فی الآیة المتقدمة دلیل لطیف على أنّ العبادة لله وحده، وهو أنّه لو کانت العبادة من أجل العظمة وصفات الجمال، والجلال فهذه الصفات قبل کل شیء موجودة فی الله، وأمّا الآخرون فلا شیء بالنسبة إلیه، وأکبر دلیل على عظمة الله علمه الواسع غیر المحدود وقدرته اللامتناهیة، وقد أشارت الآیة الآنفة إلى أنّهما مختصّان بالله.
وإذا کانت العبادة لأجل الإلتجاء ـ فی حلّ المشاکل ـ إلى المعبود... فإنّ مثل هذا العمل جدیر بمن هو علیم بجمیع حاجات العباد وأسرارهم الخفیّة. وما یغیب علیهم، وهو قادر على إجابة دعوتهم، وبالنتیجة فإنّ توحید الصفات یکون سبباً لتوحید العبادة (لاحظوا بدقّة).
قال بعض المفسّرین: إنّ سیر الإنسان فی طریق عبودیة الله، لُخِّصَ کلّه فی جملتین فی هذه الآیة (فاعبده وتوکّل علیه) لأنّ العبادة سواء کانت عبادة جسمانیة کالعبادة العامّة، أو عبادة روحانیة کالتفکّر فی خلق الله ونظام أسرار الوجود، هی بدایة هذا السیر.
والتوکّل الذی یعنی الإلتجاء المطلق إلى الله وإیداع جمیع الأشیاء بیده، بحیث یعدّ نوعاً من «الفناء فی الله» هو آخر نقطة من هذا السیر.
وفی جمیع هذا المسیر من بدایته حتى نهایته یوجههم إلى حقیقة توحید الصفات، ویعین السائرین فی هذا المسیر ویدعوهم إلى البحث المقرون بالعشق لساحته.
اللّهم ألهمنا معرفتک بصفات جلالک وجمالک.
وألهمنا أن نتحرک إلیک بعرفان.
اللّهم وفقنا لأن نعبدَک مخلصین ونتوکل علیک عاشقین.
اللّهم أنت رجاؤنا وملاذنا فی حل مشاکلنا، ففی هذه الفترة من الزمن أحاطت بالمسلمین المشاکل من کل جانب، وسعى أعداء الله لإطفاء نور هذه الصحوة المبارکة، فانت ولیّنا.
اللهم لم نکن لنصل لهذه المرحلة لولا تأییداتک الظاهرة والخفیّة التی أعانتنا للوصول إلیها. نسألک أن لا تحرمنا من مواهبک العظیمة فی ما بقی من الطریق ولا تقطع ألطافک الخاصّة عنّا.
ووفقنا برحمتک أن نواصل هذا التّفسیر الذی یفتح نافذة جدیدة على کتابک السّماویّ العظیم.
آمین یا ربّ العالمین
نهایة سورة هود
