لقد طالعنا فی الآیات السابقة أنّ الإیمان الاضطراری لا یجدی نفعاً أبداً، ولهذا فإنّ الآیة الاُولى من هذه الآیات تقول: (ولو شاء ربّک لآمن من فی الأرض کلّهم جمیعاً ) وبناء على هذا فلا یعتصر قلبک ألماً لعدم إیمان جماعة من هؤلاء، فإنّ من مستلزمات أصل حریة الإرادة والاختیار أن یؤمن جماعة ویکفر آخرون، وإذا کان الأمر کذلک (أفأنت تکره الناس حتى یکونوا مؤمنین )؟
إنّ هذه الآیة تنفی بصراحة مرّة اُخرى التهمة الباطلة التی قالها ویقولها أعداء الإسلام بصورة مکررة، حیث یقولون: إنّ الإسلام دین السیف، وقد فرض بالقوّة والإجبار على شعوب العالم، فتجیب الآیة ـ ککثیر من آیات القرآن الاُخرى ـ بأنّ الإیمان الإجباری لا قیمة له، والدین والإیمان شیء ینبع عادة من أعماق الروح، لا من الخارج وبواسطة السیف، خاصّة وأنّها حذرت النّبی (صلى الله علیه وآله) من إکراه وإجبار الناس على الإیمان والإسلام.
الآیة التّالیة قد ذکرت هذه الحقیقة أیضاً، وهی أنّ البشر وإن کانوا أحراراً فی اختیارهم، إلاّ أنّه (وما کان لنفس أن تؤمن إلاّ بإذن الله ) ولهذا فإنّ هؤلاء قد ساروا فی طریق الجهل وعدم التعقل، ولم یکونوا مستعدین للاستفادة من رأس مال فکرهم وعقلهم، وسوف لا یوفقون للإیمان وهم على هذا الحال، إذ (ویجعل الرجس على الذین لایعقلون ).