قصّة نوح المثیرة مع قومه:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 6
سورة هود / الآیة 25 ـ 28 سورة هود / الآیة 29 ـ 31

تقدم أنّ هذه السورة تحمل بین ثنایاها قصص الأنبیاء السابقین وتاریخهم، وذلک لإیقاظ أفکار المنحرفین والإلتفات إلى الحقائق وبیان العواقب الوخیمة للمفسدین الفجّار. وأخیراً بیان طریق النصر والموفقیة.

فی البدایة تذکر قصّة نوح (علیه السلام)، وهو أحد الأنبیاء أولی العزم، وضمن 26 آیة تُرسم النقاط الأساسیة لتاریخه المثیر ..

ولا شک أنّ قصّة جهاد نوح (علیه السلام) المتواصل للمستکبرین فی عصره، وعاقبتهم الوخیمة، واحدة من العبر العظیمة فی تأریخ البشریة، والتی تتضمن دروساً هامّة فی کل واقعة منها...

والآیات المتقدمة تبیّن بدایة هذه الدعوة العظیمة فتقول: (ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه إنّی لکم نذیر مبین).

التأکید على مسألة الإنذار، مع أنّ الأنبیاء کانوا منذرین ومبشرین فی الوقت ذاته لأنّ الثورة ینبغی أن تبدأ ضرباتها بالإنذار وإعلام الخطر، لأنّه أشدّ تأثیراً فی إیقاظ النائمین والغافلین من البشارة.

والإنسان عادةً إذا لم یشعر بالخطر المحدق به فإنّه یفضل السکون على الحرکة وتغییر المواقع. ولذلک فقد کان إنذار الأنبیاء وتحذیرهم بمثابة السیاط على افکار الضالیّن ونفوسهم، فتؤثر فیمن له القابلیة والإستعداد للهدایة على التحرک والاتجاه الى الحق.

ولهذا السبب ورد الإعتماد على الإنذار فی آیات کثیرة من القرآن، کما فی الآیة 49 من سورة الحج، والآیة 115 من سورة الشعراء، والآیة 50 من سورة العنکبوت، والآیة 42 من سورة فاطر، والآیة 70 من سورة ص ، والآیة 9 من سورة الأحقاف، والآیة 50 من سورة الذاریات، وآیات اُخرى کلها تعتمد على کلمة «نذیر» فی بیان دعوة الأنبیاء لاُممِهم.

وفی الآیة الاُخرى یُلخّص محتوى رسالته فی جملة واحدة ویقول: رسالتی هی (أن لا تعبدوا إلاّ الله) ثمّ یعقب دون فاصلة بالإنذار والتحذیر مرّة اُخرى (إنّی أخاف علیکم عذاب یوم ألیم) (1) .

فی الحقیقة أن مسألة التوحید والعبودیة لله الواحد الأحد هی أساس دعوة الأنبیاء جمیعاً. فنحن نقرأ فی الآیة الثّانیة من هذه السورة، والآیة 40 من سورة یوسف (علیه السلام) والآیة 23 من سورة الإسراء... نقرأ فی هذه الآیات وأمثالها فی الحدیث عن الأنبیاء أن دعوتهم جمیعاً تتلخص فی توحید الله سبحانه.

فإذا کان جمیع أفراد المجتمع موحدّون ولایعبدون إلاّ الله، ولا ینقادون للأوثان الوهمیة الخارجیة منها والداخلیة من قبیل الأنانیة والهوى والشهوات والمقام والجاه والنساء والبنین فلا یبقى أثر للسلبیات والخبائث فی المجتمع البشری.

فإذا لم یصنع الشخص الضعیف من ضعفه هذا صنماً لیسجد له ویتبع أمره، فلا استکبار حینئذ ولا استعمار، ولا آثارهما الوخیمة من قبیل الذل والأسر والتبعیة والمیول المنحرفة وأنواع الشقاء بین أفراد المجتمع، لأنّ کل هذه الاُمور ولیدة الانحراف عن عبادة الله والتوجه نحو الأصنام والطواغیت.. فلننظر الآن أوّل ردّ فعل من قبل الطواغیت واتباع الهوى والمترفین وامثالهم إزاء إنذار الأنبیاء، کیف کان وماذا کان؟!

لاشک أنّه لم یکن سوى حفنةً من الأعذار الواهیة والحجج الباطلة والأدلة الزائفة التی تعتبر دیدن جمیع الجبابرة فی کل عصر وزمان، فقد أجاب اُولئک دعوة نوح بثلاثة إشکالات:

الأوّل: إنّ الأشراف والمترفین من قوم نوح (علیه السلام) قالوا له أنت مثلنا ولا فرق بیننا وبینک: (فقال الملأ الذین کفروا من قومه ما نراک إلاّ بشراً مثلن) زعماً منهم أنّ الرسالة الإلهیّة ینبغی أن تحملها الملائکة إلى البشر لا أنّ البشر یحملها إلى البشر! وظنّاً منهم أنّ مقام الإنسان أدنى من مقام الملائکة، أو أنّ الملائکة تعرف حاجات الإنسان أکثر منه.

نلاحظ هنا کلمة «الملأ» التی تشیر إلى أصحاب الثروة والقوة الذین یملأ العین ظاهرهم، فی حین أنّ الواقع أجوف. ویشکلون أصل الفساد والانحراف فی کل مجتمع، ویرفعون رایة العناد والمواجهة أمام دعوة الأنبیاء (علیهم السلام).

والثّانی: إنّهم قالوا: یانوح; لا نرى متبعیک ومن حولک إلاّ حفنةً من الأراذل وغیر الناضجین الذین لم یسبروا مسائل الحیاة: (وما نراک اتّبعک إلاّ الذین هم أراذلنا بادی الرأی).

و«الأراذل» جمع لـ «أرذل» وتأتی أیضاً جمع لـ «رذل» التی تعنی الموجود الحقیر، سواء کان إنساناً أم شیئاً آخر غیره.

وبالطبع فإنّ الملتفین حول نوح (علیه السلام) والمؤمنین به لم یکونوا أراذل ولا حقراء، ولکن بما أنّ الأنبیاء ینهضون للدفاع عن المستضعفین قبل کل شیء، فأوّل جماعة یستجیبون لهم ویلبّون دعوتهم هم الجماعة المحرومة والفقیرة، ولکن هؤلاء فی نظر المستکبرین الذین یعدّون معیار الشخصیّة، القوة والثروة فحسب یحسبونهم أراذل وحقراء..

وإنّما سمّوهم بـ «بادی الرأی» أی الذین یعتمدون على الظواهر من دون مطالعة ویعشقون الشیء بنظرة واحدة، ففی الحقیقة کان ذلک بسبب أنّ اللجاجة والتعصب لم یکن لها طریق إلى قلوب هؤلاء الذین التفوا حول نوح (علیه السلام) لأنّ معظمهم من الشباب المطهرة قلوبهم الذین یحسّون بضیاء الحقیقة فی قلوبهم، ویدرکون بعقولهم الباحثة عن الحق دلائل الصدق فی أقوال الأنبیاء (علیهم السلام) وأعمالهم.

والثّالث: الذی أوردوه على نوح (علیه السلام) أنّهم قالوا: بالاضافة إلى أنّک إنسان ولست ملکاً، وأنّ الذین آمنوا بک والتفوا حولک هم من الأراذل، فإنّنا لا نرى لکم علینا فضلا (وما نرى لکم علینا من فضل بل نظنّکم کاذبین).

والآیات التی تعقبها تبیّن ردّ نوح (علیه السلام) وإجاباته المنطقیة على هؤلاء حیث تقول: (قال یا قوم أرأیتم إن کنت على بیّنة من ربّی وآتانی رحمة من عنده فعمّیت علیکم).

وقد اختلف المفسّرون فی جواب نوح (علیه السلام) هذا لأی من الإشکالات الثّلاثة هو؟ ولهم فی ذلک أقوال.. ولکن مع التدبر فی الآیة یتّضح أنّ هذا الجواب یمکن أن یکون جواباً للإشکالات الثلاثة بأسرها.

لأنّ أوّل إشکال أوردوه على نوح هو: لِمَ کنت إنساناً مثلنا ولم تکن ملکاً؟ فکان جوابه لهم: صحیح أنّنی بشر مثلکم، ولکن الله آتانی رحمة وبیّنة ودلیلا واضحاً من عنده، فلا تمنع بشریّتی هذه من اداء هذه الرسالة العظیمة، ولا ضرورة لأن أکون ملکاً.

والإشکال الثّانی هو: أنّ أتباع نوح مخدوعون بالظواهر. فیردّهم بالقول: إنّکم أحق بهذا الإتهام، لأنّکم أنکرتم هذه الحقیقة المشرقة، وعندی أدلّة کافیة ومقنعة لکلّ من یطلب الحقیقة، إلاّ أنّها خفیت علیکم لغرورکم وتکبرکم وأنانیتکم!

والاشکال الثّالث: أنّهم قالوا: (وما نرى لکم علینا من فضل) فکان جواب نوح (علیه السلام): أی فضل أعظم من أن یشملنی الله برحمته، وأن یجعل الدلائل الواضحة بین یدی، فعلى هذا لا دلیل لکم على اتهامی بالکذب، فدلائل الصدق عندی واضحة وجلیّة! ..

وفی ختام الآیة یقول النّبی نوح (علیه السلام) لهم: هل أستطیع أن ألزمکم الإستجابة لدعوتی وأنتم غیر مستعدّین لها وکارهون لها: (أنلزمکموها وأنتم لها کارهون).


1. مع أنّ الألیم صفة للعذاب عادة، ولکن فی الآیة السابقة وقع صفةً لـ «یوم»، وهذا نوع من الإسناد المجازی اللطیف الذی نجده فی مختلف اللغات فی أدبیاتها.
سورة هود / الآیة 25 ـ 28 سورة هود / الآیة 29 ـ 31
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma