کانت قصّة هؤلاء على ما جاء فی التواریخ، أنّه عندما یئس یونس من إیمان قومه القاطنین أرض نینوى فی العراق، دعا على قومه باقتراح من عابد کان یعیش بینهم، فی حین أنّ عالماً کان معهم أیضاً اقترح على یونس أن یدعو لهؤلاء لا علیهم، وأن یستمر فی إرشاده أکثر من قبل ولا ییأس.

یونس اعتزل قومه بعد الدعاء علیهم، فاجتمع قومه الذین کانوا قد جربوا صدق أقواله حول ذلک الرجل العالم، ولم یکن أمر العذاب القطعی قد صدر بعد، إلاّ أنّ علاماته قد شرعت فی الظهور، فاغتنم هؤلاء الفرصة وعملوا بنصیحة العالم وخرجوا معه خارج المدینة للتضرع والدعاء، وأظهروا الإیمان والتوبة، ومن أجل أن یزداد توجههم الروحی فرقوا بین الاُمهات والأولاد، ولبسوا اللباس الخشن البالی وهبوّا للبحث عن نبیّهم فلم یعثروا له على أثر.

إلاّ أنّ هذه التوبة والإیمان والرجوع إلى الله، الذی تمّ فی الوقت المناسب وعن وعی مقترن بالإخلاص قد أثر أثره، وارتفعت علامات العذاب وعادت المیاه إلى مجاریها، ولمّا رجع یونس إلى قومه بعد احداث ووقائع کثیرة وقعت له قبلوه بأرواحهم وقلوبهم.

وسنبیّن تفصیل حیاة یونس نفسه فی ذیل الآیات 139 ـ 148 من سورة الصافات، إن شاء الله تعالى.

والجدیر بالذکر، إنّ قوم یونس لم یستحقوا العذاب الإلهی الحتمی، وإلاّ لم تقبل توبتهم، بل کانت تأتیهم الإنذارات والتحذیرات التی تظهر عادة قبل العذاب النهائی، وقد کان مقدارها کافیاً للتوعیة، فی حین أنّ الفراعنة مثلا کانوا قد رأوا هذه الإنذارات مراراً ـ کحادثة الطوفان والجراد واختلاف ماء النیل الشدید وأمثالها ـ إلاّ أنّهم لم یعبؤوا بها مطلقاً ولم یأخذوها بمنظار جدی، واکتفوا بالطلب من موسى أن یدعوا الله لیرفع عنهم هذه الإبتلاءات لیؤمنوا، لکنّهم لم یؤمنوا مطلقاً.

ثمّ إنّ القصّة أعلاه تبیّن بصورة ضمنیة مدى تأثیر القائد الواعی الرشید الحریص فی القوم أو الاُمّة، فی حین أن العابد الذی لا یمتلک الوعی الکافی یعتمد على الخشونة أکثر، وهکذا یفهم من هذه الرّوایة منطق الإسلام فی المقارنة بین العبادة الجاهلة، والعلم الممتزج بالاحساس بالمسؤولیة.