تقسیم الأرزاق والسعی من أجل الحیاة:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 6
بحوث سورة هود / الآیة 7

هناک أبحاث مهمّة فی مسألة «الرزق»، ونأخذ بنظر الاعتبار ـ هنا ـ قسماً منها:

1 «الرزق» ـ کما قلنا آنفاً ـ یعنی فی اللغة العطاء المستمر والدائم، وهو أعم من أن یکون رزقاً مادیّاً أو معنویاً... فعلى هذا کل ما یکون فیه نصیب للعباد من قبل الله وینتفعون منه ـ من مواد غذائیة ومسکن وملبس أو علم وعقل وفهم وإیمان وإخلاص ـ یسمى رزقاً، ومن ظنّ أن مفهوم الرزق خاص بالجوانب المادّیة لم یلتفت إلى موارد استعماله فی القرآن الکریم بدقة... فالقرآن یتحدث عن الشهداء فی سبیل الله بأنّهم... (أحیاء عند ربّهم یرزقون) (1) .

وواضح أنّ رزق الشهداء ـ فی عالم البرزخ ـ لیس نعماً مادیة، بل هو عبارة عن المواهب المعنویة التی یصعب علینا تصوّرها فی هذه الحیاة المادیة.

مسألة تأمین الحاجات بالنسبة للموجودات الحیة ـ وبتعبیر آخر تأمین رزقها ـ من المسائل المثیرة التی تنکشف أسرارها بمرور الزمان وتَقدُّم العلم... وتظهر کل یوم میادین جدیدة تدعو للتعجب والدهشة.

کان العلماء فی الماضی یتساءلون فیما لو کان فی أعماق البحار موجودات حیّة، فمن أین یتم تأمین غذائها؟! إذْ أنّ أصل الغذاء یعود إلى النباتات والحشائش، وهی تحتاج إلى نور الشمس، ولکن على عمق 700 متر فصاعداً لا وجود لنور الشمس أبداً، بل لیل أبدی مظلم یلقی ظلاله ویبسط أسداله هناک.

ولکن اتّضح بتقدم العلم أنّ نور الشمس یُغذّی النباتات المجهریة فی سطح الماء وبین الأمواج، وحین تبلغ مرحلة النضج تهبط إلى أعماق البحر کالفاکهة الناضجة، وتنضم إلى الأرزاق الإلهیّة للاحیاء فی تلک الاعماق، مائدة نعمة الله للموجودات الحیة تحت الماء !

ومن جهة اُخرى فهناک طیور کثیرة تتغذى من أسماک البحر، منها طیور تطیر فی اللیل وتهبط إلى البحر کالغواص الماهر وعن طریق أمواج راداریة خاصّة تخرج من آنافها تعرف صیدها وتصطاده بمنقارها.

ورزق بعض أنواع الطیور یکون مُدّخراً بین ثنایا أسنان حیوانات بحریة کبیرة هذا النوع من الحیوانات بعد أن یتغذى من حیوانات البحر، تحتاج أسنانه إلى «منظف طبیعی» فیأتی إلى ساحل البحر ویفتح فمه الواسع فتدخل هذه الطیور التی اُدّخر رزقها فی فم هذا الحیوان الضخم ـ دون وحشة ولا اضطراب ـ وتبحث عن رزقها بین ثنایا أسنان هذا الحیوان الکبیر، فتملأ بطونها من جهة، وتریح الحیوان الذی تزدحم بین أسنانه «هذه الفضلات» من جهة اُخرى... وحین تخرج الطیور وتطیر فی الفضاء یطبق هذا الحیوان البحری فمه بکل هدوء ویعود إلى أعماق البحر.

طریقة إیصال الرزق من الله تعالى إلى الموجودات المختلفة مذهلة ومحیرة حقّاً. من الجنین الذی یعیش فی بطن اُمّه ولا یعلم أحد من أسراره شیئاً، إلى الحشرات المختلفة التی تعیش فی طیّات الأرض، وفی الأشجار وعلى قمم الجبال أو فی أعماق البحر، وفی الأصداف... جمیع هذه الموجودات یتکفل الله برزقها ولا تخفى على علمه، وکما یقول القرآن (... على الله رزقها ویعلم مستقرّها ومستودعه).

الطریف فی الآیات آنفة الذکر أنّها تعِّبُر عن الموجودات التی تطلب الرزق بـ «الدّابّة» وفیها إشارة لطیفة إلى العلاقة بین موضوع «الطاقة» و«الحرکة». ونعلم أنّه حیثما تکن حرکة فلابدّ لها من طاقة، أی ما یکون منشأً للحرکة، والقرآن الکریم یبیّن ـ فی الآیات محل البحث ـ أنّ الله یرزق جمیع الموجودات المتحرکة، وإذا ما توسعنا فی معنى الحرکة فإنّ النباتات تندرج فی هذا الأمر أیضاً، لأنّ للنباتات حرکة دقیقة وظریفة فی نموها، ولهذا عدّوا فی الفلسفة الاسلامیة موضوع «النمو» واحداً من أقسام الحرکة...

هل أنّ رزق کلّ أحد مقدر ومعین من أوّل عمره إلى آخره، وهل أنّه یصل إلیه شاء أم أبى؟! أم أنّ علیه أن یسعى فی طلبه؟

یظنّ بعض الأفراد السذّج استناداً إلى الآیة آنفة الذکر، وإلى بعض الرّوایات التی تذکر أنّ الرزق مقدر ومعین، أنّه لا داعی للسعی من أجل الرزق والمعاش، فإنّه لابدّ من وصول الرزق، ویقول بکل بساطة: إنّ من خلق الأشداق قدّر لها الأرزاق.

إنّ سلوک مثل هؤلاء الأفراد الذین لاحظّ لهم من المعرفة الدینیة یعطی ذریعة إلى الأعداء حیث یدّعون أنّ الدین أحد عوامل الرکود الاقتصادی وتقبل الحرمان وإماتة النشاطات الإیجابیّة فی الحیاة، فیقول مثلا: إذا لم تکن الموهبة الفلانیة من نصیبی فإنّها لم تکن من رزقی قطعاً... فلو کانت من نصیبی لوصلتنی حتماً من دون تکلف عناء الکسب. وبهذا یستغل المستعمرون هذه الفرصة لیحرموا الکثیر من الخلق التمتع بأسباب الحیاة فی حین أنّ أقل معرفة بالقرآن والأحادیث الإسلامیة تکفی فی بیان أنّ الإسلام یعدّ أساس أی استفادة مادیة ومعنویة للإنسان هو السعی والجد والمثابرة، حتى أنّنا نجد فی القرآن جملة بمثابة الشعار لهذا الموضوع، وهی الآیة الکریمة (لیس للإنسان إلاّ ماسعى). (2)

وکان أئمّة المسلمین ـ ومن أجل أن یسنّوا للآخرین نهجاً یسیرون علیه ـ یعملون فی کثیر من المواقع أعمالا صعبة ومجهدة.

والأنبیاء السابقون ـ أیضاً ـ لم یُستثنوا من هذا القانون، فکانوا یعملون على الاکتساب، من رعی الأغنام إلى الخیاطة إلى نسج الدروع إلى الزراعة. فإذا کان مفهوم الرزق من الله أن نجلس فی البیت وننتظر الرزق، فما کان ینبغی للأنبیاء والأئمّة ـ الذین هم أعرف بالمفاهیم الدینیة ـ أن یسعوا هذا السعی إلى الرزق!

وعلى هذا نقول: إنّ رزق کل أحد مقدّر وثابت، إلاّ أنّه مشروط بالسعی والجد، وإذا لم یتوفر الشرط لم یحصل المشروط. وهذا کما نقول: إن لکلّ فرد أجلا ومدّة من العمر، ولکن من المسلم والطبیعیّ أن مفهوم هذا الکلام لا یعنی أنّ الإنسان حتى لو أقدم على الانتحار أو أضرب عن الطعام فإنّه سیبقى حیّاً إلى أجل معیّن !! إنّما مفهوم هذا الکلام أن للبدن إستعداداً للبقاء إلى مدّة معینة ولکن بشرط أن یراعی الظروف الصحیّة وأن یبتعد عن الأخطار، وأن یجنّب نفسه عمّا یکون سبباً فی تعجیل الموت.

المسألة المهمّة فی هذا المجال أنّ الآیات والرّوایات المتعلقة بتقدیر الرزق ـ فی الواقع ـ بمثابة الکابح للاشخاص الحریصین وعبّاد الدنیا الذین یلجون کل باب، ویرتکبون أنوا ع الظلم والجنایات، ویتصورون أنّهم إذا لم یفعلوا ذلک لم یؤمّنوا حیاتهم!

إنّ آیات القرآن والأحادیث الإسلامیة تحذر هذا النمط من الناس ألاّ یمدّوا أیدیهم وأرجلهم عبثاً، وألاّ یطلبوا الرزق من طرق غیر مشروعة ولا معقولة، بل یکفی أن یسعوا لتحصیل الرزق عن طریق مشروع، والله سبحانه یضمن لهم الرزق فالله الذی لم ینسهم فی ظلمة الرحم.

الله الذی تکفّل رزقهم أیّام الطفولة حیث هیأ لهم أثداء الأمّهات.

الله الذی جعل الأب یسعى من الصباح إلى اللیل لیهیء لهم الغذاء بکل عطف وشفقة ـ بعد أن أنهوا مرحلة الرضاعة ـ وهو مسرور بالتعب من أجلهم...

أجل، هذا الرّب الرحیم کیف یمکن أن ینسى الإنسان إذا ما کبر ووجد القدرة على العمل والکسب.

تُرى هل یجیز الإیمان والعقل أن یلجأ الإنسان إلى الظلم والإثم والتجاوز على حقوق الآخرین ویحرص على غصب حقوق المستضعفین بمجرّد أنّه یظن عدم توفر رزقه؟

وبالطبع لا یمکن أن ننکر أنّ بعض الأرزاق تصل إلى الإنسان سعى لها أم لم یسع. فهل یمکن أنّ ننکر أنّ نور الشمس یضیء فی بیتنا من دون سعینا، وأنّ المطر والهواء یصلان إلینا دون سعی منّا؟

وهل یمکن أن ننکر أنّ العقل والفکر والاستعداد المذخور فینا من أوّل یوم وجودنا لم یکن بسعینا؟!

ولکن هذه المواهب التی تنقلها إلینا الریح ـ کما یقال ـ أو بتعبیر أصحّ هذه المواهب التی وصلتنا بلطف الله ومن دون سعینا، إذا لم نحافظ علیها بالجد والسعی بطریقة صحیحة فستضیع من أیدینا، أو أنّها ستبقى بلا أثر!

هناک کلام معروف منقول عن الإمام علی (علیه السلام) فی شأن الرزق فیقول «واعلم یا بنی أن الرزق رزقان، رزق تطلبه ورزق یطلبک» (3) وفی هذا الکلام إشارة إلى هذه الحقیقة.

کما لا ینکر أنّ بعض موارد الرزق لا یأتی تبعاً لشیء ظاهر وملموس، بل یصلنا على أثر سلسلة من الإتفاقات والمصادفات، هذه الحوادث وإن کانت فی نظرنا مصادفات، إلاّ أنّها فی الواقع وفی نظام الخلق قائمة على حساب دقیق، ولاشک أنّ حساب هذا النوع من الرزق منفصل عن الأرزاق التی تأتی تبعاً للجد والسعی، والکلام آنف الذکر یمکن أن یشیر إلى هذا المطلب أیضاً.

ولکن على کل حال ـ فإن النقطة الأساسیة هنا أنّ جمیع التعالیم الإسلامیة تأمرنا أن نسعى أکثر فأکثر لتأمین نواحی الحیاة المادیة والمعنویة، وأنّ الفرار من العمل ـ بزعم أنّ الرزق مقسوم وأنّه آت لا محالة ـ غیر صحیح! ..

فی الآیات المتقدمة ـ التی هی محل البحث ـ إشارة إلى «الرزق» فحسب، وبعدها ببضعة آیات یأتی التعبیر عن التائبین والمؤمنین ویشار فیها إلى «المتاع الحسن».

وبالموازنة والمقارنة بین هذین الأمرین یدلنا هذا الموضوع على أنّ الرزق معدّ لکل دابّة من إنس وحشرات وحیوانات مفترسة... الخ. وللمحسنین والمسیئین جمیعاً!... إلاّ أنّ «المتاع الحسن» والمواهب الجدیرة والثمینة خاصّة بالمؤمنین الذین یطهرون أنفسهم من کل ذنب وتلوّث بماء التوبة، ویتمتعون بنعم الله فی مسیر طاعته، لا فی طریق الهوى والهوس!


1. آل عمران، 169.
2. النجم، 39.
3. نهج البلاغة، الرسالة 31.
بحوث سورة هود / الآیة 7
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma