1ـ من الممکن أن یُتصور فی البدایة أنّ هناک تنافیاً وتضاداً بین الآیة الاُولى والثّانیة، إذ أنّ الآیة الاُولى تقول: إنّ الله لا یجبر أحداً على الإیمان، فی حین أن الآیة الثّانیة تقول: إنّ أحداً لایمکن أن یؤمن حتى یأذن الله!
إلاّ أنّ التنبه إلى نکتة واحدة یرفع هذا التضاد الظاهری، وهی أنّنا نعتقد بأنّ الجبر غیر صحیح، کما أنّ التفویض غیر صحیح أیضاً، أی إنّ الناس لیسوا مجبورین تماماً على أعمالهم، ولا هم متروکون وأنفسهم یعملون مایشاؤون، بل إنّهم فی الوقت الذی یکونون فیه أحراراً فی الإرادة، فإنّهم فی حاجة للمعونة الالهیّة، لأنّ الله سبحانه هو الذی یعطیهم حریة الإرادة، فالعقل والوجدان الطاهر هما من مواهبه وعطایاه، وإرشاد الأنبیاء وهدایة الکتب السماویة من جانبه أیضاً، وبناء على هذا ففی عین حریة الإرادة والاختیار، فإنّ منبع هذه الهبة وما ینتج عنها من جانب الله سبحانه. دققوا ذلک.
2ـ إنّ آخر جملة من الآیة الأخیرة، أی (ویجعل الرجس على الذین لا یعقلون ) لاینبغی أن تفسر بمعنى الجبر مطلقاً، لأنّ جملة (لا یعقلون ) دلیل على اختیار هؤلاء، أی إنّ هؤلاء الأفراد قد امتنعوا من التفکیر والتدبر أوّلا. فابتلوا فی النهایة بهذا العقاب، الذی هو الرجس وقذارة الشک والتردد وظلمة القلب والخطأ فی التفکیر الذی سلط على هؤلاء حتى سلبت منهم القدرة على الإیمان، إلاّ أنّه ینبغی الإنتباه إلى أنّ مقدمات العذاب قد هیأها هؤلاء بأنفسهم، وفی مثل هذه الأحوال فإنّ الله تعالى لایأذن فی إیمان هؤلاء.
وبتعبیر آخر، فإنّ هذه الجملة تشیر إلى أنّ إذن الله وأمره لیس أمراً اعتباطیاً غیر مدروس ومحسوب، بل إنّه یشمل اُولئک الذین لهم أهلیة الإیمان، أمّا غیر اللائقین فإنّهم سیحرمون منه.