مدین بلدة شعیب:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 6
سورة هود / الآیة 84 ـ 86 سورة هود / الآیة 87 ـ 90

مع انتهاء قصّة قوم لوط تصل النوبة إلى قوم شعیب وأهل مدین، اُولئک الذین حادوا عن طریق التوحید وهاموا على وجوههم فی شرکهم وعبادة الأصنام، ولم یعبدوا الأصنام فحسب، بل الدّرهم والدینار والثروة والمال، ومن أجل ذلک فإنّهم لوّثوا تجارتهم الرابحة وکسبهم الوفیر بالغش والبخس والفساد.

فی بدایة القصّة تقول الآیات (وإلى مدین أخاهم شعیب) وکلمة «أخاهم» کما أشرنا إلیها سابقاً تستعمل فی مثل هذا التعبیر لبیان منتهى المحبّة من قِبَل الأنبیاء لقومهم، لا لأنّهم أفراد قبیلته وقومه فحسب، بل إضافةً إلى ذلک فإنّه یرید الخیرَ لهم، ویتحرّق قلبه علیهم، فمثله مثل الأخ الودود.

و«مدین» على وزن «مریم» اسم لمدینة شعیب وقبیلته، وتقع المدینة شرق خلیج العقبة، وأهلها من أبناء إسماعیل، وکانوا یتاجرون مع أهل مصر ولبنان وفلسطین.

ویطلق الیوم على مدینة «مدین» اسم «معّان» ولکن بعض الجغرافیین أطلقوا اسم مدین على الساکنین بین خلیج العقبة وجبل سیناء.

وورد فی التوراة أیضاً اسم «مدیان» ولکن تسمیة لبعض القبائل، وطبیعی أنّ اطلاق الاسم على المدینة وأهلها أمر رائج (1) .

هذا النّبی وهذا الأخ الودود المشفق على قومه ـ کأی نبیّ فی اُسلوبه وطریقته فی بدایة الدعوة ـ دعاهم أوّلا إلى ما هو الأساس والعماد والمعتقد وهو «التوحید» وقال: (یا قوم اعبدوا الله ما لکم من إله غیره).

لأنّ الدعوة إلى التوحید دعوة إلى هزیمة جمیع «الطواغیت» والسُنَن الجاهلیة ولا یتیسر أیّ إصلاح اجتماعی أو أخلاقی بدونه.

ثمّ أشار إلى أحد المفاسد الاقتصادیة التی هی من افرازات عبادة الأصنام والشرک، وکانت رائجة عند أهل مدین یومئذ جدّاً، وقال: (ولا تنقصوا المکیال والمیزان) أی حال البیع والشراء.

و«المکیال» و«المیزان» من ادوات الوزن یعرف بهما وزن المبیع ومقداره، ونقصانه یعنی عدم إیفاء حقوق الناس والبخس فی البیع.

ورواج هذین الأمرین بینهم یدل على عدم النظم والحساب والمیزان فی أعمالهم ونموذجاً للظلم والجور والإجحاف فی ذلک المجتمع الثری.

ویشیر هذا النّبی العظیم بعد هذا الأمر إلى علّتین:

العلّة الاُولى: هی قوله (إنّی أراکم بخیر).

یقول إنّ قبول نصحی یکون سبباً لتفتح أبواب الخیر علیکم وتقدیم التجارة وهبوط سطح القیمة واستقرار المجتمع.

ویحتمل أیضاً فی تفسیر هذه الجملة (إنّی أراکم بخیر) أنّ شعیباً یقول لهم: إنّی أراکم منعمین وفی خیر کثیر، فعلى هذا لا مدعاة لعبادة الأصنام وإضاعة حقوق الناس والکفر بدلا من الشکر على نعم الله سبحانه.

والعلّة الثانیة: (وإنّی أخاف علیکم عذاب یوم محیط) بسبب إصرارکم على الشرک والتطفیف فی الوزن وکفران النعمة... الخ.

وکلمة «محیط» جاءت صفة لیوم، أی یوم شامل ذو إحاطة، وشمول الیوم یعنی شمول العذاب والعقاب فی ذلک الیوم، وهذا التعبیر فیه إشارة إلى عذاب الآخرة کما یشیر إلى عقاب الدنیا الشامل.

فعلى هذا لا أنتم بحاجة إلى مثل هذه الأعمال، ولا ربّکم غافل عنکم، فینبغی اِصلاح أنفسکم عاجلا.

والآیة الاُخرى تؤکّد على نظامهم الاقتصادی، فإذا کان شعیب قد نهى قومه عن قلّة البیع والبخس فی المکیال، فهنا یدعوهم إلى إیفاء الحقوق والعدل والقسط حیث یقول: (ویا قوم أوفوا المکیال والمیزان بالقسط).

ویجب أن یحکم هذا الأصل «وهو اقامة القسط والعدل، وإعطاء کل ذی حقّ حقه» على مجتمعکم بأسره.

ثمّ یخطو خطوة أوسع ویقول: (ولا تبخسوا الناس أشیاءهم) و«البخس» معناه فی اللغة التقلیل، وجاء هنا بمعنى الظلم أیضاً، ویطلق على الأراضی المزروعة دون سقی «إنّها بخس» لأنّ ماءها قلیل، حیث تعتمد على ماء المطر فحسب، أو أنّ هذه الأراضی قلیلة الإنتاج بالنسبة إلى الأراضی الزراعیة الاُخرى.

وإذا توسّعنا فی معنى هذه الکلمة ومفهوم الجملة وجدناها دعوة إلى رعایة جمیع الحقوق الفردیة والاجتماعیة ولجمیع الملل والنحل، ویظهرُ «بخس الحق» فی کل محیط وعصر وزمان بشکل معین حتى بالمساعدة دون عوض أحیاناً، والتعاون وإعطاء قرض معین (کما هی طریقة المستعمرین فی عصرنا).

ونجد فی نهایة الآیة أنّ شعیباً یخطو خطوةً اُخرى أوسع ویقول لقومه: (ولا تعثوا فی الأرض مفسدین).

فالفساد یقع عن طریق البیع ویقع عن طریق غصب حقوق الناس والإعتداء على حقوق الآخرین، والفساد أیضاً یقع فی الإخلال بالموازین والمقاییس الاجتماعیّة، ویقع أیضاً ببخس الناس أشیاءهم وأموالهم، وأخیراً یقع الفساد على الحیثیات بالإعتداء على حرمتها وعلى النوامیس وأرواح الناس.

وجملة (لا تعثو) معناها «لا تفسدوا» بدلالة ذکر «مفسدین» بعدها لمزید التوکید على هذا الموضوع.

إنّ الآیتین المتقدمتین تعکسان هذه الواقعیة بجلاء، وهی أنّه بعد الإعتقاد بالتوحید والنظر الفکری الصحیح، یُنظر إلى الاقتصاد السلیم بأهمّیة خاصّة، کما تدلاّن على أنّ الإخلال بالنظام الاقتصادی سیکون أساساً للفساد الوسیع فی المجتمع.

ثمّ یخبرهم أنّ زیادة الثروة ـ التی تصل إلى أیدیکم عن طریق الظلم واستثمار الآخرین ـ لیست هی السبب فی غناکم، بل ما یغنیکم هو (بقیّت الله خیر لکم إنّ کنتم مؤمنین).

التعبیر ب(بقیة الله) إمّا لأنّ الربح الحلال القلیل المترشح عن أمر الله فهو «بقیة الله» وإمّا لأنّ الحصول على الرزق الحلال باعث على دوام نعم الله وبقاء البرکات... وإمّا لأنّه یشیر إلى الجزاء والثواب المعنوی الذی یبقى إلى الأبد، فإنّ الدنیا فانیة وما فیها لا محاله فان، وتشیر الآیة 46 من سورة الکهف: (والباقیات الصالحات خیر عند ربّک ثواباً وخیر أمل) إلى هذا المضمون أیضاً، والتعبیر بقوله: (إنّ کنتم مؤمنین) إشارة إلى أنّ هذه الواقعیة لا یعرفها إلاّ المؤمنون بالله وحکمته وفلسفة أوامره.

ونقرأ فی روایات متعددة فی تفسیر (بقیت الله) أنّ المراد بها وجود المهدی عجل الله فرجه الشریف، أو بعض الأئمّة الآخرین، (2) ومن هذه الرّوایات ما نقل عن الإمام الباقر (علیه السلام)فی کتاب إکمال الدین:

«أوّل ما ینطق به القائم (علیه السلام) حین یخرج هذه الآیة (بقیت الله خیر لکم إنّ کنتم مؤمنین) ثمّ یقول: أنا بقیة الله وحجّته وخلیفته علیکم، فلا یسلّم علیه مسلم إلاّ قال: السّلام علیک یا بقیة الله فی أرضه» (3) .

وقد قلنا مراراً إنّ آیات القرآن بالرغم من نزولها فی موارد خاصّة، إلاّ أنّها تحمل مفاهیم جامعة وکلیة، بحیث یمکن أن یکون لها مصداق فی العصور والقرون التالیة وتنطبق على مجال أوسع أیضاً.

صحیح أنّ المخاطبین فی الآیة المتقدمة هم قوم شعیب، والمراد من (بقیت الله) هو الربح ورأس المال الحلال أو الثواب الإلهی، إلاّ أنّ کل موجود نافع باق من قبل الله للبشریة، ویکون أساس سعادتها وخیرها یعدّ (بقیت الله) أیضاً.

فجمیع أنبیاء الله ورسله المکرمین هم (بقیت الله) وجمیع القادة المصلحین الذین یبقون بعد الجهاد المریر فی وجه الأعداء فوجودهم فی الاُمّة یُعدّ (بقیت الله) وکذلک الجنود المقاتلون إذا عادوا إلى ذویهم من میدان القتال بعد انتصارهم على الأعداء فهم «بقیة الله» ومن هنا فإنّ «المهدی الموعود» (علیه السلام) آخر إمام وأعظم قائد ثوری بعد النّبی (صلى الله علیه وآله) من أجلى مصادیق (بقیت الله) وهو أجدر من غیره بهذا اللقب، خاصّة أنّه الوحید الذی بقی بعد الأنبیاء والأئمّة (علیهم السلام).

وفی نهایة الآیة ـ محل البحث ـ نقرأ على لسان شعیب (وما أنا علیکم بحفیظ) إذ وظیفته هی البلاغ ولیس مسؤولا على «إجبار» أحد أبداً.


1. أعلام القرآن، ص 573.
2. اصول الکافى، ج 1، ص 411، ح 2; وبحارالانوار، ج 10، ص 153 و154، ح 3.
3. نقلا عن تفسیر الصافی، ذیل الآیة مورد البحث; وبحارالانوار، ج 24، ص 212.
سورة هود / الآیة 84 ـ 86 سورة هود / الآیة 87 ـ 90
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma