المنطق الواهی:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 6
سورة هود / الآیة 87 ـ 90 سورة هود / الآیة 91 ـ 93

والآن فَلْنَرَ ما کان ردّ القوم اللجوجین إزاء نداء هذا المصلح السّماوی «شعیب».

فبما إنّهم کانوا یتصورون أنّ عبادة الأصنام من آثار سلفهم الصالح، ودلالة على أصالة ثقافتهم، وکانوا لا یرفعون الید عن الغش فی المعاملة وتحقیق الربح الوفیر عن هذا الطریق: (قالوا یا شعیب أصلاتک تأمرک أن نترک ما یعبد آباؤن) ونترک حریتنا فی التصرف بأموالنا فلا نستطیع الاستفادة منها (أو أن نفعل فی أموالنا ما نشاء) إنّ هذا بعید منک (إنّک لأنت الحلیم الرشید)؟!

السؤال: وهنا ینقدح هذا السؤال وهو لِمَ سألوه عن الصلاة وأظهروا اهتمامهم بها؟!

والجواب: قال بعض المفسّرین: کان ذلک لأنّ شعیباً کان یکثر من صلاته ویقول للناس:

إنّ الصلاة تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنکرات.

ولکن هؤلاء الأغبیاء الذین لم یعرفوا السرّ والعلاقة بین الصلاة وترک المنکرات، کانوا یسخرون من شعیب وکانوا یقولون له: أهذه الأذکار والأوراد والحرکات التی تقوم بها تأمرک أن نترک ما یعبد آباؤنا ونهمل سنّة السلف وثقافتنا التقلیدیة أو أن نسلب اختیارنا من التصرف بأموالنا کیف شئنا؟!

واحتمل البعض أنّ «الصلاة» إشارة إلى العقیدة والدین، لأنّها عبارة عن المظهر البارز للدین.

وعلى کل حال لو کان اُولئک یفکرون جیداً لأدرکوا هذا الأمر الواقعی وهو أنّ الصلاة توقظ فی الإنسان الإحساس بالمسؤولیة والتقوى ومخافة الله ومعرفة الحقوق، وتذکره بالله وبمحکمة عدل الله، وتنفض عن قلبه غبار حبّ الذات وعبادة الذات! وتصرفه عن هذه الدنیا المحدودة والملوّثة إلى عالم ما وراء الطبیعة، إلى عالم الصالحات وتزکیة النفس، ولذلک فهی تخلّصه من الشرک وعبادة الأصنام والتقلید الأعمى للسلف الجاهل وبخس الناس أشیاءهم، وعن أنواع الغش والخداع... الخ.

سؤال: کما ینقدح هنا سؤال آخر، وهو: إنّ قولهم لشعیب (إنّک لأنت الحلیم الرشید) هل کان کلاماً واقعیاً من منطلق الإیمان به، أم هو على سبیل الإستهزاء والسخریة؟!

والجواب: احتمل المفسّرون الوجهین ولکن مع ملاحظة أسلوب سؤالهم (أصلاتک تأمرک) الذی یستبطن الإستهزاء، یظهر أنّ هذه الجملة على نحو الإستهزاء، وهی إشارة إلى أنّ الإنسان الحلیم الرشید هو من لم یتعجل القول أو الرأی فی أمر دون أن یسبر غوره ویعرف کنهه، والإنسان العاقل الرشید هو من لم یسحق سنن قومه تحت رجلیه ویسلب حریتهم فی التصرف بأموالهم، فیظهر أنّک لم تسبر غور الاُمور ولیس لدیک عقل حصیف وفکر عمیق، لأنّ الفکر العمیق والعقل یوجبان على الإنسان ألاّ یرفع یده عن طریقة السلف، ولا یسلب من الآخرین الاختیار وحریة العمل.

ولکن شعیباً ردّ على من اتّهمه بالسفه وقلّة العقل بکلام متین و(قال یا قوم أرأیتم إن کنت على بینة من ربّی ورزقنی منه رزقاً حسن) (1) .

إنّه یرید أن یفهم قومه أنّ فی عمله هذا هدفاً معنویاً وإنسانیاً وتربویاً، وأنّه یعرف حقائق لا یعرفها قومه، والإنسان دائماً عدوّ ما جهل.

ومن الطریف أنّه فی هذه الآیات یکرر عبارة (یا قوم) وذلک لیُعبّىء عواطفهم لقبول الحق ولیشعرهم بأنّهم منه وأنّه منهم، سواء أکان المقصود بالقوم القبیلة أو الطائفة أو الجماعة أو الاُسرة، أم کان المقصود الجماعة التی کان یعیش وسطهم ویُعدّ جزءاً منهم.

ثمّ یضیف هذا النّبی العظیم قائلا: (وما اُرید أن أخالفکم إلى ما أنهاکم عنه) فلا تتصوروا أننی أقول لکم لا تبخسوا الناس أشیاءهم ولا تنقصوا المکیال، وأنا أبخس الناس أو أنقص المکیال، أو أقول لکم لا تعبدوا الأوثان وأنا أفعل ذلک کلّه، کلا فإنّنی لا أفعل شیئاً من ذلک أبداً.

ویستفاد من هذه الجملة أنّهم کانوا یتهمون شعیباً بأنّه کان یرید الربح لنفسه، ولهذا فهو ینفی هذا الموضوع صراحةً ویقول تعقیباً على ما سبق (إن اُ رید إلاّ الإصلاح ما استطعت).

وهذا هو هدف الأنبیاء جمیعاً، حیث کانوا یسعون إلى إصلاح العقیدة، وإصلاح الأخلاق، وإصلاح العمل، وإصلاح العلائق والروابط الاجتماعیة وأنظمتها (وما توفیقی إلاّ بالله) للوصول إلى هذا الهدف.

وعلى هذا فإننی، ولأجل أداء رسالتی والوصول إلى هذا الهدف الکبیر (علیه توکلت وإلیه أنیب).

وأسعى للإستعانة به على حل المشاکل، وأتوکل علیه فی تحمّل الشدائد فی هذا الطریق، وأعوذ إلیه أیضاً.

ثمّ ینبههم إلى مسألة أخلاقیة، وهی أنّه کثیراً ما یحدث للإنسان أنّه لا یعرف مصالحه وینسى مصیره، وذلک بسبب بغضه وعدائه بالنسبة لشخص آخر أو التعصب الأعمى واللجاجة فی شیء ما، فیقول لهم (ویا قوم لا یجرمنّکم شقاقی) فتبتلوا بما ابتلى به غیرکم و(أن یصیبکم مثلُ ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح) وما حدث لقوم لوط من البلاء العظیم حیث أمطرهم الله بحجارة من سجیل منضود وقلب مدنهم فجعل عالیها سافلها (وما قوم لوط منکم ببعید) فلا زمانهم بعید عنکم کثیراً، ولا مکان حیاتهم، کما أنّ أعمالکم وذنوبکم لا تقل عن أعمالهم وذنوبهم أیضاً.

و«مدین» التی کانت موطن شعیب لم تکن بعیدة عن موطن قوم لوط، لأنّ الموطنین کلاهما کانا من مناطق «الشامات» وإذا کان بینهما فاصل زمنی، فلم یکن الفاصل بالمقدار الذی یستدعی نسیان تأریخه، وأمّا من الناحیة العملیة فالفرق کبیر بین الانحراف الجنسی الذی کان علیه قوم لوط والانحراف الاقتصادی الذی کان علیه قوم شعیب، لکن کلیهما یتشابهان فی تولید الفساد فی المجتمع والإخلال بالنظام الاجتماعی وإماتة الفضائل الخُلقیة وإشاعة الانحراف، ومن هنا نجد فی الرّوایات أحیاناً مقارنة الدرهم الربوی المرتبط ـ بالطبع ـ بالمسائل الاقتصادیة بالزنا الذی هو تلوّث جنسی (2) .

ثمّ یأمر شعیب قومه الضالین بشیئین هما فی الواقع ما کان یؤکّد علیه جمیع الأنبیاء المتقدمین.

الأوّل: قوله: (واستغفروا ربّکم) أی لتطهروا من الذنوب وتجتنبوا الشرک وعبادة الأوثان والخیانة فی المعاملات.

والثّانی: قوله: (ثمّ توبوا إلیه) أی ارجعوا إلیه.

والواقع أنّ الاستغفار توقف فی مسیر الذنب وغسل النفس، والتوبة عودة إلى الله الکمال المطلق.

واعلموا أنّه مهما یکن الذنب عظیماً والوزر ثقیلا فإنّ طریق العودة إلیه تعالى مفتوح وذلک لأنّ (ربّی رحیم ودود).

وکلمة «الودود» صیغة مبالغة مشتقّة من الود ومعناه المحبّة، وذکر هذه الکلمة بعد کلمة «رحیم» إشارة إلى أنّ الله یلتفت بحکم رحمته إلى المذنبین التائبین، بل هو إضافة إلى ذلک یحبّهم کثیراً لأنّ رحمته ومحبّته هما الدافع لقبول الاستغفار وتوبة العباد.


1. ینبغی الإلتفات إلى أنّ جزاء الجملة الشرطیة محذوف هنا وتقدیره هکذا، (أفأعدل مع ذلک عمّا أنا علیه من عبادته وتبلیغ دینه).
2. ینبغی ذکر هذه المسألة أیضاً وهی أنّ جملة (لا یجرمنّکم) ذات احتمالین:
الأوّل: بمعنى (لایحملنکم)، ففی هذه الصورة تکون على النحو التالی (لایجرمن) فعل و(شقاقی) فاعله، و(کم) الضمیر المتصل بالفعل مفعول به أوّل و(أن یصیبکم) مصدر مؤول مفعول ثان فیکون معنى الآیة: یا قوم لا یحملنکم شقاقی (مخالفتکم إیای) أن یصیبکم مصیر کمصیر قوم نوح وأمثالهم من الأقوام المذکورین.
الاحتمال الثّانی: أنّ (لا یجرمنکم) أی لا یجرنّکم إلى الذنب والإجرام، ففی هذه الصورة تکون الجملة على النحو التالی، و«لا یجرمن» فعلٌ و(شقاقی) فاعله و«کم» مفعوله و(أن یصیبکم) نتیجته، ویکون معنى الآیة کما ذکرناه فی المتن.
سورة هود / الآیة 87 ـ 90 سورة هود / الآیة 91 ـ 93
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma