمال آخر ذکره المفسّرون وهو أنّ مرادهم من (أضغاث أحلام) لم یکن أنّ هذه الأحلام لا تأویل لها، بل المراد أنّ مثل هذه الأحلام ملتویة ومجموعة من اُمور مختلفة، وهم غیر قادرین على تأویل مثل هذه الأحلام، فهم لم ینکروا إمکان وجود اُستاذ ماهر وقادر على تأویل هذه الرؤیا، وإنّما أظهروا عجزهم عن التعبیر والتأویل فحسب.

وهنا تذکّر ساقی الملک ما حدث له ولصاحبه فی السجن مع یوسف، ونجا من السجن کما بشّره یوسف (وقال الّذی نجا منهما وادّکر بعد اُمّة أنا اُنبّئکم بتأویله فارسلون).

أجل فی زاویة السجن یعیش رجل حیّ الضمیر طاهر القلب مؤمن وقلبه مرآة للحوادث المستقبلیة، إنّه الذی یستطیع أن یکشف الحجاب عن هذه الرؤیا المغلقة ویعبّرها.

جملة (فارسلون) تشیر إلى أنّ من الممکن أن یکون یوسف ممنوع المواجهة، وکان الساقی یرید أن یأذن الملک ومن حوله بمواجهته لهذا الشأن.

وهکذا حرّک کلام الساقی المجلس وشخصت الأبصار نحوه، وطلبوا منه الإسراع بالذهاب إلیه والإتیان بالخبر.

مضى الساقی إلى السجن لیرى صدیقه القدیم... ذلک الصدیق الذی لم یفِ بوعده له، لکنّه ربّما کان یعرف أنّ شخصیة یوسف الکریمة تمنعه من فتح «باب العتاب» فالتفت إلیه وقال: (یوسفُ أیّها الصدّیق أفتنا فی سبع بقرات سمان یأکلهنّ سبع عجاف وسبع سنبلات خضر واُخر یابسات لعلّی أرجع إلى النّاس لعلّهم یعلمون).

کلمة «الناس» تشیر إلى احتمال أنّ رؤیا الملک صیّرها أطرافه المتملّقون وحاشیته حادثة مهمّة لذلک الیوم، فنشروها بین الناس وعمّموا حالة «القلق» من القصر إلى الوسط الإجتماعی العام.

وعلى کلّ حال فإنّ یوسف دون أن یطلب شرطاً أو قیداً أو أجراً لتعبیره، عبّر الرؤیا فوراً تعبیراً دقیقاً لا غموض فیه ولا حجاب مقروناً بما ینبغی عمله فی المستقبل و(قال تزرعون سبع سنین دأباً فما حصدتم فذروه فی سنبله إلاّ قلیلا ممّا تأکلون) (2) .

ثمّ أنّه یحلّ بکم القحط لسبع سنین متوالیة فلا أمطار ولا زراعة کافیة، فعلیکم بالاستفادة ممّا جمعتم فی سنیّ الرخاء (ثمّ یأتی بعد ذلک سبع شداد یأکلن ما قدّمتم لهنّ).

ولکن علیکم أن تحذروا من إستهلاک الطعام (إلاّ قلیلا ممّا تحصنون) وإذا واظبتم على هذه الخطّة فحینئذ لا خطر یهدّدکم لأنّه (ثمّ یأتی من بعد ذلک عام فیه یُغاث الناس)...

و (یغاث الناس) أی یدرکهم الغیث فتکثر خیراتهم، ولیس هذا فحسب، بل (فیه یعصرون) المحاصیل لإستخراج الدهن والفاکهة لشراب عصیرها... الخ.


1. ذکر صاحب تفسیر مجمع البیان فی تفسیر ذیل الآیة المذکورة أنّه ورد اسم ملک مصر ـ حیث کان عزیز مصر وزیره - فی سورتین:
أ) الریان بن الولید (بحارالانوار، ج 64، ص 224; تفسیر المیزان، ج 4، ص 534 فی تفسیر ذیل الآیة 36 من سورة یوسف).
ب) الولید بن الریان (بحار الانوار، ج12، ص223).
2. کلمة «دأب» على وزن «أدب» تعنی فی الأصل إدامة الحرکة، کما أنّها بمعنى العادة المستمرة، فیکون معنى الکلام: علیکم أن تزرعوا تبعاً لعادتکم المستمرة فی مصر ولکن ینبغی أن تقتصدوا فی مصرفه... ویحتمل أن یکون المراد منه أن تزرعوا بجد وجهد أکثر فأکثر لأنّ دأباً ودؤوباً بمعنى الجدّ والتعب أیضاً، أی اعملوا حتى تتعبوا.
سورة یوسف / الآیة 43 ـ 49 بحوث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma