طمأنینة الروح فی ظل الإیمان:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 5
سورة یونس / الآیة 62 ـ 65 بحثان

لما شرحت الآیات السابقة بعضاً من حالات المشرکین والأفراد غیر المؤمنین، بیّنت هذه الآیات حال المؤمنین المخلصین المجاهدین المتقین الذین یقعون فی الطرف المقابل لاُولئکَ تماماً، حتى یعرف النور من الظلمة، والسعادة من الشقاء من خلال المقارنة بینهم کما هو شأن القرآن وطریقته دائماً.

تقول الآیة أوّلا: (ألا إنّ أولیاء الله لا خوف علیهم ولا هم یحزنون ) ومن أجل فهم دقیق لمحتوى هذا الکلام لابدّ أن نعرف معنى الأولیاء جیداً.

«الأولیاء» جمع ولی، وقد أخذت فی الأصل من مادة: ولی، یلی، بمعنى عدم وجود واسطة بین شیئین، وتقاربهما وتتابعهما، ولهذا یطلق على کل شیء له نسبة القرابة والقرب من شیء آخر سواء کان من جهة المکان أو الزمان أو النسب أو المقام، بأنّه ولی، ومن هنا استعملت هذه الکلمة بمعنى الرئیس والصدیق وأمثال ذلک.

بناءً على هذا، فإنّ أولیاء الله هم الذین لایوجد حاجب وحائل بینهم وبین الله، فقد زالت الحجب عن قلوبهم ویتقلبون فی نور المعرفة والإیمان والعمل الخالص، ویرون الله بعیون قلوبهم بحیث لایجد الشک أی طریق إلى تلک القلوب الوالهة، وبالنظر لهذه المعرفة بالله الأزلی والقدرة اللامحدودة والکمال المطلق، فإنّ کل شیء سوى الله حقیر فی نظرهم ولا قیمة له، وفان لا أهمیّة له.

إنّ من یرى المحیط یزهد فی القطرة، ومن ینظر الى نور الشمس لا یهتم بنور الشمعة.

ومن هنا یتّضح أنّ هؤلاء لماذا لایخافون، لأنّ الخوف ینشأ عادة من احتمال فقدان النعم التی یمتلکها الإنسان، أو من الأخطار التی یمکن أن تهدده فی المستقبل، کما إنّ الغم والهم یرتبط عادة بما یتعلق بالماضی، ویستولی على الإنسان نتیجة فقدانه لإمکانیات وثروات کانت تحت یده.

إنّ أولیاء وأحباء الله الحقیقیین متحررون من کل أشکال الإرتباط والتعلق بعالم المادة، ویحکم «الزهد» بمعناه الحقیقی وجودهم، فهم لا یجزعون من فقدان الممتلکات المادیة ولا یخافون من المستقبل، ولا یشغلون أفکارهم بمثل هذه المسائل. وبناءً على ذلک فإن الغموم والأخاویف التی ترتبط بالماضی والمستقبل، والتی تجعل الآخرین فی حال اضطراب وقلق دائم، لا سبیل لها إلى وجود هؤلاء.

إنّ الماء فی الإناء الصغیر قد یهتز من نفخة إنسان، لکن المحیط الکبیر لا یتأثر حتى بالعاصفة، ولذلک سمّوه المحیط الهادی: (لکیلا تأسوا على مافاتکم ولا تفرحوا بما آتاکم ) (1) . فلم یکن لهم تعلّق بما کان فی ایدیهم سابقاً، ولا یصیبهم الغم والحزن فی الیوم الذی سیفارقونه، فإنّ روحهم أکبر، وفکرهم أسمى من أن تؤثر فیهم مثل هذه الحوادث فی الماضی والمستقبل.

على هذا الأساس فإنّ الأمن والطمأنینة الواقعیة هی الحاکمة على وجودهم، وعلى حدّ قول القرآن: (اُولئک لهم الأمن ) (2) ، وبتعبیر آخر: (ألا بذکر الله تطمئنّ القلوب ) (3) .

والخلاصة هی أنّ الحزن والخوف عند البشر یتولّدان عادة من حبّ الدنیا، فمن الطبیعی أن لایصیب هؤلاء الذین نفضوا ایدیهم وقلوبهم من حبها خوف، أو حزن.

کان هذا هو البیان الاستدلالی للمسألة، وقد یعرض هذا الموضوع أحیاناً ببیان آخر یتخذ شکلا عرفانیاً بهذه الصورة:

إنّ أولیاء الله غارقون فی صفات جماله وجلاله، وذائبون فی مشاهدة ذاته المقدّسة إلى الحد نسوا کل شیء غیره، ومعلوم أنّ الغم والحزن والخوف والوحشة تحتاج حتماً إلى تصور فقدان وخسارة شیء ما، أو مواجهة عدو أو موجود خطر، فمن لم یجعل لغیر الله مکاناً فی قلبه ولا طریقاً إلى فکره، ولا یقبل فی روحه إله غیره، کیف یمکن أن یغتم ویخاف ویستوحش؟

لقد اتّضحت ممّا قلناه هذه الحقیقة أیضاً، وهی أنّ المقصود من الغموم هی الغموم المادیة والأخاویف الدنیویة، وإلاّ فإنّ وجود أولیاء الله مملوء بالخوف والخشیة... الخوف من عدم أداء الواجبات والمسؤولیّة. والأسف والحسرة على أن یکون قد فاتهم شیء من الموفقیة، ولهذا الخوف والحسرة صفة معنویة، فهما أساس تکامل وجود الإنسان ورقیّه، بعکس الخوف والحزن الدنیویین فهما أساس الإنحطاط والتسافل.

یقول أمیرالمؤمین (علیه السلام) فی خطبته المعروفة مع همام، حیث یجسد فیها حالات أولیاء الله فی أرقى وصف: «قلوبهم محزونة، وشرورهم مأمونة»، ثمّ یقول: «ولولا الأجل الذی کتب الله علیهم لم تستقر أرواحهم فی أجسادهم طرفة عین، شوقاً إلى الثواب، وخوفاً من العقاب» (4) .

ویقول القرآن المجید ـ أیضاً ـ فی شأن المؤمنین: (الذین یخشون ربّهم بالغیب وهم من الساعة مشفقون ) (5) . وبناء على ذلک فإنّ لهؤلاء خوفاً آخر.

هناک بحث بین المفسّرین فیمن هم المقصودون من أولیاء الله، إلاّ أنّ الآیة الثّانیة وضحت المطلب وأنهت النقاش، فهی تقول: (الذین آمنوا وکانوا یتّقون ).

الملفت للنظر أنّها ذکرت الإیمان بصیغة الفعل الماضی المطلق، والتقوى بصیغة الماضی الإستمراری، وهذا إشارة إلى أنّ إیمان هؤلاء قد بلغ حد الکمال، إلاّ أنّ التقوى التی تنعکس فی العمل الیومی، وتتطلب کل یوم وکل ساعة عملا جدیداً، ولها صفة تدریجیة، فإنّها قد ظهرت على هؤلاء بصورة برنامج دائمی ومسؤولیة متواصلة.

نعم... إنّ الذین یرتکزون على هذین الرکنین الأساسیین: الدین والشخصیة، یحسون بدرجة من الطمأنینة داخل أرواحهم بحیث لا تهزهم أیة عاصفة من عواصف الحیاة، بل یقفون أمامها کالجبل، کما وصفهم الحدیث: «المؤمن کالجبل الراسخ لا تحرکه العواصف». (6)

وتؤکّد الآیة الثّالثة على مسألة عدم وجود الخوف والغم والوحشة فی شخصیة وقلوب أولیاء الحق بهذه العبارة: (لهم البشرى فی الحیاة الدنیا وفی الآخرة ) وعلى هذا فهم لیسوا خالین من الخوف والغم وحسب، بل إنّ البشارة والفرحة والسرور بالنعم الکثیرة والمواهب الإلهیّة اللامحدودة فی هذه الدنیا والآخرة من نصیبهم. (ینبغی الانتباه إلى أنّ البشرى قد ذکرت مع ألف ولام الجنس بصورة مطلقة، فهی تشمل أنواع البشارات).

ثمّ تضیف من أجل التأکید أیضاً: (لا تبدیل لکلمات الله ) بل هی ثابتة حقّة، وأنّ الله سبحانه سیفی بما وعد به أولیاءه، و (ذلک هو الفوز العظیم ).

وحولت الآیة الخطاب إلى النّبی (صلى الله علیه وآله) الذی یمثل رأس سلسلة أولیاء الله وأحبائه مخاطبةً له بلحن المواساة وتسلیة الخاطر: (ولا یحزنک قولهم إنّ العزّة لله جمیعاً ) ولا یمکن أن یقوم العدو بعمل مقابل إرادة الحق، فإنّه تعالى عالم بکل خططهم ودسائسهم. فـ (هو السمیع العلیم ).


1. الحدید، 23.
2. الأنعام، 82.
3. الرعد، 28.
4. نهج البلاغة، خطبة 193.
5. الأنبیاء، 49.
6. أصول الکافی، ج 2، ص 241; وشرح أصول الکافی، للمولى محمد صالح المازندرانی، ج 9، ص 181.
سورة یونس / الآیة 62 ـ 65 بحثان
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma