التّفسیر

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 6
سورة هود / الآیة 74 ـ 76 سورة هود / الآیة 77 ـ 80

رأینا فی الآیات السابقة أنّ إبراهیم عرف فوراً أنّ أضیافه الجدد لم یکونوا أفراداً خطرین أو یخشى منهم، بل کانوا (رسل الله) على حد تعبیرهم، لیؤدوا وظیفتهم التی اُمروا بها فی قوم لوط.

ولمّا ذهب الهلع والخوف عن إبراهیم من اُولئک الأضیاف، ومن ناحیة اُخرى فقد بشروه بالولید السعید، شرع فوراً بالتفکیر فی قوم لوط الذین اُرسل إلیهم هؤلاء الرُسل «الملائکة» فأخذ یجادلهم ویتحدث معهم فی أمرهم (فلمّا ذهب عن إبراهیم الرّوع وجاءته البشرى یجادلنا فی قوم لوط) (1) .

وهنا یمکن أن ینقدح هذا السؤال، وهو: لِمَ تباحث إبراهیم (علیه السلام) مع رسل الله وجادلهم فی قوم آثمین ظالمین ـ کقوم لوط ـ وقد اُمروا بتدمیرهم، فی حین أنّ هذا العمل لا یتناسب مع نبیّ، خاصّة إذا کان إبراهیم (علیه السلام) فی عظمته وشأنه؟

لهذا فإنّ القرآن یعقّب مباشرة فی الآیة عن شفقة إبراهیم وتوکله على الله فیقول: (إنّ إبراهیم لحلیم أواه منیب) (2) .

فی الواقع هذه الکلمات الثلاث المجملة جواب على السؤال المشار إلیه آنفاً. وتوضیح ذلک: إنّ هذه الصفات المذکورة لإبراهیم تشیر إلى أنّ مجادلته کانت ممدوحة، وذلک لأنّ إبراهیم لم یتّضح له أنّ أمر العذاب صادر من قبل الله بصورة قطعیة، بل کان یحتمل أنّه لا یزال لهم حظ فی النجاة، ویحتمل أنّهم سیرتدون عن غیهم ویتّعظون، ومن هنا فما زال هناک مجال للشفاعة لهم... فکان راغباً فی تأخیر العذاب والعقاب عنهم، لأنّه کان حلیماً، ومشفقاً وأوّاهاً ومنیباً إلى الله.

فما ذکره البعض - من أنّ مجادلة إبراهیم إذا کانت مع الله فلا معنى لها، وإذا کانت مع رسله فهم أیضاً لا یستطیعون أن یفعلوا شیئاً من أنفسهم، فعلى کل حال فالمجادلة هذه غیر صحیحة ـ مجانب للصواب، لأنّه لا کلام فی الحکم القطعی، أمّا لو کان الحکم غیر قطعی فمع تغییر الظروف وتبدل الأوضاع یمکن تغییره، لأنّ طریق الرجوع لا زال مفتوحاً، وبتعبیر آخر: فإنّ الاوامر فی هذه الحالة مشروطة لا مطلقة.

وأمّا من احتمل أنّ المجادلة کانت مع الرسل فی شأن نجاة المؤمنین، واستشهدوا على هذا القول بالآیتین 31 و32 من سورة العنکبوت (ولمّا جاءت رسلنا إبراهیم بالبشرى قالوا إنّا مهلکوا أهل هذه القریة إنّ أهلها کانوا ظالمین * قال إنّ فیها لوطاً قالوا نحن أعلم بمن فیها لننجینّه وأهله إلا امرأته کانت من الغابرین).

فهذا الاحتمال غیر صحیح أیضاً، ولا ینسجم مع الآیة التی تأتی بعدها حیث تقول الآیة التالیة: إنّ الرسل قالوا لإبراهیم ـ مباشرةً ـ أن أعرض عن اقتراحِک لأنّ أمر ربّک قد تحقق والعذاب نازل لا محالة.

(یا إبراهیم اعرض عن هذا إنّه قد جاء أمر ربّک وإنّهم آتیهم عذاب غیر مردود).

والتعبیر بـ«ربّک» لایدل على أنّ هذا العذاب خال من الطابع الانتقامی فحسب، بل یدل أیضاً على أنّه علامة لتربیة العباد وإصلاح المجتمع الإنسانی.

وما نقرؤه فی بعض الرّوایات أنّ إبراهیم (علیه السلام) قال لرسل الله: إذا کان بین هؤلاء القوم مئة مؤمن فهل یعذب المؤمنون؟ قالوا: لا. فقال: إذا کان بینهم خمسون مؤمناً؟ فقالوا: لا أیضاً. قال: فإذا کان بینهم ثلاثون مؤمناً؟ قالوا: لا. قال: فإذا کان بینهم عشرة؟ قالوا: لا. قال: فإذا کان بینهم خمسة؟ قالوا: لا. قال: فإذا کان بینهم مؤمن واحد؟ قالوا: لا. قال: فإنّ فیها لوطاً. قالوا: نحن أعلم بمن فیها لننجینه وأهله إلا امرأته (3) ... الخ.

فمثل هذه الرّوایة لا تدل بوجه مطلق على أنّ المجادلة اقتصرت على هذا الکلام; بل کان ذلک منه بالنسبة إلى المؤمنین، وهو شیء آخر غیر مجادلته عن الکفّار. ومن هنا یتّضح أنّ الآیات التی وردت فی سورة العنکبوت لا تنافی هذا التّفسیر أیضاً «فتدبّر».


1. کلمة «رَوْع» على وزن «نَوع» معناها «الخوف والوحشة» وکلمة «رُوْع» على وزن «نوح» معناها «الروح» أو قسم منها الذی هو محل الخوف ومرکزه، لمزید الإیضاح تراجع المعاجم اللغویة.
2. «الحلیم» مشتق من «الحلم» وهو: «الأناة» و«الصبر» فی سبیل الوصول إلى هدف مقدّس، «والأوّاه» فی الأصل: کثیر التحسّر والآه سواء من الخوف من المسؤولیة التی یحملها أو من المصائب، والمنیب من الإنابة أی الرجوع.
3. راجع تفسیر البرهان، ج 2، ص 226; اصول الکافی، ج 5، ص 546، ح 6.
سورة هود / الآیة 74 ـ 76 سورة هود / الآیة 77 ـ 80
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma