قلنا إن (أشدّ) معناه الإستحکام الجسمانی والروحانی، وبلوغ الرشد معناه الوصول إلى هذه المرحلة، ولکن هذا العنوان قد عبّر عنه القرآن الکریم فی مراحل مختلفة من عمر الإنسان.
فتارة أطلقه على سنّ البلوغ کقوله تعالى: (ولا تقربوا مال الیتیم إلاّ بالتی هی أحسن حتّى یبلغ أشدّه) (1) .
وتارةً یرد هذا المعنى فی وصول الإنسان إلى أربعین سنة، کقوله تعالى: (حتّى إذا بلغ أشده وبلغ أربعین سنة) (2) .
وتارةً یراد به ما قبل مرحلة الشیخوخة والکبر، کقوله تعالى: (ثمّ یخرجکم طفلا ثمّ لتبلغوا أشدّکم ثمّ لتکونوا شیوخ) (3) .
ولعل هذا التفاوت فی التعبیرات آت من طیّ الإنسان مراحل مختلفة لإستحکام الروح والجسم، ولا شکّ أن الوصول إلى سنّ البلوغ واحد من هذه المراحل.
وبلوغ الأربعین الذی یکون توأماً للنضج الفکری والعقلی مرحلة ثانیة، کما أن المرحلة الثّالثة تکون قبل أن یسیر الإنسان نحو قوس النّزول ویبلغ الضعف والوهن!
وعلى کل حال فإنّ المقصود فی الآیة ـ محل البحث ـ هو مرحلة البلوغ الجسمی والروحی الذی ظهر فی یوسف بدایة شبابه، یقول الفخر الرازی فی تفسیره فی هذا الصدد: «مدة دور القمر ثمانیة وعشرون یوماً وکسرٌ، فإذا جعلت هذه الدورة أربعة أقسام کان کل قسم منها سبعة أیام، فلا جرمَ رتبوا أحوال الأبدان على الأسابیع، فالإنسان إذا وُلد کان ضعیف الخلقة نحیف الترکیب إلى أن یتم له سبع سنین، ثمّ إذا دخل فی السبعة الثانیة حصل فیه آثار الفهم والذکاء والقوّة، ثمّ لا یزال فی الترقی إلى أن یتمّ له أربع عشرة سنة، فإذا دخل فی السنة الخامسة عشرة دخل فی الأسبوع الثّالث وهناک یکمل العقل ویبلغ إلى حد التکلیف وتتحرک فیه الشهوة، ثمّ لا یزال یرتقی على هذه الحالة إلى أن یتم السنةَ الحادیةَ والعشرین وهناک یتم الأسبوع الثّالث، ویدخل فی السنة الثّانیة والعشرین وهذا الأسبوع آخر أسبوع النشوء والنماء، فإذا تمّت السنة الثّامنة والعشرون فقد تمّت مدّة النشوء والنماء وینتقل الإنسان منه إلى زمان الوقوف، وهو الزمان الذی یبلغ الإنسان فیه أشدّه، وبتمام هذا الأسبوع الخامس ـ یحصل للإنسان خمسة وثلاثون سنة ثمّ إنّ هذه المراتب مختلفة فی الزیادة والنقصان، فهذا الاسبوع الخامس الذی هو أسبوع الشدّة والکمال یبتدىء من السنة التّاسعة والعشرین إلى الثّالثة والثّلاثین، وقد یمتّد إلى الخامسة والثّلاثین، فهذا هو الطریق المعقول فی هذا الباب، والله أعلم بحقائق الأشیاء» (4) .
التقسیم المتقدّم وإن کان مقبولاً إلى حدٍّ ما... لکنّه یبدو غیر دقیق، لأنّ مرحلة البلوغ أوّلا لیست فی انتهاء العقد الثانی، وکذلک فإنّ التکامل الجسمانی ـ طبقاً لما یقول علماء الیوم ـ هو 25 سنة... والبلوغ الفکری الکامل أربعون سنةً طبقاً لبعض الرّوایات، (5) وبعد هذا کله فإنّ ما ورد آنفاً لا یصحّ أن یکون قانوناً عامّاً لیصدق على جمیع الأشخاص.
1. الإسراء، 34.
2. الأحقاف، 15.
3. غافر، 67.
4. التفسیر الکبیر، ج 18، ص 111.
5. وسائل الشیعة، ج 16، ص 102، ح 21093.
