السّجن بسبب البراءة:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 6
سورة یوسف / الآیة 35 ـ 38 سورة یوسف / الآیة 39 ـ 42

انتهى المجلس العجیب لنسوة مصر مع یوسف فی قصر العزیز فی تلک الغوغاء والهیاج، ولکنّ خبره ـ بالطبع ـ وصلَ إلى سمع العزیز... ومن مجموع هذه المجریات إتّضح أنّ یوسف لم یکن شابّاً عادّیاً، بل کان طاهراً لدرجة لا یمکن لأی قوّة أن تجرّه إلى الانحراف والتلوّث، واتّضحت علامات هذه الظاهرة من جهات مختلفة، فتمزّق قمیصه من دُبر، ومقاومته أمام وساوس نسوة مصر، وإستعداده لدخول السجن وعدم الاستسلام لتهدیدات امرأة العزیز بالسجن والعذاب الألیم، کلّ هذه الاُمور أدلّة على طهارته لا یمکن لأحد أن یسدل علیها الستار أو ینکرها!.

ولازم هذه الأدلّة إثبات عدم طهارة امرأة العزیز وإنکشاف جریمتها، وعلى أثر ثبوت هذه الجریمة فإنّ الخوف من فضیحة جنسیة فی اُسرة العزیز کان یزداد یوماً بعد یوم.

فکان الرأی بعد تبادل المشورة بین العزیز ومستشاریه هو إبعاد یوسف عن الأنظار لینسى الناس اسمه وشخصه، وأحسن السبل لذلک إیداعه قعر السجن المظلم أوّلا، ولیشیع بین الناس أنّ المذنب الأصلی هو یوسف ثانیاً، لذلک یقول القرآن فی هذا الصدد: (ثمّ بدا لهم من بعد ما رأوا الآیات لیسجنّنه حتّى حین).

التعبیر بکلمة «بدا» التی معناها ظهور الرأی الجدید، یدلّ على أنّ مثل هذا التصمیم فی حقّ یوسف لم یکن من قبل، ویحتمل أن تکون هذه الفکرة إقترحتها امرأة العزیز لأوّل مرّة... وبهذا دخل یوسف النزیه ـ بسبب طهارة ثوبه ـ السجن، ولیست هذه أوّل مرّة ولا آخرها أن یدخل الإنسان النزیه «بجریرة نزاهته» السجن!!

أجل... فی المحیط المنحرف تکون الحریة من نصیب المنحرفین الذین یسیرون مع التیار ولیست الحریة وحدها من نصیبهم فحسب،... بل إنّ الأفراد النجباء کیوسف الذی لا یتلاءم مع ذلک المحیط ولونه ویتحرّک على خلاف مجرى الماء! ینبغی أن یقبعوا فی زاویة النسیان... ولکن إلى متى؟ هل تستمر هذه الحالة؟... قطعاً لا...

ومن جملة السجناء الداخلین مع یوسف فتیان (ودخل معه السّجن فتیان).

وحیث إنّ الظروف لم تکن تسمح للإنسان أن یحصل فیها على الأخبار بطریق عادی، فإنّه یأنس لأحاسیس الآخرین لیبحث عن مسیر الحوادث ویتوقّع ما سیکون، حتى أنّ الرؤیا وتعبیرها عنده یکون مطلباً مهمّاً.

من هذا المنطلق جاء لیوسف یوماً هذان الفتیان اللذان یقال: إنّ أحدهما کان ساقیاً فی بیت الملک، والآخر کان مأموراً للطعام والمطبخ، وبسبب وشایة الأعداء وسعایتهم بهما دخلا السجن بتهمة التصمیم لسمّ الملک، وتحدّث کلّ منهما عن رؤیا رآها اللیلة الفائتة وکانت بالنسبة له أمراً عجیباً.

(قال أحدهما إنّی أرانی أعصر خمراً وقال الآخر إنّی أرانی أحمل فوق رأسی خبزاً تأکل الطّیر منه) ثمّ أضافا (نبّئنا بتأویله إنّا نراک من المحسنین).

وحول معرفة الفتیین وإطلاعهما على أنّ یوسف له خبرة بتأویل الأحلام هناک أقوال بین المفسّرین:

قال بعضهم: إنّ یوسف نفسه أخبر السجناء بأنّ له إطلاعاً واسعاً فی تفسیر الأحلام، وقال بعضهم: إنّ سیماء یوسف الملکوتیة کانت تدلّ على أنّه لیس فرداً عادیاً... بل هو فرد عارف مطّلع وصاحب فکر ونظر، ولابدّ أن یکون مثل هذا الشخص قادراً على حلّ مشاکلهم فی تعبیر الرؤیا.

وقال البعض الآخر: إنّ یوسف من بدایة دخول السجن برهن ـ بأخلاقه الحسنة والمعاشرة الطیّبة للسجناء وخدمتهم وعیادة مرضاهم ـ أنّه رجل صالح وحلاّل المشاکل، لذلک کانوا یلتجئون إلیه فی حلّ مشاکلهم ویستعینون به.

وهناک ملاحظة جدیر ذکرها، وهی أنّ القرآن عبّر بـ«الفتى» مکان «العبد» وهو نوع من الإحترام، وعندنا فی الحدیث «لا یقولنّ أحدکم عبدی وأمتی ولکن فتای وفتاتی» (1) لیکون العبید فی مراحل الإنعتاق والحریّة التی نظّمها الإسلام فی مأمن من کلّ أنواع التحقیر.

التعبیر بـ (إنّی أرانی أعصر خمر) إمّا لأنّه رأى فی النوم أنّه یعصر العنب للشراب أو العنب المخمّر الذی فی الدن، وهو یعصره لیصفّیه مستخرجاً منه الشراب، أو أنّه یعصر العنب لیقدّم عصیره للملک!.. دون أن یکون خمراً، وحیث إنّ العنب یمکن أن یتبدّل خمراً أطلق علیه لفظ الخمر.

والتعبیر بـ (إنّی أرانی) بدلا من «إنّی رأیت» هو بعنوان حکایة الحال، أی إنّه یفرض نفسه فی اللحظة التی یرى فیها الرؤیا «النوم»، وهذا الکلام لتصویر تلک الحالة.

وعلى کلّ حال فقد إغتنم یوسف مراجعة السجینین له لتعبیر الرؤیا ـ وکان لا یدع فرصة لإرشاد السجناء ونصحهم ـ وبحجّة التعبیر کان یبیّن حقائق مهمّة تفتح لهم السُبُل ولجمیع الناس أیضاً.

فی البدایة، ومن أجل أن یستلفت إهتمامهما وإعتمادهما على معرفته بتأویل الأحلام الذی کان مثار إهتمامهما وتوجّههما (قال لا یأتیکما طعام ترزقانه إلاّ نبّأتکما بتأویله قبل أن یأتیکم).

وبهذا فقد طمأنهما أنّهما سیجدان ضالّتهما قبل وصول الطعام إلیهما.

وهناک احتمالات کثیرة فی هذه الجملة بین المفسّرین، من جملتها: إنّ یوسف قال: أنا بأمر الله مطّلع على بعض الأسرار، لا انّی أستطیع تعبیر الأحلام فحسب، بل أنا أستطیع حتى إخبارکم بما سیأتیکم من الطعام وما نوعه وبأی صورة وأی خصوصیة!.

فعلى هذا یکون التأویل بمعنى ذکر خصوصیات ذلک الطعام، وإن کان التأویل قلیل الاستعمال فی مثل هذا المعنى طبعاً، ولا سیّما أنّه ورد فی الجملة السابقة بمعنى تعبیر الرؤیا.

والاحتمال الآخر من مقصود یوسف هو: إنّ أی نوع من الطعام ترونه فی النوم فأنا أعرف ما تأویله (ولکن هذا الاحتمال لا ینسجم مع الجملة السابقة) (قبل أن یأتیکم).

فعلى هذا یکون أحسن التفاسیر للجملة المتقدّمة، هو التّفسیر الأوّل الذی ذکرناه فی بدایة الحدیث.

ثمّ إنّ یوسف أضاف إلى کلامه مقروناً بالإیمان بالله والتوحید الجاری بجمیع أبعاده فی أعماق وجوده، لیبیّن بوضوح أن لا شیء یتحقّق إلاّ بإرادة الله قائلا: (ذلکما ممّا علّمنی ربّی) ولئلاّ یتصوّر أنّ الله یمنح مثل هذه الاُمور دون حساب، قال (إنّی ترکت ملّة قوم لا یؤمنون بالله وهم بالآخرة هم کافرون).

والمقصود بهذه الملّة أو الجماعة هم عبدة الأصنام بمصر أو عبدة الأصنام من کنعان.

وینبغی لی أن أترک مثل هذه العقائد لأنّها على خلاف الفطرة الإنسانیة النقیّة، ثمّ إنّی تربّیت فی اُسرة الوحی والنبوّة (واتّبعت ملّة آبائی إبراهیم وإسحاق ویعقوب).

ولعلّ هذه هی أوّل مرّة یعرّف یوسف نفسه للسجناء بهذا التعریف، لیعلموا أنّه سلیل الوحی والنبوّة وقد دخل السجن بریئاً... کبقیّة السجناء الأبریاء فی حکومة الطواغیت.

ثمّ یضیف على نحو التأکید (ما کان لنا أن نشرک بالله من شیء) لأنّ اُسرتنا اُسرة التوحید... اُسرة إبراهیم محطّم الأصنام (ذلک من فضل الله علینا وعلى النّاس).

وعلى هذا فلا تتصوّروا أنّ هذا الفضل والحبّ شملا اُسرتنا أهل النبوّة فحسب، بل هی الموهبة العامّة التی تشمل جمیع عباد الله المودعة فی أرواحهم المسمّاة بالفطرة حیث یتکاملون بقیادة الأنبیاء (ولکن أکثر الناس لا یشکرون).

جدیر بالذکر والإلتفات أنّ «إسحاق» عُدّ فی الآیة المتقدّمة فی زمرة «آباء یوسف» فی حین أنّنا نعرف أنّ یوسف هو ابن یعقوب ویعقوب هو إبن إسحاق، فتکون کلمة أب بهذا مستعملة فی الجدّ أیضاً.


1. تفسیر مجمع البیان، ج 5، ص 232.
سورة یوسف / الآیة 35 ـ 38 سورة یوسف / الآیة 39 ـ 42
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma