التّفسیر

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 5
سورة یونس / الآیة 31 ـ 33 سورة یونس / الآیة 34 ـ 36

الحدیث فی هذه الآیات عن علامات ودلائل وجود الله سبحانه وأهلیته للعبادة، وتعقب أبحاث الآیات السابقة حول هذا الموضوع.

ففی البدایة تقول: قل لهؤلاء المشرکین وعبدة الأوثان الحائرین التائهین عن طریق الحق: من یرزقکم من السماء والأرض؟ (قل من یرزقکم من السماء والأرض ).

«الرزق» یعنی العطاء والبذل المستمر، ولما کان الواهب لکل المواهب فی الحقیقة هو الله سبحانه، فإنّ «الرازق» و«الرزّاق» بمعناهما الحقیقی لایستعملان إلاّ فیه فقط، وإذا استعملت هذه الکلمة فی حق غیره فلا شک أنّها من باب المجاز، کالآیة 233 من سورة البقرة التی تقول فی شأن النساء المرضعات: (وعلى المولود له رزقهنّ وکسوتهنّ بالمعروف ).

وینبغی ـ أیضاً ـ أن نذکّر بهذه النقطة، وهی أنّ أکثر أرزاق الإنسان من السماء، فالمطر المحیی للنبات، الذی تحتاجه کل الکائنات الحیة مستقر فی فضاء الأرض، والأهم من ذلک کله أشعة الشمس التی لایبقى بدونها أی کائن حی، ولاتنبعث بدونها أیة حرکة فی أنحاء الکرة الأرضیة فإنّها تأتی من السماء، وحتى الحیوانات التی تعیش فی أعماق البحار فإنّها حیة بنور الشمس، لأنا نعلم أنّ غذاء الکثیر منها أعشاب صغیرة جدّاً تنمو فی طیات الأمواج على سطح المحیط مقابل أشعة الشمس، والقسم الآخر من هذه الحیوانات تتغذى على لحوم الحیوانات البحریة الاُخرى التی تتغذى على تلک النباتات.

والأرض وحدها هی التی تغذی جذور النباتات بواسطة موادها الغذائیة، وربّما کان هذا هو السبب فی أن تتحدث الآیة أوّلا عن أرزاق السماء، ثمّ عن أرزاق الأرض حسب تفاوت درجة الأهمیة.

ثمّ تشیر الآیة إلى حاستین من أهم حواس الإنسان، واللتان لایمکن کسب العلم وتحصیله بدونهما، فقالت: (أمّن یملک السمع والأبصار ). وفی الواقع فإنّ هذه الآیة أشارت إلى النعم المادیة أوّلا، ثمّ إلى المواهب والأرزاق المعنویة التی تصبح النعم المادیة بدونها فاقدة للهدف والمحتوى.

إن کلمة (سَمع) مفردة، وهی بمعنى الأذن، و«الأبصار» جمع بصر بمعنى العین، وهنا یأتی هذا السؤال، وهو: لماذا ذکرت کلمة السمع فی کل القرآن بصیغة المفرد، وأمّا البصر فإنّها جاءت تارة بصیغة المفرد، وتارةً اُخرى بصیغة الجمع جواب هذا السؤال مذکور فی المجلد الأوّل من هذا التّفسیر ذیل الآیة 7 من سوره البقرة .

ثمّ تطرقت الآیة إلى ظاهرتی الموت والحیاة اللتین هما أعجب ظواهر عالم الخلقة، فتقول: (ومن یخرج الحىّ من المیّت ویخرج المیّت من الحىّ ) وهذا هو نفس الموضوع الذی حیّر عقول علماء الطبیعة وعلماء الاحیاء، وهو کیف أتى الموجود الحی إلى الوجود من موجود میت؟ فهل إنّ مثل هذه المسألة ـ التی لم تفلح جهود ومساعی العلماء الحثیثة إلى الآن فی کشف أسرارها ـ أمراً بسیطاً ومرتبطاً بالصدفة وبدون برنامج وهدف؟ لا شک أنّ من وراء ظاهرة الحیاة المعقدة والظریفة والملیئة بالأسرار علم وقدرة خارقة وعقل کلی.

إنّه لم یخلق الکائن الحی فی البدایة من الموجودات الأرضیة المیتة وحسب، بل إنّه قرر عدم خلود الحیاة، ولهذا خلق الموت فی قلب الحیاة لیفسح المجال عن هذا الطریق لتغیر الأحوال والتکامل.

ویحتمل ـ أیضاً ـ فی تفسیر هذه الآیة أنّها تشمل الموت والحیاة المعنویین إضافة إلى الموت والحیاة المادیین، لأنّنا نرى أناساً عقلاء طاهرین ورعین مؤمنین یولدون أحیاناً من أبوین ملوثین منحرفین لا إیمان لهما، ویلاحظ أیضاً عکس ذلک حیث یأتی إلى الوجود أناسٌ تافهون لاقیمة لهم من أبوین فاضلین (1) . خلافاً لقانون الوراثة.

طبعاً، لا یوجد مانع من أن تکون الآیة أعلاه تشیر إلى کلا القسمین، لأنّ کلیهما من عجائب الخلقة ومن الظواهر العجیبة فی العالم، وهما موضحان لهذه الحقیقة، وهی أن لقدرة الخالق العالم الحکیم دخلا فی هذه الاُمور إضافةً إلى الاُمور الطبیعیة.

وقد أعطینا توضیحات اُخرى حول هذا الموضوع ذیل الآیة 95 من سورة الأنعام.

ثمّ تضیف الآیة: (ومن یدبّر الأمر )، والکلام فی الواقع بدأ عن خلق المواهب، ثمّ عن حافظها وحارسها ومدبرها، وبعد أن یطرح القرآن الکریم هذه الأسئلة الثلاثة یقول مباشرة بأنّ هؤلاء سیجیبون بسرعة: (فسیقولون الله ).

یستفاد من هذه الجملة جیداً أنّه حتى مشرکی وعبدة الأصنام فی الجاهلیة کانوا یعلمون أنّ الخالق والرازق والمحیی ومدبر أمور عالم الوجود هو الله سبحانه، وقد علموا هذه الحقیقة عن طریق العقل، وکذلک عن طریق الفطرة، وهی أنّ هذا النظام الدقیق للعالم لا یمکن أن یکون ولید الصدفة والفوضى، أو مخلوقاً من قبل هذه الأصنام.

وفی آخر الآیة یأمر الله نبیّه (فقل أفلا تتّقون ) فإنّ الوحید الذی له أهلیة العبادة هو الذی بیده الخلق وتدبیر أمره، وإذا کانت العبادة لأجل أهلیة وعظمة ذات المعبود، فإنّ هذه الأهلیة والعظمة منحصرة فی الله تعالى، وإذا کانت من أجل أنّه مصدر الضر والنفع، فإنّ ذلک مختص بالله أیضاً.

وبعد أن عرضت الآیة السابقة نماذج من آثار عظمة وتدبیر الله فی السماء والأرض، وأیقظت وجدان وعقل المخالفین ودعتهم للحکم فی أمر الخالق، واعترف هؤلاء بذلک، خاطبتهم الآیة التالیة بلهجة قاطعة وقالت: (فذلکم الله ربّکم الحقّ ) لا الأصنام، ولا سائر الموجودات التی جعلتموها شریکة للباری عزَّوجلّ، والتی تسجدون أمامها وتعظمونها.

کیف یمکن أن یکون هؤلاء أهلا للعبودیة فی حین أنّهم لیسوا فقط غیر قادرین على المشارکة فی خلق العالم وتدبیره فحسب، بل منغمسون فی الفقر والاحتیاج من الرأس حتى أخمص القدم.

ثمّ تنتهی إلى ذکر النتیجة: (فماذا بعد الحقّ إلاّ الضّلال فأنّى تصرفون ) وأنّى تولوا وجوهکم عن عبادة الله وأنتم تعلمون ألاّ خالق ولا معبود حقّاً سواه؟

إنّ هذه الآیة فی الواقع تطرح طریقاً منطقیاً واضحاً لمعرفة الباطل وترکه، وهو أن یخطو الإنسان أوّلا فی سبیل معرفة الحق بآلیات الوجدان والعقل، فإذا عرف الحق فإنّ کل ما خالفه باطل وضلال، ویجب أن یضرب عرض الحائط.

وتقول آخر آیة فی بیان العلة فی عدم اتباع هؤلاء للحق رغم وضوح الأمر وظهور الحق: (کذلک حقّت کلمة ربّک على الذین فسقوا أنّهم لا یؤمنون ) (2) وفی الواقع فإنّ هذه خاصیة الأعمال السیئة المستمرة لهؤلاء بحیث تُظلم قلوبهم وتلوث أرواحهم إلى درجة لایرون معها الحق رغم وضوحه وتجلّیه، ویسلکون نتیجة لذلک طریق الضلال.

بناء على ذلک، فإنّ الآیة أعلاه لا دلالة لها مطلقاً على مسألة الجبر، بل هی إشارة إلى آثار أعمال نفس الإنسان، لکن لاشک أنّ هذه الأعمال لها تلک الخاصیة بأمر الله، تماماً کما نقول لشخص: لقد قلنا لک مائة مرّة أن لا تحوم حول المواد المخدرة والمشروبات المسکرة ولا تتناولها، لکنّک لم تصغ لنا، فأصبحت الآن من المدمنین علیها ومحکوماً بأن تبقى تعیساً لمدّة طویلة.


1. لقد جاء هذا المضمون فی روایات متعددة فی ج 1، ص 543 من تفسیر البرهان، فی ذیل الآیة 95 من سورة الأنعام.
2. «کاف» التشبیه هنا إشارة إلى المطلب الذی ذکر فی آخر جملة من الآیة السابقة، ومعنى الآیة هکذا: (کما أنّه لیس بعد الحق إلاّ الضلال، کذلک حقّت کلمة ربّک).
سورة یونس / الآیة 31 ـ 33 سورة یونس / الآیة 34 ـ 36
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma