1ـ لما لم یکن لله سبحانه وتعالى مکان خاص، وخاصّة إذا علمنا أنّه موجود فی کل مکان فی جمیع العوالم، وأنّه أقرب إلینا منّا، فإنّ هذه الحقیقة قد جعلت المفسّرین یفسرون (إلیه مرجعکم جمیعاً ) فی هذه الآیة، والآیات الاُخرى فی القرآن، تفاسیر مختلفة:

فقیل إنّ المقصود هو أنّکم ترجعون إلى جزاء الله سبحانه.

وربّما اعتبر بعض الجاهلین هذا التعبیر دلیلا على تجسم الله سبحانه فی یوم القیامة، وبطلان هذه العقیدة أوضح من أن یحتاج إلى بیان وإثبات.

إلاّ أنّ الذی یبدو بدقة من خلال آیات القرآن الکریم، إنّ عالم الحیاة کقافلة تحرکت من عالم العدم وتستمر فی مسیرتها اللانهائیة نحو اللانهایة التی هی ذات الله المقدسة، بالرغم من أنّ المخلوقات محدودة، والمحدود لایمکن أن یکون لا نهائیاً قط، غیر أنّ سیره إلى التکامل لا یتوقف أیضاً، وحتى بعد قیام القیامة فإنّ السیر التکاملی سیستمر، کما أوضحنا ذلک فی بحث المعاد. (1)

یقول القرآن الکریم: (یا أیّها الإنسان إنّک کادح إلى ربّک کدحاً ). (2)

ویقول: (یا أیّتها النّفس المطمئنّة * إرجعی إلى ربّک ). (3)

ولما کان بدایة الحرکة من جهة الخالق، حیث شعت منه أوّل بارقة للحیاة، وأنّ هذه الحرکة التکاملیة ـ أیضاً ـ تسیر نحوه، فقد عبّرت الآیة بالرجوع. وبعبارة مختصرة فإنّ هذه التعبیرات إضافةً إلى أنّها تشیر إلى أن بدایة حرکة عامّة الموجودات من الله سبحانه، فإنّها تبیّن أیضاً أنّ هدف هذه الحرکة وغایتها، هی ذات الله المقدسة. وإذا لاحظنا أن تقدیم کلمة «إلیه» یدل على الحصر، سیتّضح أنّ أی وجود غیر ذات الله المقدسة لایمکن أن یکون هدفاً وغایة لهذه الحرکة التکاملیة لا الأصنام ولا أی مخلوق آخر، لأنّ کل هذه الوجودات محدودة، ومسیر الإنسان مسیر لا نهائی.

2ـ إنّ کلمة «القسط» تعنی فی اللغة إعطاء سهم آخر، ولذلک فقد أخفی فیها مفهوم العدل والإنصاف. واللطیف أنّ الآیة قد استعملت هذه الکلمة فی حق ذوی الأعمال الصالحة فقط، ولم تذکرها فی جزاء الکافرین والسیئی الأعمال، وذلک لأنّ العذاب لیس على شکل الحصص والأرباح، وبتعبیر أخر فإنّ کلمة القسط تناسب الجزاء الحسن فقط، لا العقاب.

1. لمزید الایضاح راجع کتاب «المعاد وعالم الآخرة».
2. الانشقاق، 6.
3. الفجر، 27 و28.