المراد من کلمة «ربّی»:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 6
العشق الملتهب: ما المراد من بُرهان ربّه؟

هناک أقوال کثیرة بین المفسّرین فی المراد من قوله: (إنّه ربّی) فأکثر المفسّرین، کالعلاّمة الطبرسی فی مجمع البیان وکاتب المنار فی تفسیر المنار وغیرهما، قالوا: إنّ کلمة «ربّ» هنا استعملت فی معناها الواسع، وقالوا: إنّ المراد من کلمة «ربّ» هنا هو «عزیز مصر» الذی لم یألُ جهداً فی إکرام یوسف، وکان یوصی امرأته من البدایة بالإهتمام به وقال لها: (أکرمی مثواه).

ومن یظنّ أنّ هذه الکلمة لم تستعمل بهذا المعنى فهو مخطىء تماماً، لأنّ کلمة «ربّ» فی هذه السورة أطلقت عدّة مرّات على غیر الله سبحانه. وأحیاناً ورد هذا الاستعمال على لسان یوسف نفسه، وأحیاناً على لسان غیره!

فمثلا فی قصّة تعبیر الرؤیا للسجناء، فی الآیة 42 من هذه السورة طلب یوسف من الذی بشّره بالنجاة أن یذکر حاله عند ملک مصر (وقال للذی ظنّ أنّه ناج منهما إذکرنی عند ربّک).

کما نلاحظ هذا الاستعمال على لسان یوسف ـ أیضاً ـ حین جاءه مبعوث فرعون مصر، إذ یقول القرآن الکریم فی هذا الصدد فی الآیة 50 من هذه السورة: (فلمّا جاءه الرّسول قال ارجع إلى ربّک فاسأله ما بال النسوة اللاتی قطّعن أیدیهن).

وفی الآیة 41 من هذه السورة، وذیل الآیة 42 اُطلقت کلمة «ربّ» فی لسان القرآن الکریم بمعنى المالک وصاحب النعمة. فعلى هذا تلاحظون أنّ کلمة «ربّ» استعملت 4 مرّات ـ سوى الآیة محلّ البحث ـ فی غیر الله، وإن کانت قد استعملت فی هذه السورة وفی سور اُخرى من القرآن فی خصوص ربّ العالمین (الله) مراراً.

فالحاصل أنّ هذه الکلمة من المشترک اللفظی وهی تستعمل فی المعنیین.

ولکن رجّح بعض المفسّرین أن تکون کلمة «ربّ» فی هذه الآیة (إنّه ربّی أحسن مثوای) یُقصد بها الله... لأنّها جاءت بعد کلمة (معاذ الله) مباشرةً، وکونها إلى جنب لفظ الجلالة صار سبباً لعود الضمیر فی (إنّه ربّی) علیه فیکون معنى الآیة: إنّنی ألتجىء إلى الله وأعوذ به فهو إلهی الذی أکرمنی وعظم مقامی وکلّ ما عندی من النعم فهو منه.

ولکن مع ملاحظة وصیّة عزیز مصر لامرأته (أکرمی مثواه) وتکرارها فی الآیة ـ محل البحث ـ یکون المعنى الأوّل أقرب وأقوى.

جاء فی التوراة الفصل 39 رقم 8 و9 و10 ما مؤدّاه: «وبعد هذا وقعت المقدّمات، إنّ امرأة سیّده ألقت نظرتها على یوسف وقالت: إضطجع معی، لکنّه أبى وقال لامرأة سیّده: إنّه سیّدی غیر عارف بما معی فی البیت، وکلّ ما یملک مودع عندی، ولا أجد أکبر منّی فی هذا البیت، ولم یزاحمنی شیء سواک لأنّک امرأته، فکیف اُقدم على هذا العمل القبیح جدّاً، وأتجرّأ فی الذنب على الله». فهذه الجمل فی التوراة تؤیّد المعنى الأوّل.

وهنا یبلغ أمر یوسف وامرأة العزیز إلى أدقّ مرحلة وأخطرها، حیث یعبّر القرآن عنه تعبیراً ذا مغزى کبیر (ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربّه).

وفی معنى هذه الجملة أقوال بین المفسّرین یمکن تصنیفها وإجمالها إلى ثلاثة تفاسیر:

إنّ امرأة العزیز کانت ترید أن تقضی وطراً مع یوسف، وبذلت وسعها فی ذلک، وکاد یوسف یستجیب لرغبتها بطبیعة کونه بشراً شابّاً لم یتزوّج ویرى نفسه إزاء المثیرات الجنسیّة وجهاً لوجه... لولا أن رأى برهان الله... أی روح الإیمان والتقوى وتربیة النفس، أضف إلى کلّ ذلک مقام العصمة الذی کان حائلا دون هذا العمل!

فعلى هذا یکون الفرق بین معانی «همّ» أی القصد من امرأة العزیز، والقصد من قبل یوسف، هو أنّ یوسف کان یتوقّف قصده على شرط لم یتحقّق، أی (عدم وجود برهان ربّه) ولکن القصد من امرأة العزیز کان مطلقاً، ولأنّها لم یکن لدیها مثل هذا المقام من التقوى والعفّة، فإنّها صمّمت على هذا القصد حتى آخر مرحلة، وإلى أن اصطدمت جبهتها بالصخرة الصمّاء!

ونظیر هذا التعبیر موجود فی الآداب العربیّة وغیرها کما نقول مثلا: إنّ جماعة لا ترتبط بقیم أخلاقیة ولا ذمّة صمّمت على الإغارة على مزرعة فلان ونهب خیراته، ولولا أنّی تربّیت سنین طوالا عند اُستاذی العارف الزاهد فلان، لأقدمت على هذا العمل معهم.

فعلى هذا کان تصمیم یوسف مشروطاً بشرط لم یتحقّق، وهذا الأمر لا منافاة له مع مقام یوسف من العصمة والتقوى، بل یؤکّد له هذا المقام العظیم کذلک.

وطبقاً لهذا التّفسیر لم یبدُ من یوسف أی شیء یدلّ على التصمیم على الذنب، بل لم یکن فی قلبه حتى هذا التصمیم.

ومن هنا فیمکن القول أنّ بعض الرّوایات التی تزعم أنّ یوسف کان مهیّئاً لینال وطراً من امرأة العزیز، وخلع ثیابه عن بدنه، وذکرت تعبیرات اُخرى (1) نستحیی من ذکرها، کلّ هذه الاُمور عاریة من الصحّة ومختلقة، وهذه أعمال من شأن الأفراد المنحرفین الملوّثین غیر الأنقیاء، فکیف یمکن أن یتّهم یوسف مع هذه المنزلة وقداسة روحه ومقام تقواه بمثل هذا الإتّهام.

الطریف أنّ التّفسیر الأوّل نقل عن الإمام علی بن موسى الرضا (علیه السلام) فی عبارة موجزة جدّاً وقصیرة، حیث یسأله المأمون «الخلیفة العبّاسی» قائلا: ألا تقولون أنّ الأنبیاء معصومون؟ فقال الإمام: «بلى». فقال: فما تفسیر هذه الآیة (ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربّه) فقال الإمام (علیه السلام): «لقد همّت به، ولولا أن رأى برهان ربّه لهمّ بها کما همّت، لکنّه کان معصوماً والمعصوم لا یهمّ بذنب ولا یأتیه» فقال المأمون: لله درُّک یاأبا الحسن (2) .

إنّ تصمیم کلّ من امرأة العزیز ویوسف لا علاقة له بالوطر الجنسی، بل کان تصمیماً على ضرب أحدهما الآخر...

فتصمیم امرأة العزیز على هذا العمل کان لعدم إنتصارها فی عشقها وبروز روح الإنتقام فیها ثأراً لهذا العشق.

وتصمیم یوسف کان دفاعاً عن نفسه، وعدم التسلیم لطلب تلک المرأة.

ومن جملة القرائن التی تذکر فی هذا الموضوع:

أوّلا: إنّ امرأة العزیز کانت قد صمّمت على نیل الوطر الجنسی قبل هذه الحالة، وکانت قد هیّأت مقدّمات هذا الأمر، فلا مجال ـ إذن ـ لأن یقول القرآن: إنّها صمّمت على هذا العمل الآن، لأنّ هذه الساعة لم تکن ساعة تصمیم.

وثانیاً: إنّ ظهور حالة الخشونة والإنتقام بعد هذه الهزیمة أمر طبیعی، لأنّها بذلت ما فی وسعها لإقناع یوسف، ولمّا لم توفّق إلى ما رغبت فیه توسلّت بطریق آخر، وهو طریق الخشونة والضرب.

وثالثاً: إنّنا نقرأ فی ذیل هذه الآیة (کذلک لنصرف عنه السوء والفحشاء) والمراد بالفحشاء هو التلوّث وعدم العفّة... والمراد بصرف السوء، هو نجاته من عواقب مخالفة امرأة العزیز، (3) وعلى کلّ حال فحین رأى یوسف برهان ربّه... تجنّب الصراع مع امرأة العزیز وضربها، لأنّه قد یکون دلیلا على تجاوزه وعدوانه علیها، ولذا رجّح أن یبتعد عن ذلک المکان ویفرّ نحو الباب.

ممّا لا شکّ فیه أنّ یوسف کان شابّاً یحمل جمیع الأحاسیس التی فی الشباب، وبالرغم من أنّ غرائزه کانت طوع عقله وإیمانه... إلاّ أنّ مثل هذا الإنسان ـ بطبیعة الحال ـ یهیج طوفان فی داخله لما یشاهده من مثیرات فی هذا المجال، فیصطرع العقل والغریزة، وکلّما کانت أمواج المثیرات أشدّ کانت کفّة الغرائز أرجح، حتى أنّها قد تصل فی لحظة خاطفة إلى أقصى مرحلة من القوّة، بحیث لو تجاوز هذه المرحلة خطوة لهوى فی مزلق مهول، ولکنّ قوّة الإیمان والعقل ثارت فی نفسه فجأة وتسلّمت زمام الاُمور فی إنقلاب عسکری سریع وکبحت جماح الشهوة.

والقرآن یصوّر هذه اللحظة الخاطفة الحسّاسة والمتأزّمة التی وقعت بین زمانین هادئین فی الآیة المتقدّمة، فیکون المراد من قوله تعالى: (وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربّه) أنّ یوسف إنجرّ إلى حافّة الهاویة فی الصراع بین الغریزة والعقل، ولکن فجأةً ثارت قوّة الإیمان والعقل وهزمت طوفان الغریزة (4) ... لئلاّ یتصوّر أحد أنّ یوسف عندما إستطاع أن یخلّص نفسه من هذه الهاویة فلم یقم بعمل مهمّ، لأنّ أسباب الذنب والهیاج الجنسی کانت فیه ضعیفة... کلاّ أبداً... فهو فی هذه اللحظة الحسّاسة جاهد نفسه أشدّ الجهاد.


1. تفسیر مجمع البیان، ذیل الآیة مورد البحث; تفسیر جامع البیان، ج 12، ص 241 و242.
2. تفسیر نورالثقلین ج 2 ص 421; بحارالانوار، ج 11، ص 82.
3. بحارالانوار، ج 11، ص 72.
4. مقتبس من تفسیر فی ظلال القرآن، ج 4، ص 711، ذیل الآیة مورد البحث.
العشق الملتهب: ما المراد من بُرهان ربّه؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma